الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

يموت الشعب ليحيا العسكر - بقلم : شريف منصور

يموت الشعب ليحيا العسكر -

بقلم :  شريف منصور

منذ انتهت حقبة الاحتلال الغربي لمنطقتنا العربية تسلَّم الحكم فى معظم بلدان المنطقة حكام عسكريون وصلوا للسلطة عبر انقلابات عسكرية أو ثورات، كما أطلقوا عليها إعلامياً، بدءاً بانقلاب العسكر فى مصر سنة 1952، إلى ثورة البعث فى العراق وسوريا، فثورة القذافى فى ليبيا، إذا ما صح تسميتها كذلك، والتي رفعت جميعها شعارات المساواة وإعادة الحقوق للجماهير الكادحة وتخليصهم من نير الإقطاع والاستبداد والرجعية.

ولكنها فى حقيقة الأمر تسترت وراء هذه الشعارات لخداع الجماهير وتخديرها، وعملت على ترسيخ الطبقية بشكل جديد فى المجتمعات التي حكمتها، وأعطت الامتيازات لرجال الجيش الذين تحالفوا مع رجال المال، مستغلين سلطاتهم المطلقة، فسيطروا على السلطة والمال والجاه، واستعبدوا الشعوب وساموها سوء العذاب.

ورفع عبدالناصر في مصر شعار "ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد"، فمن رفع رأسه مطالباً بالحرية والديمقراطية والعيش الكريم طار رأسه، مثل رأس خميس والبقري من عمال المحلة، وعبدالقادر عودة ومحمد فرغلي وغيرهما من الإخوان المسلمين، واستمر قطع الرؤوس التي تأبي القهر والاستعباد إلى الآن..
يقول الرئيس محمد نجيب في كتابه "كنت رئيساً لمصر" عن هؤلاء الضباط: "كانوا لا يرون أمامهم إلا الحكم والنفوذ والسيطرة واللعب بأقدار البلد ومصائر أهله".

ويقول الدكتور يزيد صايغ، فى كتابه "فوق الدولة.. جمهورية الضباط في مصر"، الصادر عن معهد كارنيغي في أغسطس/آب 2012: "بعد عام 1991 وسعت القوات المسلحة المصرية توغلها التام في كل المجالات تقريباً من مجالات نظام حسني مبارك القائم على المحسوبيات، وجرت استمالة كبار الضباط على وعد بتعيينهم بعد التقاعد في مناصب رئيسية في الوزارات والهيئات الحكومية والشركات المملوكة للدولة ومنحهم رواتب إضافية وفرصاً مربحة تمكنهم من كسب دخل إضافي وزيادة موجوداتهم المادية، وذلك مقابل ولائهم للرئيس.

جمهورية الضباط هذه شكلت أداة أساسية للسلطة، ولا تزال تحتفظ بنفوذها السياسي المتغلغل حتى بعد سقوط حسني مبارك، مخترقة جهاز الدولة والاقتصاد على السواء، لأعلى مستوى القيادة وحسب بل أيضا على المستويات كافة، واليوم بلغت جمهورية الضباط امتدادها الأوسع، فيتمتع كبار الضباط بإمكانية الوصول إلى مجموعة واسعة من الوظائف الحكومية بعد التقاعد والسيطرة على الموارد والفرص الكبيرة ضمن الاقتصاد المدني وبالمكانة الاجتماعية المرموقة، كما أن جمهورية الضباط تمارس سيطرة حصرية على ميزانية الدفاع والمساعدات العسكرية الأميركية والشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية، يضاف إلى ذلك شعور عميق بالأحقية المؤسسية والشخصية".

تجدر الإشارة إلى أنه فى أقل من 3 سنوات زادت مرتبات ومعاشات العسكريين 7 مرات، بدأت مع إصدار السيسي قراراً فى نوفمبر/تشرين الثاني 2013 برفع رواتب ضباط الحرس الجمهوري 2000 جنيه خلال شغله منصب وزير الدفاع، وأصدر فور توليه السلطة فى يوليو/تموز 2014 قراراً بزيادة 10% على المعاشات العسكرية المستحقة لرجال القوات المسلحة، وفي ديسمبر/كانون الأول 2014 أصدر السيسي قراراً بزيادة معاشات العسكريين 5% فضلاً عن قرار فى أغسطس 2014 بتعديل الحد الأقصى لنسبة بدل العمل فى القوات المسلحة، كما أصدر قراراً فى يونيو/حزيران 2015 بزيادة المعاشات العسكرية 10% بدون حد أدنى أو أقصى، اعتباراً من أول يوليو/تموز 2015، وفي مارس/آذار 2016 أصدر السيسي قراراً بمنح معاشات استثنائية لبعض ضباط الصف الجنود المتطوعين والمجندين السابقين بالقوات المسلحة، ثم زيادة 10% فى يوليو 2016، بالإضافة إلى الامتيازات الأخرى من علاج ومواصلات مجانية ومصايف ونوادٍ وسيارات وشقق سكنية وأراضٍ وغيرها.

وفعل السيسي نفس الشيء مع القضاة ومع الشرطة؛ لضمان ولائهم المطلق فى حماية استبداد العسكر، فيُمرر قانون عبر برلمانه الملاكي يقضي بفرض ضريبة جديدة قيمتها 10 جنيهات على المواطنين توجه حصيلتها لصندوق الرعاية الصحية للقضاة العاديين والعسكريين، بينما يطالب السيسي الشعب بأن "يُصبح على مصر بجنيه"، ويطالب الشعب فى كل كلمة بضرورة التقشف وتحمل القرارات المؤلمة التي سيفرضها عليهم من ضرائب ورفع للأسعار وفواتير المياه والكهرباء والغاز وارتفاع أسعار الغذاء والدواء والوقود والمواصلات بشكل غير مسبوق، حتى تحولت حياة المصريين إلى ضنك وجحيم نجده يُغدق على الجيش والشرطة والقضاة بالمال والنفوذ في ترسيخ واضح للطبقية ولمبدأ السادة والعبيد..
إن مبدأ العسكر الواضح منذ انقلاب يوليو 1952 إلى انقلاب يوليو 2013 وما بعده إلى الآن هو أن يموت الشعب ويذهب إلى الجحيم؛ ليحيا العسكر وأبناؤهم وسدنتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق