ماذا لو لم يترشح السيسي ؟
بقلم : د. محمد محسوب
السؤال يفترض أمراً غير موجود وهو أنه ستكون هناك انتخابات نزيهة في 2018، ويقتضي ممن يُجيب أن يدفع الثمن مقدماً وهو أن يقبل استمرار الديكتاتور، كما هو بفشله وقمعه، حتى هذا التاريخ.
نحن أمام متاجرة سمجة بحقوق المصريين.
فهذا النظام نفسه جاء انقلاباً على نظام شرعي اختار الشعب خطة طريقه باستفتاء في 19 مارس/آذار 2011، وفي انتخابات رئاسية أكدها استفتاء على الدستور في 2012، ومع ذلك قلنا إن خطة الطريق كانت فخاً وقعنا فيه، وقال آخرون إن انتخاب الرئيس كان نزيهاً لكن الديمقراطية ليست صندوقاً.
حسناً.. فهل شارك أحد في وضع خطة الطريق غير أولئك الذين اتصل بهم الجنرال؟ وهل الديكتاتورية بالصندوق؟
هل علينا أن نصبر على ديكتاتور اتفق الشعب، مؤيده ومعارضه، على فشله وعلى خطر بقائه، حتى يُنظم هو انتخابات تؤدي إلى إزاحته؟
لن أسأل عن أي ديكتاتور في العالم أدار انتخابات أقصته، لكنى أضع سؤالاً أكثر سهولة: لماذا لا يُطالب بانتخابات مبكرة أولئك الذين يرون الانتخابات وسيلة لإقصاء الديكتاتور؟ فاستعجال البلاء خير من انتظاره، فإذا كان سيزوّرها فليفعل الآن، وإذا كان ديكتاتوراً ملائكياً وينتظر فقط الانتخابات ليرحل، فليُظهر ملائكيته الآن.
رأيي أن الديكتاتور لن يتحدث عن انتخابات مبكرة، ولن تطرح أبواقه استفتاء على صفحاتهم لسؤال الجمهور: هل تقبل انتخابات مبكرة أم لا، لكنهم سيستمرون في أغنية الترشح لانتخابات 2018؛ لأنهم ببساطة لا يريدون انتخابات، لا مبكرة ولا متأخرة، بل يرغبون في الإفلات من خناق اللحظة وكسب الوقت لعلهم يعيدون صناعة المشهد من هنا حتى 2018.
الانتخابات الرئاسية القادمة طُرحت بقوة في موجة من الإجراءات المُضادة للرد على مبادرة الدكتور عصام حجي بشأن المجلس الرئاسي، عن طريق ركوب موجة المبادرة، لا بقصد الاستسلام لغايتها النبيلة، وإنما بقصد الاستغلال للأمل الذي تصنعه في كسب مزيد من الوقت.
الديكتاتور يُمكنه أن يُعلن غداً أو بعد غدٍ أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، لكن دون ضمانة لعدم ترشحه إلا كلمته التي علينا أن نثق بها، والتخمينات التي يجري ترويجها، والتمني الذي علينا أن نتحلى به لنُصبح مؤهلين للخداع ألف مرة.
الجنرال نفسه وعد بعد الانقلاب أنه لن يترشح، لكنه ترشح نزولاً على رغبة جماهير يراها في أحلامه التي يسمع فيها صليل السيوف ولا يُحدد فيها الوقت إلا بالساعات الأومجا.
وهو نفسه مَنْ قال في ديسمبر/كانون الأول 2015 إنه يُمكنه أن يرحل فيما لو رغب الشعب في ذلك دون حاجة لنزوله في الشارع والتظاهر ضده، لكن ذلك لم يمنعه من قمع التظاهرات والاستمرار حتى اليوم.
الرجل اعتاد منح الوعود بالرحيل، وفي نفس الوقت العمل الدؤوب للبقاء، أياً كان الثمن، دماءً تُزهق أو أرضاً تُباع أو حقوقاً تُبدد أو رفاهية يسعى إليها بطائراته الفخمة التي سيؤجرها بعد الظهيرة لسداد تكاليف بيت الرئاسة.
هل علينا أن نثق بوعده الذي ربما يُعلنه بأنه لن يترشح؟
المسألة بكاملها تحتاج لإعادة نظر.
فربما لا يُعلن الجنرال أنه لن يترشح، وربما يُعلن، لكنه في الحالتين مصمم على الاستمرار، فهو لم يأتِ وفقاً لوعد وعده، ولا وفقاً لتعهّد احترمه، وإنما لأنه رغب منذ البداية في الانقلاب لكي يحكم، وما بين الانقلاب وتقلده كرسي الرئاسة مجرد وعود وكلام ومراوغات لا قيمة لها إلا بما تؤدي إليه في طريق وصوله لما يفكر فيه.
الحديث عن التجهز لانتخابات 2018 كان جيداً، من وجهة نظري، لكن انتظار تلك الانتخابات ليس عملياً بالمرة. فالحديث عنها كان جيداً؛ لأنه دفع السلطة دفعاً لعمل سيناريوهات مناورة علنية تفضح فيها خططها.
ومن وجهة نظري فإن كل ما قامت به من مراوغات وعمليات تمويه، يؤكد استمرارها في نهجها وبقائها على خيارها المتمثل في الجنرال، دون البحث عن بديل في أبوظبي أو في جدة أو في أي مكان آخر أياً كانت الرسائل التي يتلقونها.
ويبقى أن الانتظار حتى انتخابات 2018 غير عملي؛ لأنها لن تختلف عن انتخابات 2014 إلا في نسبة التزوير وطريقته التي ستُصبح فجة. ويُدهشني ذلك التحليل الذي يُشير إلى قلق السلطة من الوصول لانتخابات تضطر فيها إلى التزوير الفاضح كتزوير انتخابات 2010. يُدهشني لأن صاحبه يعتقد أن هذه السلطة تخجل من التزوير وهي مَنْ حطمت إرادة الشعب، ويُدهشني لأنه يفترض أن الظروف أشبه بسنة 2010 وأن ذلك وحده كفيل بتأجيج مشاعر الناس.
الحقيقة هي أن انتخابات 2018 يجري تزويرها منذ الآن، وربما سيصل التزوير لمداه بإجراء تعديلات دستورية تتجنبها كلية، وربما اكتُفي بالتزوير الذي نعرفه منذ 60 سنة. والحقيقة أيضاً أن مشاعر الناس تأججت ألف مرة أكثر مما كانت عليها في 2010، وأن الغضب المكتوم في مصر مؤهل لعمل ثورة عشرة أضعاف تلك التي تابعها العالم عبر التلفزيون خلال 18 يوماً في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2011.
لكن أين المشكلة؟
الخلاف بين 2010 و2016 أن الغضب هو أمام استعداد دائم من السلطة لاستخدام سلاح الجيش في مواجهة الشعب، وهو ما لم يتخيله الشعب في 2010، فأقصى ما وصل إليه خيال الثوار أن يجري قمع الثورة بالشرطة، وقد حصل فانهارت الشرطة.
اليوم مختلف، الناس تفكر فيما سيحصل، فالجنون الذي يحكم البلد الآن لا يتورع في استخدام الجيش، وكل وطني يعلم أنه حتى الجيوش لا يُمكنها أن تكسر الثورات، لكن الثائر بطبعه وطني، يُفكر في المآل، فكما انكسرت الشرطة في 2011 فلربما انكسر الجيش في وجه زحف شعبي لا أول ولا آخر له، وهي نتيجة لا يتحملها البلد ولا يقبلها الشعب. هذا التصور وحده هو ما يجعل الغضب متردداً في أن يُترجم إلى احتجاجات واسعة، لكن لا توجد ضمانات بأنه سيبقى ساكناً في صندوق الحذر، فلربما انهارت جُدر الحذر في لحظة غضب أكبر أو وجع أشد.
الخلاف بين 2010 و2016 أن البلاد الآن في خطر حقيقي، ليس خطر التوريث الذي انتفضنا ضده، وليس غياب الحرية والعدالة الاجتماعية فقط، بل خطر يُهدد وجودها. هذا التهديد لم يعد يأتيها فقط بسبب التنازلات المتتالية عن مصادر قوة الدولة وخطوط أمنها القومي، وإنما من إدارة فاشلة حتى النخاع، إلا اذا اعتبرنا - كما تجري على ألسنة كثير من الناس - أن هذا الفشل مقصود، وأن الهدف هو إفشال الدولة ووضعها على حافة انهيار.
لا يهمني شخصياً البحث في نوايا الأخيار أو الأشرار، وإنما الأفعال هي ما تسمح بتقييم الموقف. والأفعال موجعة في جنب الوطن وأصبحت تهدد بانقلاب مجتمعي غير واعٍ لا يؤججه إلا العوز والبحث عن رغيف خبز، بل وبانهيار مؤسسي لا يترك للدولة المصرية مَعْلَماً واضحاً.
الأفعال التي تصدر عن السلطة جرائم في صورة سياسات، فقتل المصريين مباشرة أو بالاعتقال الطويل وسياسات التجويع وتركيز الإدارة الاقتصادية بيد غير مختصة وغير أمينة، وتقديم التنازلات السيادية والتنازلات الاقتصادية والانبطاح أمام القريب والغريب والمؤسسات المالية لم يعد ينذر إلا بحالة من الفشل التام. تماماً كحالة فشل وظائف الجسد التي تضع المريض طريح الفراش تحت أجهزة اصطناعية تجعلنا نرى جسداً لا تجري فيه معاني الحياة.
لم يعد لدينا رفاهية الانتظار لانتخابات جديدة ينظمها جنرال قديم، لا نعرف ماذا رأي في أحلامه التي يستقي منها أفعاله، ويؤمن بأن إهدار إرادة الشعب أقدس واجباته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق