الثلاثاء، 21 أبريل 2015

دراسة للدكتور رفيق حبيب: عودة "مرسي" الأهمية والإمكانية

دراسة للدكتور رفيق حبيب: عودة "مرسي" الأهمية والإمكانية

 

د. رفيق حبيب -  والرئيس محمد مرسي
21/04/2015
..تحولات الدولة والمجتمع بعد الربيع العربي
منذ الانقلاب العسكري، والجدل يدور حول عودة الشرعية، والمقصود بها عودة الرئيس الشرعي المنتخب والدستور، وأحيانا ما يكون الجدل حول عودة الشرعية، جدال سياسي، يركز حول الاختلافات السياسية، وليس حول قضية الثورة والديمقراطية.
 
وقضية عودة الشرعية، تدور حول عودة الرئيس المنتخب بإرادة شعبية حرة، والذي انقلبت عليه القيادة العسكرية، فهي ليس قضية عودة الدكتور محمد مرسي، بقدر ما هي قضية عودة الرئيس الشرعي، وتلك مسألة مهمة.
 
مطلب عودة الشرعية، وعودة الرئيس، ليس مطلبا حزبيا، يخص حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، بقدر ما هو مطلب ثوري، يخص جمهور الحراك الثوري، بكل مكوناته، بما في ذلك المنتمين للحزب والجماعة.
 
الأساس إذن، أن مطلب عودة الشرعية، هو من مطالب الحراك الثوري، ومن المطالب الثورية، وصاحب الحق الأصيل في تحديد مطالب الثورة، عبر المراحل المختلفة، هو جمهور الحراك الثوري، الذي يحدد مطالبه، ويدفع ثمن تحقيق تلك المطالب.
 
• هناك ضرورات لعودة الرئيس، وهناك أسباب تجعل عودة الرئيس لمصلحة المسار الثوري، وهناك أيضا اعتبارات عملية، تجعل عودة الرئيس عاملا مهما في ترتيب أوراق مرحلة ما بعد انتصار الثورة.
الخلاف السياسي مع الرئيس محمد مرسي، يختلف عن مطلب عودة الشرعية، لأن الخلاف السياسي، يجب أن يدور أساسا داخل قواعد العمل الديمقراطي، ومطلب عودة الرئيس، هو من أجل إعادة المسار الديمقراطي، وحماية قواعد العملية الديمقراطية.
 
من يوافق على عزل الرئيس من خلال الانقلاب العسكري، ويرفض عودة الرئيس، ومع ذلك يريد التصدي للانقلاب العسكري، هو من يريد تحقيق أهدافه من خلال الانقلاب العسكري، وبالتالي يوافق على إجهاض الديمقراطية، مادام ذلك يتفق مع موقفه السياسي.
 
قواعد العمل السياسي السلمية، لا تقبل الانتقائية، فهي قواعد عامة تطبق على الجميع، ومن يدافع عن العملية الديمقراطية، يجب أن يدافع على كل ما تنتجه تلك العملية، حتى إن لم يتفق مع خياراته. لذا فإن قبول التعدي على العملية الديمقراطية مرة، يعني قبول هذا التعدي مرات أخرى.
 
عودة الرئيس، هي من أجل الحفاظ على قواعد العملية الديمقراطية، وقبول كل الأطراف بما تنتجه العملية السياسية أيا كان، وال يمكن أن يتحقق توافق بين من يريد الحفاظ على العملية الديمقراطية، ومن يقبل بإجهاض تلك العملية، عندما تأتي بنتائج يرفضها.
 
كل من يرفض إزالة أثر الانقلاب العسكري، ويقبل ببعض ما قام به هذا الانقلاب، هو كمن يقبل بالانقلاب العسكري، ولكنه يرفض بعض نتائجه، ومن يقبل ببعض ما قام به الانقلاب العسكري، لن يكون واقعيا ضد الانقلاب العسكري.
 
إزالة آثار الانقلاب إذا كان  الأصل هو حماية العملية الديمقراطية من أي انقلاب عليها، فإن عودة الرئيس داخل برنامج الحراك الثوري، لها عدة وظائف أساسية في المعركة مع الانقلاب العسكري، مما يجعل لمطلب عودة الرئيس دور مركزي في الصراع مع الحكم العسكري.
 
عودة الرئيس تعني أوال، أن كل ما ترتب على الانقلاب العسكري قد تم إزالته، وأزالت كل آثار الانقلاب العسكري، وكل ما ترتب عليه، تعد مسألة جوهرية، من أجل إجهاض الانقلاب العسكري بالكامل، مما ينهي كل أثر له.
 
إجهاض الانقلاب العسكري بالكامل، وكل ما ترتب عليه من آثار، مسألة ضرورية من أجل حماية الثورة والديمقراطية من أي انقلاب آخر، سواء كان انقلاب ناعما أو خشنا. فأول مشكلة تنتج عن الانقلاب العسكري، أنه يفتح الباب أمام انقلابات أخرى.
• إذا جادل البعض، معتقدا إمكانية تحقيق كل أهداف الثورة بدون عودة الرئيس، وإزالة آثار الانقلاب العسكري بالكامل، بدون عودة الرئيس، فإن هذا الاحتمال قد يحدث في ظروف معينة، لا نعرفها بعد، وقد يستكمل مسار الثورة، بمسار آخر غير عودة الشرعية، مثل مسار الشرعية الثورية الكاملة.
 
عندما ينجح الانقلاب العسكري في تحقيق بعض أهدافه، أو تحقيق هدف واحد من أهدافه، فإن هذا يفتح الطريق أمام تكرار تجربة الانقلاب العسكري على الديمقراطية والثورة، مادامت الانقلابات يمكن أن تحقق نتائج، مما يعني أنها يمكن أن تحول مسار الديمقراطية في نهاية الأمر.
 
خطورة الانقلاب العسكري، أنه يعد تحولا جذريا في العقيدة العسكرية للقوات المسلحة، مما سمح لها بالانقلاب على السلطة السياسية المنتخبة، وهو ما يعني أن توفير ضمانات لعدم تدخل القوات المسلحة في السياسية وعدم الانقلاب مرة أخرى، أمرا صعبا.
 
تعد عودة الرئيس، أهم أداة لإفشال كل ما نتج عن الانقلاب العسكري من نتائج، مما يؤمن مسار
العملية الديمقراطية، ويمنع حدوث انقلاب عسكري آخر، بعد أن فشل الانقلاب العسكري الأول في حقيق أيا من أهدافه.
 
إزالة آثار الانقلاب العسكري، لا تتوقف فقط على ما نتج عنه بالنسبة للعملية السياسية، بل أيضا ما نتج عنه من قرارات واتفاقات ومعاهدات وقوانين وغيرها، وكل ما صدر عن السلطة العسكرية من قرارات، له تأثيرات واسعة على الحاضر والمستقبل.
 
في الجانب الخارجي، صدر عن السلطة العسكرية عدة قرارات، ترتب على مصر التزامات
خارجية، تشل قدرة مصر المستقبلية، كما أنها ترهن موارد مصر لجهات خارجية، وهو ما يعني أن الانقلاب العسكري، قد فرط في موارد مصر، ورهن مستقبلها. بناء على الاتفاقات التي أبرمتها السلطة العسكرية، في تصوري أن الالتزامات الخارجية لمصر، بنا تضع مصر في مأزق، وتفقدها حق استخدام مواردها، وتكبل القرار المصري بعقود، يؤدي الخروج عليها إلى تحكيم دولي وغرامات فادحة على مصر.
 
المتابع لواقع تعامل مصر مع الخارج، يعرف أن جزءا مهما من مقدرات مصر رهن للخارج في عهد نظام مبارك، وكان من الصعب تفكيك تلك الالتزامات بعد الثورة، وبعد الانقلاب العسكري، تضخمت التزامات مصر المهدرة لحقوقها بصورة فجة.
 
بعد الثورة، أو الشرارة الأولى للثورة، لم تكن هناك وسيلة لتفكيك التزامات مصر المجحفة في حقها، والتي أبرمها نظام مبارك، لأنها التزامات دولة، وقعت في عهد رئيس، لم يكن هناك ما يفقده شرعيته رسميا، لذلك أصبحت التزامات دولة.
 
بعد الانقلاب العسكري، هناك نزاع على الشرعية، والسلطة القائمة لم تحظى بوضع شرعي مشابه لما حصلت عليه كل أنظمة الاستبداد في العقود الستة الماضية. فكل نظام أسس شرعيته على الانتهاء الرسمي للنظام السابق له، فكان تنازل الملك ضروريا، وتنازل ولي العهد ضروريا.
 
النظام العسكري بعد الانقلاب، لم يحصل على ورقة الشرعية الضرورية له، والتي تتمثل في وجود مستند رسمي طبيعي، انتهى به العهد السابق له، قبل أن يبدأ عهد تلك السلطة. مما يعني أن السلطة العسكرية، تفتقد إلى قاعدة شرعية، حظيت بها الأنظمة المستبدة.
 
• الثورة في النهاية تستكمل مسارها لتحقيق كل أهدافها، ولا يمكن للحراك الثوري أن يقدم تنازلات مجانية تمس مصادر قوته، ولا يمكن أن يتنازل عن عامل مهم يستمد منه شرعية تفيد في تحقيق أهداف الثورة، ولكن الحراك الثوري قد يستكمل بمسارات مختلفة في ظروف لم تتضح بعد.
عودة الرئيس في حد ذاتها، لممارسة مهام منصبه التي منع من ممارستها، تعني أنه كان الرئيس الشرعي طيلة الفترة بين بداية الانقلاب العسكري وعودة الشرعية، وهو ما يعني أن السلطة التي كانت قائمة في تلك الفترة لم تكن شرعية.
 
عودة الرئيس لممارسة مهام منصبه، بإرادة شعبية ثورية، وخضوع كل مؤسسات الدولة لسلطته، يعني أنه بالفعل الرئيس الشرعي، وأنه ظل الرئيس الشرعي، طيلة فترة الانقلاب العسكري، رغم عدم تمكنه من القيام بمهامه، نظرا لاختطافه وتقييد حريته.
 
من خلال عودة الرئيس الشرعي، وتحقيق تلك العودة عمليا وفعليا، تصبح كل الإجراءات التي قامت بها السلطة العسكرية في مصر غير شرعية، ويصبح كل تعامل خارجي معها غير شرعي، مما يفتح الباب أمام إسقاط ما ترتب على الانقلاب من التزامات خارجية مجحفة.
 
لا يمكن للطرف الخارجي، أن يجد لنفسه أي عذر، أو يتصور أنه تعامل مع سلطة الأمر الواقع، لأنه بالفعل كان يتعامل مع سلطة هناك من ينازعها شرعيتها، منذ اليوم الأول لها، وبدون توقف، وما دام هناك نزاع على الشرعية لم يحسم، فإن السلطة القائمة لا تملك شرعية مستقرة.
 
استمرار الحراك الثوري منذ اليوم الأول، والمطالبة بعودة الرئيس منذ اليوم الأول، وحمل صورة الرئيس في كل يوم بمظاهرات واحتجاجات مستمرة، يعني أن ما حدث في مصر، على أقل تقدير، هو نزاع حقيقي حول الشرعية، وهو ما يعني أن السلطة القائمة لا يمكن أن تدعي الشرعية.
 
حسب كل القوانين الدولية، فإن ما حدث في مصر انقلاب عسكري، وباتفاق الجماعة العلمية حول العالم، في أغلبيتها الكبيرة، فإن ما حدث في مصر انقلاب عسكري، ولم يبق إلا أن يثبت الحراك الثوري قدرته على كسر الانقلاب وإعادة الشرعية.
 
لا أعرف إذا كان من يعارضون عودة الرئيس مرسي، ممن ينتسبون للحراك ضد الانقلاب، لديهم وسيلة معترف بها في القانون الدولي، وفي التاريخ البشري، لإسقاط كل ما ترتب على الانقلاب من التزامات، غير عودة الرئيس.
 
لا أعرف حقيقة، أين موضع قضية التزامات مصر، التي أهدرت بها السلطة العسكرية موارد مصر، من الجدل حول عودة الرئيس، خاصة وأن هناك العديد من الآثار المترتبة على القرارات الداخلية للسلطة العسكرية، والتي يجب إسقاطها أيضا.
 
إزالة آثار الانقلاب العسكري، تمهد الطريق أمام ديمقراطية لا ينقلب عليها أحد بعد ذلك، كما تعد ضرورية من أجل فك القيود التي ترتبت على اتفاقات السلطة العسكرية الخارجية، وأيضا استعادة حقوق مصر التي سلبت من أجل فئة محدودة داخليا.
 
شرعية الثورة للحراك الثوري القائم منذ الانقلاب العسكري، عدة شرعيات مهمة، فهو يحمل شرعية شرارة ثورة يناير، مع كل من مازال ينتمي لها، وهو يحمل شرعية ما أنتجته مرحلة التحول الديمقراطي، متمثلة في الرئيس والدستور، ويحمل شرعية الثورة الكاملة التي تجري بعد الانقلاب.
 
الحراك الثوري ينازع السلطة القائمة الشرعية في كل الجوانب، ويبني في المقابل شرعيته. فهو ينازع السلطة القائمة في شرعية الانتماء للثورة، بعد أن تأكد أنها سلطة استبدادية دموية، وال توجد ثورة تنتج سلطة استبدادية، والتي لا ينتجها إلا الانقلاب على الثورة.
 
شخصنة المشكلة يساعد على إخفاء المشكلة الرئيسة، فالقيادة العسكرية حاولت شخصنة المشكلة، بجعلها مشكلة مع جماعة الإخوان المسلمين، ومع الرئيس محمد مرسي، والحقيقة أن المشكلة مع الثورة والتحول الديمقراطي أساسا.
 
عندما تدرك المؤسسة العسكرية أن استمرار الأوضاع على ما هي عليه غير ممكن، وأن البلاد تنزلق إلى هاوية اقتصادية وسياسية واجتماعية، لا يمكن الخروج منها، وعندما تدرك المؤسسة العسكرية أنها تورطت بصورة تهدد وجودها، عندها يصبح الاستسلام للثورة ممكن.
 
عندما يتمكن الحراك الثوري من الاستمرار والصمود، ثم يتمكن من التصعيد وإنهاك وإرباك مؤسسة القمع، ثم عندما يمتلك الحراك الثوري أدوات الحسم، أي أدوات تعطيل آلة القمع، وتعطيل السلطة العسكرية الغاشمة، يصبح الاستسلام للثورة ممكن.
 
لا يمكن تحديد ملامح مشهد النهاية بسهولة، بين احتمالات وبدائل كثيرة، ولكن القيادة العليا العسكرية الحالية، يصعب أن تستسلم لقرار الثورة والتغيير والتحول الديمقراطي، ولكن قد تفعل ذلك قيادات أخرى للمؤسسة العسكرية، بعد أن يصبح تنحي القيادة الحالية ضرورة.
 
الخلاصة:
 
•هناك ضرورات لعودة الرئيس، وهناك أسباب تجعل عودة الرئيس لمصلحة المسار الثوري، وهناك أيضا اعتبارات عملية، تجعل عودة الرئيس عاملا مهما في ترتيب أوراق مرحلة ما بعد انتصار الثورة.
 
•كما أن شرعية الرئيس، تمثل سندا مهما في يد الثورة.
 
•البعض قد يجادل بالقول أن الثورة يمكن أن تحقق كل أهدافها بدون عودة الرئيس، والحقيقة أن البعض يرفض عودة الرئيس مرسي لخصومة سياسية، أو وجهة نظر سياسية، في حين أن عودة الرئيس، ليست لأسباب سياسية بل ثورية.
 
•إذا جادل البعض، معتقدا إمكانية تحقيق كل أهداف الثورة بدون عودة الرئيس، وإزالة آثار الانقلاب العسكري بالكامل، بدون عودة الرئيس، فإن هذا الاحتمال قد يحدث في ظروف معينة، لا نعرفها بعد، وقد يستكمل مسار الثورة، بمسار آخر غير عودة الشرعية، مثل مسار الشرعية الثورية الكاملة.
 
•الثورة في النهاية تستكمل مسارها لتحقيق كل أهدافها، ولا يمكن للحراك الثوري أن يقدم تنازلات مجانية تمس مصادر قوته، ولا يمكن أن يتنازل عن عامل مهم يستمد منه شرعية تفيد في تحقيق أهداف الثورة، ولكن الحراك الثوري قد يستكمل بمسارات مختلفة في ظروف لم تتضح بعد.
•قرار عودة الرئيس محمد مرسي، في تصوري، هو قرار الحراك الثوري، وقرار جمهور الحراك الذي يدفع الثمن، والحراك الثوري يمكن أن يختار طرقا بديلة بإرادته الحرة، عندما تكون هي الأنسب لتحقيق أهدافه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق