الأربعاء، 17 أغسطس 2016

هشام جنينة: من أجل أبنائي بقلم: وائل قنديل


هشام جنينة: من أجل أبنائي 
بقلم: وائل قنديل
 
حسناً، هم يمارسون لعبة إحراق البدائل الرخيصة، يأتون بواحدٍ منهم، يوحون إليك بأنه "مشروع بديل" مناوئ للسلطة الحالية، ثم يطلقون عليه عساكر الإعلام وكلاب الصيد المدربة، حتى يخال لكثيرين أن هذا الهدف إنما يتم ضربه وقنصه، لأنه يشكل تهديداً وجودياً للسلطة.. وأخيراً، يرفع الستار عن" البديل الكاذب" موضوعاً داخل الشيكارة، ينتظر الإشارة من الزعيم الملهم، كي يعتذر ويجدّد الولاء، ويطلب الصفح من "الرئيس البطل القائد الضرورة".
 
كنا نسخر من الذين هتفوا دفاعاً عن الرئيس محمد مرسي، عقب انتخابه "أعطنا الإشارة، نأتي بهم في شيكارة"، يقصدون تنظيم الثورة المضادة في المحكمة الدستورية.. الآن، يضع المستشار هشام جنينة نفسه في "شيكارة الخضوع"، ويعلن أنه "رهن الإشارة" من الزعيم "الذي حمل روحه على كفه"، كي يذهب إليه صاغراً وطالباً العفو والمغفرة.
 
كنت من الذين دافعوا عن هشام جنينة، بصفته رئيساً لجهاز المحاسبات، في معركة تقرير الفساد الذي أشهره بوجه السلطة الفاسدة، وقلت إن هذا التقرير هو أقوى وثيقة إدانة لنظامٍ يرعى الفساد ويتغذى عليه، وأن الوقوف ضد بطش النظام بجنينة، على الرغم من أنه كان جزءاً من هذا النظام وأحد خدّامه، هو انحياز لواحدةٍ من مفردات ثورة يناير/ كانون ثاني 2011، وهي "العدالة الاجتماعية"، وما زلت أرى أن ما ورد في "تقرير جنينة" كان وقوداً حيوياً في معركة الثورة المصرية، ينبغي الاشتغال عليه، من دون الانشغال بالشخص (جنينة)، والاستغراق في تفاصيل علاقته بمؤسسة الانقلاب.
 
كان جنينة ولا يزال انقلابياً؟ نعم هو كذلك، لكنك بصدد تقرير رسمي فاضح وكاشف، على طريقة "شاهد من أهلها". هذا كان، برأيي، الموضوع الأساس في القصة، وقلت نصاً في ذلك الوقت "يمكنك أن تدين البرادعي وجنينة في ترويج أكبر عملية خداع مورست على المصريين في ذلك الصيف الانقلابي القائظ، غير أنه ليس من "الثورية" في شيء أن تتعامل مع ما يتساقط منها من اعترافاتٍ وشهادات إدانة بحق النظام، بمنطق التسفيه والتحقير، وبالطريقة نفسها التي يتصرّف بها إعلام الانقلاب".
 
كان ذلك تعليقاً على الانصراف بالكلية إلى الأشخاص، وترك الموضوع، كما حدث في شهر مايو/ أيار من العام الماضي، حين أدلى محمد البرادعي، في محفلٍ دولي مهم، بما اعتبرته أخطر وثيقة إدانة لجريمة الانقلاب ضد التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر، وقلت "من السذاجة أن يختلف اثنان حول أهمية اعتراف الرجل الثالث في بدايات مؤسسة "30 يونيو/ حزيران 2013" بأن ما جرى كان انقلاباً، وخروجاً على ما تم الاتفاق عليه".
 
وهو ما تكرّر من المعسكر المناهض للانقلاب، إذ كان هناك من يفعل الشيء نفسه، في معركة هشام جنينة، مستسلماً للرغبة في التنكيت والتسفيه والمرح في ملاهي "السوشيال ميديا"، داعياً، بيقين جازم، الجمهور إلى الانصراف عما يعتبره "ملاهي هشام جنينة".
 
نعم، هي "الملاهي". لكن، أحيانا ما يسقط من هذه الملاهي ما يفيد، فقد سقط هشام جنينة، في حواره أخيراً مع تلفزيون "العربي"، حين جدد الولاء للسيد الرئيس راعي الفساد، وجلس على كرسي الاعتراف رهن الإشارة، كي يهرول معتذراً وشارحاً وطالباً العفو، مثل كثيرين فعلوها ويفعلونها بمنطق "من أجل أبنائي".
 
سقط جنينة أو انتحر، بعد أن صفع الذين تحمسوا، في وقتٍ ما، لفكرة أنه يصلح "بديلاً" يمكن الالتفاف حوله، بمواجهة سلطة الانقلاب، وتبين أنه كان يؤدي دوره في عملية "ابتذال البدائل"، غير أن تقريره لا يزال صالحاً، وثيقة تعريةٍ للفساد والاستبداد.
 
لا يهم هنا كثيراً التفتيش عن أسباب هذا "السقوط الحر"، وإن كان توقيت الحديث عن أفضال "الرئيس الذي حمل روحه على كفه"، مع ذكرى المجزرة التي ارتكبها ضد المصريين، يبدو لافتاً، بما يجعلك تضع كلمات جنينة مع أكاذيب "الشيخ" محمد حسان في سياق واحد، من دون أن تكون متجنياً، لكن المهم حقاً أنه يمنحك مزيداً من أسباب الاحترام للقابضين على مبادئهم ومواقفهم، في السجون، والذين سبقوا إلى القبور أولئك الذين لم يبيعوا مواقفهم، مقابل "إشارة" من الزعيم، ولم يمارسوا رذيلة "الانحناء من أجل أبنائي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق