إمبراطورية الجيش الاقتصادية.. بيزنس الدم والسلطة
29/04/2015
مخطئ
من يظن أنه قادر على اقتحام أسوار قلعة العسكر الحصينة والتفتيش في أوراق
ذلك الكيان الاقتصادي المتوغل والمسيطر والمستحوذ على مفاتيح الخزانة
المصرية، حتى باتت إمبراطورية الجيش العسكرية دولة فوق الدولة، وخارج إطار
المحاسبة أو المساءلة أو البحث أو التنقيب، بل ويحاكم كل من يقترب من لافتة
"ممنوع الاقتراب والتصوير".
وقبل
سبر أغوار هذا الكيان الغامض، لا بد أن نقف على الميزات التي يتمتع بها
الاقتصاد العسكري، والتي لا تتوافر بطبيعة الحال لمن دونه من اقتصاد ينتمي
إلى القطاع العام المريض، أو الخاص والذي يختبئ بدوره بشكل أو بآخر داخل
الـ"عباءة الكاكي"، حتى بات سوق المال المصري يدور في فلك المعسكر وأوشك ما
سواه على الإفلاس أو حزم حقائبه ليرحل عن بلد الانقلاب ليحط رحاله في دولة
تحترم التنافسية والاستثمار إن كان من أصحاب "البورنيطة".
بداية،
تتوافر للجيش المصري الأيدى العاملة الرخيصة الكلفة والتي تعمل بنظام
السخرة، عبر استخدام المجندين إجباريا في مشروعات الجيش، كما أن أرباحه
معفاة من الضرائب ومتطلّبات الترخيص التجاري وفقاً للمادة 47 من قانون
ضريبة، فضلا عن إعفاء واردات وزارة الدفاع ووزارة الدولة للإنتاج الحربي من
أي ضريبة أو مصاريف جمارك، إلى جانب الاستحواذ على مشروعات الدولة بالأمر
المباشر دون منافس، وأخيرا إبادة كل من يعبث بأمن تلك الأمبراطورية
باعتباره أمن قومي لا يقبل المساس، تحت شعار "الجيش خط أحمر".
ومنذ
دشن عبد الناصر دولة العسكر في خمسينيات القرن الماضي، ابتلع الجيش مقدرات
الدولة بأكملها في "كرشه" وسيطر على الصناعة والزراعة والثروة المعدنية
والصناعات العسكرية ومشروعات البنية التحتية وحتى الثروة السمكية والسياحة
والرياضة والإعلام، واختلق بدعة "جهاز مشروعات الخدمة الوطنية" وهو جهاز
تابع لوزارة الدفاع له الشخصية الاعتبارية، ويتولى دراسة وتنفيذ الأعمال
والمشروعات التي تطلبها الوزارات والهيئات ووحدات الحكم المحلى وشركات
القطاع العام تنفيذاً للعقود التي تبرم بينه وبين هذه الجهات.
ومع
شعور العسكر المتنامي بالتهديد من العبث بأروقة هذا الكيان الهلامي، مع
إسقاط ثورة يناير لأحد أباطرة اقتصاد الجيش المخلوع مبارك، واقتحام الرئيس
الشرعي المنتخب محمد مرسي لتلك "الحارة المسدودة" لجأ العسكر إلى ما من
المفترض أن يجيده –ونسيه مع تطاول بنيانه الاقتصادي- فقرر أن يتقلب على
الثورة ويسقى شجرة كيانه بدماء الثوار ورافضي سطوة البيادة واستبداد الكاب.
بيزنس الدم
قرابة 5 آلاف شهيد و40 ألف معتقل هى الضريبة التي دفعها الثوار وأحرار هذا الوطن، لكي يحافظ
العسكر على هذا الكيان بعدما استشعر قادة الجيش إمكانية العبث في الصندوق
الأسود والتعاطى مع أرقام الاقتصاد الموازي، فتحركت الدبابة لتطيح بأول
رئيس منتخب وتكفل الشامخ بحملة التطهير العرقي.
ومع
استحالة فتح الملف الشائك عبر الصحف والإعلام الموالي للانقلاب، خرجت صحيفة
"Die Welt" الألمانية لتؤكد أن الجيش المصري يستحوذ على 40 % من حجم تعامل
الاقتصاد المصري، بغض النظر عن مخصصات الميزانية والمعونة الأمريكية التي
تقدر بـ1.3 مليار دولار.
ورغم
تسارع المتنطعين على مائد العسكر لنفي هذا الرقم ووصفه بالمبالغ فيه، كانت
أكثر التقارير موالاة للجيش تكشف عن سيطرته على 8 % من الاقتصاد، وما بين
40% و 8%، فرض الجيش بمشروعات بارزة واستثمارات غامضة التمدد في الواقع
الاستثمار حتى بات اللاعب الأوحد في ساحة الاقتصاد المريض.
باري
لاندو مؤلف كتاب "خدعة الغرب" يصف الجيش المصري، في مقال بعنوان "دولة داخل
دولة" ويقول أن النخبة العسكرية ذات الرتب يتمتعون بمزايا غير محدودة
ويعيشون في رفاهية كبيرة، ولديهم من وسائل المتعة والراحة يعجز عنها
المصريون إلا في أحلامهم.
وكشف
الكاتب أن المصانع العسكر تضاعفت ستة عشر ضعفا منذ وضعت الحرب أوزارها عام
1975، ليست فقط في الأسلحة والمعدات العسكرية ولكن في كافة المجالات، وكل
هذه المنتجات تباع بأسعار مخفضة لمخازن الجيش ولكن الكمية الأكبر منها تباع
تجاريا في الأسواق المحلية.
ةتحت
عنوان " لجيش المصري يتقدم ويكافح ويبيع الدجاج" طرحت مجلة "بيزنس ويك"
سؤالا بعد خلع مبارك: هل سيدعم المجلس العسكري الإصلاحات الاقتصادية والتي
تهدد مصالحه وتفككها؟.
ونقلت
عن جوشوا ستاشر -الخبير العسكري في الشؤون المصرية والأستاذ المساعد في
جامعة كينت ستيت في ولاية أوهايو- تساؤله كيف تكون عائدات الدولة من
الشركات العسكرية سر من أسرار الدولة تماما مثل ميزانيتها العسكرية مع أن
ثلث اقتصاد البلاد تحت حكم العسكر.
ومع
ندرة المعلومات حول بيزنس العسكر، الذي كشف اللواء محمود نصر -عضو المجلس
العسكرى ومساعد وزير الدفاع للشئون المالية- استراتيجية العسكر في
الاستماتة عليه بأن اعتبره نتاج عرق القوات المسلحة على مدار سنوات ولن
يقبل الجيش التفريط فيه بأي حال.
إلا أن
ما أمكن التوصل إليه أن 4 جهات عسكرية تعمل في مجال الانتاج المدني، وباتت
تتحكم في قرابة 40 % من الاقتصاد بحسب المصادر، أو 2 % في رواية السيسي
لـ"رويترز"، وهي:
أولا:
"جهاز مشروعات الخدمة الوطنية" التابع له عدد من الشركات تغطي مجموعة واسعة
من القطاعات، منها شركات: النصر للكيماويات الوسيطة، العريش للأسمنت،
الوطنية للبترول، الوطنية لإنتاج وتعبئة المياه "صافي"، مكرونة كوين،
الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي، النصر للخدمات والصيانة "كوين سيرفس"،
مصر العليا للتصنيع الزراعي، مصنع إنتاج المشمعات البلاستيك، بخلاف قطاع
الأمن الغذائي الذي يتبع الجهاز، وقطاعات السياحة والفندقة.
ثانيا:
الهيئة القومية للإنتاج الحربي التي تملك أكثر من 15 مصنعًا للصناعات
العسكرية والمدنية (الأجهزة الكهربائية والإلكترونية بشكل أساسي).
ثالثا:
الهيئة العربية للتصنيع، التي تدير 11 مصنعًا وشركة في مصر تعمل في العديد
من المجالات في الصناعات العسكرية والمدنية، ويباع 70 % من إنتاجها
بالأسواق المصرية.
رابعا:
الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، المتخصصة في مجالات الإنشاءات العسكرية
والمدنية، ومشروعات البنية التحتية والطرق والكباري، وبناء المدارس،
ومجالات التنمية السياحية واتطوير المنشآت الرياضية، ومشروعت الإسكان
الاقتصادي، والتخطيط العام للمدن.
وكشفت
مصادر أمن داخل المؤسسة العسكرية أن انتاج الشركة الواحدة يقدر بـ 5 مليار
دولار سنويا، تضاف إلى عائدات تحكم المخابرات المصرية في 70 % من حجم
التعامل على الانترنت في مصر –وفقا لـ"ويكيليكس"، تنضم جميعها إلى 11 مليار
جنيه هى ميزانية الجيش في الموازنة العامة للدولة.
وقد
أسند للهيئة الهندسية بالقوات المسلحة في الفترة الأخيرة مشروعات مثل تنفيذ
150 ألف وحدة سكنية لمتوسطي الدخل، والإشراف على تطوير أكثر من 3000
كيلومتر من شبكة الطرق، وحفر آبار مياه في توشكى، وبعض أعمال حفر قناة
السويس، وإنشاء محطة تحلية مياه في سيناء، وتطوير 43 مستشفى تابع لوزارة
الصحة، وتطوير 47 منطقة عشوائية في القاهرة والجيزة بالتعاون مع وزارة
التطوير الحضاري، وإنشاء البنية الأساسية لـ10 آلاف فدان في الفرافرة، هذا
بخلاف الشراكات الاقتصادية للقوات المسلحة مع عدد من الشركات العالمية في
مجالات تصنيع الأجهزة الإلكترونية والسيارات مثل جيب شيروكي.
ويرى
اللواء أركان حرب عماد الألفي، رئيس الهيئة الهندسية، أن أهم أسباب إسناد
المشروعات للقوات المسلحة هو كونها تنفذ مشروعاتها بجودة عالية وتكلفة
قليلة جدًا وفي الوقت المطلوب، فيما اختفت أصوات المعارضة لهذا التنامي
الواضح في اقتصاد الجيش والانتفاخ المتزايد في خزانة العسكر، باستثناء
أصوات خفيضة تظهر على استحياء للتذكير بأن لها شركات حرمها العسكر من
الحياة أو التنافس.
اللواء
أركان حرب طاهر عبدالله -رئيس الهيئة الهندسية آنذاك- كشف أن الإنجازات
والمشروعات التي نفذتها الهيئة الهندسية خلال الفترة من أغسطس 2012 حتى
منتصف 2014، شملت تنفيذ 473 مشروعًا استراتيجيًا وخدميًا، في الوقت الذي
نقلت فيه تقارير صحفية أن الهيئة الهندسية قامت بالتخطيط لتنفيذ 854
مشروعًا بداية من أغسطس 2012، تم تنفيذ 473 منها، بما يعادل تنفيذ أعمال
يومية بقيمة 50 مليون جنيه تقريبًا.
قوانين مشبوهة
ومن أجل الحفاظ على تلك الإمبراطورية من الدخلاء، شرع دولة العسكر من الخمسينيات إلى سن
القوانين التي تضمن تفوق وتنامي مشروعات الجيش، كان نتاجها إعفاء أرباح
الجيش من الضرائب ومتطلّبات الترخيص التجاري وفقاً للمادة 47 من قانون
ضريبة الدخل لعام 2005.
كما
تنصّ المادة الأولى من قانون الإعفاءات الجمركية لعام 1986 على إعفاء
واردات وزارة الدفاع ووزارة الدولة للإنتاج الحربي من أي ضريبة. وهو ما
يعطي للجيش المصري ميزة نسبية في أنشطته التجارية لا تمتلكها باقي الشركات
المملوكة للدولة أو شركات القطاع الخاص".
ولا تمر
مصادر دخل المؤسسة العسكرية عبر الخزينة العامة للدولة، حيث يوجد مكتب خاص
في وزارة المالية مسئوليته التدقيق في حسابات القوات المسلحة والهيئات
التابعة لها وبياناته وتقاريره لا تخضع لسيطرة أو إشراف البرلمان أو أي
هيئة مدنية أخري.
وعدّل
المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مايو 2011، الذي كان يتولّى حكم البلاد
آنذاك، قانون القضاء العسكري، وأضاف مادّة تعطي النيابة والقضاة العسكريين
وحدهم الحق في التحقيق في الكسب غير المشروع لضباط الجيش، حتى لو بدأ
التحقيق بعد تقاعد الضابط، وبالتالي تجعل هذه المادة الضباط المتقاعدين
بمنأى عن أي محاكمة أمام القضاء المدني.
وفي
أعقاب الانقلاب، سبتمبر 2013، أصدر المستشار عدلي منصور الذي شغل منصب
الرئيس المؤقّت بعد عزل مرسي، مرسوماً بتعديل القانون الصادر في عام 1998
بشأن المناقصات والمزايدات العامة، يسمح للمسؤولين الحكوميين بتخطّي
إجراءات المناقصة العامة في الحالات ”العاجلة“، إلا أنه لم يحدد هذه
الحالات، ويرفع التعديل قيمة الخدمات أو الممتلكات التي يمكن للمسؤولين في
الدولة شراؤها وبيعها بالأمر المباشر.
وفي أبريل
2014، وافقت الحكومة على القانون الذي يقيّد حق الأطراف الأخرى في الطعن
على العقود التجارية والعقارية الموقّعة مع الدولة، وقد أصبح هذا الحق الآن
محفوظاً للحكومة والمؤسّسات المشاركة في الصفقة والشركاء التجاريين، وعلى
الرغم من أن الحكومة برّرت هذا القانون بوصفه وسيلة لتشجيع الاستثمار
الأجنبي، إلا أنه من المحتمل أن يؤدّي هذا الإجراء إلى تقليص الرقابة
والمساءلة الشعبية للحكومة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق