الأربعاء، 17 أغسطس 2016

عندما يحكمنا خبير في التجسس بقلم : ناصر البنهاوى


عندما يحكمنا خبير في التجسس 
بقلم :  ناصر البنهاوى

إذا حصل الأطفال على بعض النقود، فأول ما يفكرون فيه هو شراء الشكولاتة والألعاب بسبب ولعهم بها. وبالمثل، نجد أن المصرف الطبيعي والأهم للأموال عند المرأة هو زينة البيت وتغيير الأثاث والذهب والملابس وكل أشكال الكماليات.
نفس المنطق ينطبق على الحاكم، فلو كان خبيرا في الزراعة فسوف يركز على الزراعة، ولو كان طبيبا سوف يركز على الرعاية الصحية، ولو كان معلما سوف يركز على التعليم. هذا بالضبط ما حدث في تركيا ومصر. فعندما حكم تركيا خبير في الاقتصاد وإدارة الأعمال استطاع تسديد كل ديونها الخارجية في عشر سنوات، ورفع منزلتها من الترتيب 119 إلى الترتيب الــ16 على مستوى العالم.
وعلى نفس المنوال، عندما حكمنا العسكر ركزوا على الملف الأمني وحاولوا إقناع المصريين أن شراء الأسلحة ومحاربة الإرهابيين أولى من الطعام والشراب والدواء. وأنه يجب محاربة الإرهابيين في كل مكان، في غزة وفى ليبيا وسيناء وفى مدارس مصر ومستشفياتها ومصانعها. كما اتهموا كل معارضيهم بالإرهاب، سواء كانوا إخوانا أو اشتراكيين أو ليبراليين أو حتى المنقلبين منهم.
فشريكهم في الانقلاب محمد البرادعى اتهم بأنه إخوان، وشفيق الذى صوت له الملايين- ووقتها لم يكن السيسى معروفا للعامة- لا يستطيع الرجوع الى مصر. اشتروا أسلحة بما يزيد عن 100 مليار جنيه كانت تكفى لاستصلاح 5 ملايين فدان. اشتروا أسلحة بمليارات ومنها ما لن يتم استخدامه إطلاقا، مثل الغواصات وطائرات الرافال وحاملات الطائرات.
علاقة مصر بإسرائيل أصبحت علاقة حميمة، والسيسى لم يحاول حتى تهديد إثيوبيا بسبب سد النهضة، ومحاربة الإرهابيين لا تحتاج إلى رافال وحملات طائرات أو غواصات.
السيسي اشترى حاملات طائرات ومستشفيات مصر لا توجد بها حوامل للمحاليل الطبية. وبالمثل بنى مقرا جديدا لوزارة الداخلية بنحو 200 مليون جنيه، ومقرا للنائب العام بملغ 300 مليون جنيه، ونحو 42 سجنا جديدا كلفت الدولة المليارات. كما أغدق على الجيش والشرطة والقضاء ورفع رواتبهم 7 مرات، وزرع عسكريا في كل وزارة وإدارة وهيئة مدينة. كما اقترح مميش على السيسى شق تفريعة جديدة للقناة؛ لأنه لا يفهم إلا في القنوات، وبسبب انعدام خبرة السيسى وضيق أفقه السياسى والاقتصادي وافق عليها على الفور.
هكذا يحدث عندما يحكمنا عسكرى فهو لا يعرف إلا العساكر، هم أبناؤه وعشيرته وأصدقاؤه ومعاونوه وصهره ونسبه وشركاؤه. بل وصل التطرف بهم إلى أنهم يخططون لإنشاء وكالة للفضاء. تكلفة شراء مكوك الفضاء نحو 1.7 مليار دولار، وتكلفة إطلاقه نحو 450 مليون دولار، هذا بالإضافة إلى المباني والخبراء والأجهزة المساعدة الأخرى. هذا هو تفكير العسكر، ولولا خوفهم من الهزيمة وحبهم للراحة والدنيا، وخوفهم من عصيان الجنود لحاربوا في غزة وليبيا وسوريا وكل مكان. السلاح هو مصدر قوتهم وعزهم وفخرهم وساحات المواجهة والحروب، وليس المزارع والمصانع أو الجامعات، هي ميادين عملهم، ولطالما حلموا بتحقيق البطولات وقتل أكبر عدد ممكن من الأعداء وكسب الحروب، حتى ولو كانت حروبا وهمية ومصطنعة وأعداء منزوعي السلاح، منهم الأطفال والنساء والشيوخ.
فالبطولة بالنسبة لهم هي تحقيق أكبر عدد من القتلى واعتبارهم إرهابيين، حتى ولو كانوا معتصمين سلميين أو مدنيين قتلوا خطأ، أو جنودا عصوا الأوامر، أو تجار مخدرات وأسلحة. لذلك قتلوا أهل رابعة حتى النساء والأطفال، وأحرقوهم أحياء بالرغم من إمكانية الفض بالغاز أو المياه أو مياه الصرف كما اقترح السياسيون.
فالأسهل والأفضل والأشجع عند العسكر استخدام السلاح في الفض، مقارنة باستخدام المياه أو الصرف الصحى. ليس عندهم حلول سياسية بل عسكرية فقط. المصيبة أن حاكمنا خبير في التجسس، ومتخصص في كتابة التقارير الأمنية عن رفاقه، ويا ليته نجح في مهنته. فهو أكثر واحد في مصر تم التجسس عليه، وتم تسريب مكالماته وأحاديثه الشخصية. خبير في التجسس فشل في عمله ومهنته الأصلية، هو الذي يحكم أكبر دولة عربية في أصعب فترات التاريخ، وتواجه أشد الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية والأمنية في التاريخ. لذلك فإن حلوله للمشاكل السياسية والاقتصادية والفكرية والعلمية هي حلول عسكرية بامتياز أو طفولية؛ بسبب نقص الخبرة والمعرفة، مثل عربات الخضار والمصابيح الموفرة، ونصبح على مصر بجنيه، وقضائه على التهريب إلى غزة بتهجير أهالي العريش، ومحو المدينة وإغراقها بالمياه المالحة.
رجل ليس عنده أي خلفية اقتصادية ولا سياسية لا تتوقع منه أفضل من هذه الحلول. ويمكن تصور المستوى العقلى للعسكر إذا تذكرنا أنهم من مخلفات الثانوية العامة، لذلك خدعهم عبد العاطى جميعا بجهاز الكفتة.
الفرق بين الرئيس مرسى والسيسي أن معظم فريق الرئيس مرسى كانوا أساتذة جامعات، بينما معظم فريق السيسى من العساكر والمخبرين لا يفهمون إلا فى المدفعية والدبابات والأسلحة والذخيرة والتجسس.
والطامة الكبرى أنه عندما توظف العامل في غير تخصصه فأنت تقتل العامل وتفسد الوظيفة الجديدة المسندة إليه. بمعنى أدق، سوف يفقد العامل مهاراته وخبراته مع الزمن كما أنه سيقدم خدمة رديئة بسبب انعدام الخبرة لديه. وهذا بالضبط ما يحدث مع السيسي والجيش، الجيش ترك مهنته الأصلية وهى الدفاع، وعمل في التجارة والأعمال، فأفسد التجارة والأعمال، واضمحلت قدراته القتالية، والدليل على ذلك فشله في مواجهة الإرهاب.
كما أن السيسي دمر مصر، كما نشرت مجلة الإيكونوميست، وفى نفس الوقت لا يصلح لإدارة المخابرات الحربية مرة أخرى؛ لأنه فقد مهارات وأدوات التجسس على رفاقه، لذلك فقرض الصندوق سيهدر كما أهدرت منح الخليج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق