الأربعاء، 17 أغسطس 2016

رابعة مذبحة القرن بقلم : د. عز الدين الكومي


رابعة مذبحة القرن


بقلم: د. عز الدين الكومي

اليوم تمر علينا ذكرى لا تموت، هي ذكرى رابعة، رابعة الصمود، إنها مذبحة القرن التي لم تشهدها مصر من قبل.

تأتي الذكرى الثالثة لهذه المذبحة ولا تزال سجون النظام الانقلابي تغص بالعلماء والدعاة، والوزراء، والسياسيين، وأساتذة الجامعات، والمهنيين، وأعضاء البرلمان، والمحامين، والرجال والنساء والأطفال.

رابعة.. اسم يهابه الظالمون من سدنة النظام الانقلابي المصري من العسكر والشرطة وإعلام مسيلمة الكذاب وقضاء الحاجة.
لقد كانت رابعة بحق أفضل تجمع بشري يقف جنبا إلى جنب رافضا ظلم وغشم وقمع النظام الانقلابي.

رابعة التي حولت أنظار المسلمين في العالم الإسلامي من متابعة صلاة القيام والتهجد في الحرمين الشريفين إلى ميدان رابعة الصمود والتحدى؛ رابعة الطهر والعفاف, على الرغم من محاولات الإعلام الانقلابي وأذنابه رمي أهل رابعة بتهم تستوجب حد القذف مثل نكاح الجهاد وغير ذلك من حقارات الانقلاب الإعلامية.

لم تكن رابعة مجرد اسم لميدان ارتبط باسمه امرأة صالحة عرفت في التاريخ الإسلامي بطهارتها وعفتها وزهدها وحبها لله والرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنها صارت رمزا لكل أحرار العالم.

رابعة التي سالت على أرضها وبالقرب منها دماء طاهرة لشباب أطهار أنفوا الذل والظلم، وتحرروا من العبودية وقرروا الوقوف في وجه السلطة الانقلابية التي اغتصبت سلطتهم واغتالت أحلاهمهم التي ولدت مع ثورة الخامس والعشرين من يناير.

رابعة هي رمز الثبات والصبر ومواجهة الظالمين بقول كلمة الحق في وجه السلطان الظالم الغاشم والتي حاول إعلام النظام الانقلابي أن يظهرها كمعركة بين الإخوان والعسكر طمعا في السلطة، لكن الواقع كذّب ذلك، فجاء الرد من الأحرار (أن رابعة ليس معناها إنك إخوان، ولكن معناها إنك إنسان)، فعلا كانت إنسانية رابعة واضحة وظاهرة في الشباب الذي يعمل وينظف الميدان ويحرس ويقدم الخدمة لمن يحتاجها.. في الحراسة.. في السقاية.. في الشباب الذي يمر برشاشات المياه ليخفف المعاناة عن المعتصمين، وحتى هذه أيضا لم تسلم من إعلام مسيلمة الكذاب الذي رمى أهل رابعة بأنهم أصيبوا بالجرب والأمراض الجلدية، كما فعل كفار قريش عندما أشاعوا أن المسلمين أوهنتهم حمى يثرب فكذب الرسول صلى الله عليه وسلم مقولتهم في عمرة القضاء.

تحولت رابعة إلى شعار يرفعه كل أحرار العالم، وعلى الرغم من عدم معرفة من أول من ابتكر هذا الشعار, لكن الإعلام الانقلابي كعادته نسب هذا الاختراع إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عندما كان يخاطب جمعا من الأتراك، ولم يلبث أن تحول هذا الشعار إلى شعار عالمي رفعه الحجيج في موسم الحج التالي لمذبحة، رابعة على الرغم من تهديد سلطات الانقلاب لمن يرفع الشعار بالترحيل وعدم إكمال فريضة الحج، وما زلت أذكر الشيخ محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي عندما رفع شعار رابعة في يوم عرفة.

نعم.. لقد تحول شعار رابعة إلى شعار إنساني بامتياز, فقد رفعه لاعب الكونج فو المصرى هشام عبدالحميد بعد فوزه بذهبية بطولة ماليزيا, ورفعه أحمد عبدالظاهر لاعب النادي الأهلي في نهائي بطولة أندية إفريقيا, وشن عليه إعلام الانقلاب حملة شعواء يومها، وتعرض للإيقاف بسبب ذلك, ورفعه أيضا لاعب الكونج فو المصري محمد يوسف رمضان في بطولة سان بطر سبورج بروسيا وغيرهم كثير.

ومما لا شك فيه أن رفع هذا الشعار سبب إزعاجا للسلطة الانقلابية ترتب عليه اعتقال مئات الأطفال الذين رفعوا هذا الشعار أو جعلوه على أدواتهم المدرسية، وآخر ما تفتق عنه ذهن السلطة الانقلابية هو تجريم رفع شعار رابعة واعتباره جريمة يعاقب عليها بالحبس والغرامة.

سوف تأتي ذكرى مجزرتي رابعة والنهضة على يد جيش كامب ديفيد وبلطجية الداخلية ومن معهم مِن بلطجية الشوارع، ولم يقدم حتى الآن أي مسؤول أو جندي عن هذه المذابح إلى المحاكمة أو المساءلة،÷ على الرغم من معرفتنا السابقة بما ستؤول إليه هذه المحاكمات لو تمت على يد القضاء الشامخ الذي فقد ضميره وإنسانيته، والذي برأ من أجرموا في حق الأبرياء فيما عرف بسيارة الترحيلات، على الرغم من قتلهم عمدا لسبع وثلاثين شخصا.

وعلى الرغم من المطالبات الدولية بفتح تحقيق يتسم بالشفافية في مجزرتي رابعة والنهضة إلا أن السلطة الانقلابية لم تعر ذلك أدنى اهتمام، ومن باب ذر الرماد في العيون أمرت بتشكيل لجنة لتقصى الحقائق لم تتسم بالشفافية أو الجدية للوصول للحقيقة، كما أن المجلس القومي لحقوق الإنسان والمفترض أن يدافع عن حقوق الإنسان ويعمل على تدعيمها قدم تقريرا كان همه الوحيد هو تبرئة قوات الجيش من مجزرتي رابعة والنهضة، وزعم أن الاعتصام مورست فيه جرائم تخالف القوانين المحلية والدولية كالتعذيب والقتل خارج إطار القانون والقبض على بعض المواطنين واحتجازهم والتحريض على العنف والكراهية واستغلال الأطفال وحمل السلاح مما استوجب فضّه!

ولم يكتف المجلس بهذا الكذب والنفاق الصراح بل راح يسطر الأكاذيب التي دحضتها كل التقارير الحقوقية الدولية حيث قال: "قوات الشرطة التزمت بالمعايير الدولية في عملية الفض واستخدمت القوة بالقدر اللازم وتوفرت لها حالة الضرورة في استخدام اﻷسلحة النارية وحافظت على التناسب النوعي بين اﻷسلحة المستخدمة، إلا أنها قد ارتكبت بعض الأخطاء الإجرائية غير المبررة، وأن المسلحين داخل الاعتصام كانوا يتحركون ويطلقون النيران من وسط المعتصمين فيما يمكن وصفه باستخدامهم المعتصمين كدروع بشرية".

هذا هو تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي عينه العسكر عقب انقلاب 3 يوليو، جاء بعيدا كل البعد عن المهنية والمصداقية والموضوعية والنزاهة, وكان كل همه تبرئة سلطة الانقلاب والإلقاء باللائمة على الضحايا، كما اعتمد المجلس على تحريات الداخلية وشهادات ضباط الشرطة التي غالبا ما تكون مفبركة وكاذبة، واعتبرها من المسلمات التي لا مرية فيها, والصدق الذي لا يعتريه الكذب.

وبعد ثلاث سنوات تطلب الأمم المتحدة تحقيقات كاملة بمقتل مئات المصريين على أيدي شرطة الانقلاب وعسكر كامب ديفيد في مذبحة رابعة.

وقال بان كي مون: إنه من المهم للغاية إجراء تحقيق كامل بشأن مقتل مئات المدنيين خلال فض اعتصام ميدان رابعة العدوية في شهر أغسطس 2013م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق