محمود بدر وفطنة تاجر الكلاب
بقلم : عبد الحكيم حيدر
25 أبريل 2015
محمود بدر في ضيافة السيسي (7 نوفمبر/2014/Getty)
يُحكى أن جحا قال لوالده: أريد أن تبيع لي البقرة، كي أتاجر بفلوسها في الشام. تردد الأب طويلاً، وأمام إلحاح جحا ووساطة الجيران، خضع الأب وباع بقرته، وأعطى ثمنها لجحا، وسافر جحا إلى الشام بالفلوس، وبعد أيام، كعادة جحا، راحت فلوسه في الأكل والشرب والسكن، فقرر العودة ثانية إلى بلاده، وقبل أن يصل إلى البلدة، مالَ إلى بلدة مشهورة بكثرة كلابها، وبمبلغ زهيد كان معه اشترى تسعة جراء، وشبكهم جميعاً في حبل، ثم مال على دكّان حدّاد، وطلب منه أن يصنع له طوقا من حديد يعلقه في رقبة الكلب الأمامي، بحيث تتدلى من الطوق الحديد شخاليل وأجراس، ثم دخل بالكلاب بلدته ليلاً.
خرج الأب ملهوفا حينما نادى جحا، وفتح الباب، فرأى جحا ومعه الكلاب، فسأله عن مكاسب التجارة في الشام وثمن البقرة، فضحك جحا ساخراً من سؤال الأب وقال له: (فلوس إيه؟ وشام إيه؟ ده أبو طوق حديد ده اللي قدامك يساوي عشر بقرات).
حضرتني هذه الحكاية، حينما عرفت أن محمود بدر، مؤسس حركة تمرد في مصر، بدأ أول أعماله الربحية، وهو شاب أخضر العود في تجارة الكلاب في أسواق الجمعة وقليوب. والغريب أن مصير بدر لم يكن مثل مصير جحا، فلا باع بقرة أبيه وبدد فلوسها في الشام، ولا اشترى أطواقاً من حديد بأجراس لرقاب الكلاب، ولا ضحك عليه الحظ كما ضحك على جحا، بل انتقل الشاب الذي كان أخضر العود في خِفة من سوق الكلاب، حتى تلقفته أصابع توفيق عكاشة الذهبية في قناة الفراعين مراسلاً من الميدان، حتى وصل، بقدرة الحظ طبعاً، إلى بعض الأجنحة الأمنية، فكانت (حركة تمرد)، وأزيح مرسي بقوة الجيش، لا بقوة الاستمارة، فضحك الحظ، لا من أسنانه، بل بأسنان الانقلاب الذي تم، وصار تاجر الكلاب أيقونة للثورة. بعدها بشهور، وُضع كل شباب الثورة في السجون والمعتقلات، وتزوج تاجر الكلاب في أكبر الفنادق، وحضرت فرحه يسرا. فجأة، تم تخصيص فدانين له من أجود أراضي قليوب الزراعية، تخصيص بالأمر المباشر من رئيس الجمهورية نفسه، كمشروع لمصنع بسكويت، لاحظ أن رئيس الجمهورية رجل تقي وورع، ويحافظ بأسنانه وأظافره على المال العام، في صبحه ومساه، بدليل أنه يقول للناس في خطبه: إيه انتوا عاوزين تاكلوا مصر ولا إيه؟
فاحت رائحة مصنع البسكويت، إلا أن فطنة تاجر الكلاب لم تخمد، فانطلق إلى أدوار أخرى، مثل توزيع بطاطين على الفقراء مع كراتين ياميش رمضان، وقيل لا الياميش وصل إلى أصحابه ولا حتى البطاطين، حتى فلوس المذيع المصري، فلان الفلاني، التي تم جمعها من مصريين في الإمارات، فهل وزع محمود بدر الفلوس حقا والبطاطين التي جمعها له ذلك المذيع من أصحاب وأهل الخير أم لا؟ الله بذلك أعلم. المهم أن الرجل ملّ كل هذه التجارة البسيطة التي دائما ما ترتبط بعيون الحاسدين والقيل والقال، وقرر أن يكون موظفاً، فتم تعيينه، حظاً، متحدثاً إعلامياً لوزارة الكهرباء، بقرار تعيين رسمي، فهل للرجل جهود في التوربينات والضغط العالي والواطي؟ الله أعلم، وحينما تسأل نفسك سؤالاً بريئاً: ما علاقة الكلاب بالبسكويت بالكهرباء؟ لا تجد أي علاقة. فهل، مثلاً، في تجارة الكلاب فطنة ما تغذّي العقل، وخصوصاً حينما يمارسها المرء، وهو في ريعان الشباب وأخضر العود؟ الله أعلم. فهل قرأ محمود بدر، وهو صغير، حكاية جحا في كتب التراث؟
الله أعلم.
ولكن، لماذا لعب الحظ مع محمود بدر، ولم يلعب مع جحا؟
الله أعلم.
ولكن، بكل تأكيد، واضح أن جحا كان بعيد النظر، حينما عاد إلى أبيه بعِقد من الكلاب. ولكن، خانه، فقط، فارق التوقيت.
-----------------
العربي الجديد
بقلم : عبد الحكيم حيدر
25 أبريل 2015
محمود بدر في ضيافة السيسي (7 نوفمبر/2014/Getty)
يُحكى أن جحا قال لوالده: أريد أن تبيع لي البقرة، كي أتاجر بفلوسها في الشام. تردد الأب طويلاً، وأمام إلحاح جحا ووساطة الجيران، خضع الأب وباع بقرته، وأعطى ثمنها لجحا، وسافر جحا إلى الشام بالفلوس، وبعد أيام، كعادة جحا، راحت فلوسه في الأكل والشرب والسكن، فقرر العودة ثانية إلى بلاده، وقبل أن يصل إلى البلدة، مالَ إلى بلدة مشهورة بكثرة كلابها، وبمبلغ زهيد كان معه اشترى تسعة جراء، وشبكهم جميعاً في حبل، ثم مال على دكّان حدّاد، وطلب منه أن يصنع له طوقا من حديد يعلقه في رقبة الكلب الأمامي، بحيث تتدلى من الطوق الحديد شخاليل وأجراس، ثم دخل بالكلاب بلدته ليلاً.
خرج الأب ملهوفا حينما نادى جحا، وفتح الباب، فرأى جحا ومعه الكلاب، فسأله عن مكاسب التجارة في الشام وثمن البقرة، فضحك جحا ساخراً من سؤال الأب وقال له: (فلوس إيه؟ وشام إيه؟ ده أبو طوق حديد ده اللي قدامك يساوي عشر بقرات).
حضرتني هذه الحكاية، حينما عرفت أن محمود بدر، مؤسس حركة تمرد في مصر، بدأ أول أعماله الربحية، وهو شاب أخضر العود في تجارة الكلاب في أسواق الجمعة وقليوب. والغريب أن مصير بدر لم يكن مثل مصير جحا، فلا باع بقرة أبيه وبدد فلوسها في الشام، ولا اشترى أطواقاً من حديد بأجراس لرقاب الكلاب، ولا ضحك عليه الحظ كما ضحك على جحا، بل انتقل الشاب الذي كان أخضر العود في خِفة من سوق الكلاب، حتى تلقفته أصابع توفيق عكاشة الذهبية في قناة الفراعين مراسلاً من الميدان، حتى وصل، بقدرة الحظ طبعاً، إلى بعض الأجنحة الأمنية، فكانت (حركة تمرد)، وأزيح مرسي بقوة الجيش، لا بقوة الاستمارة، فضحك الحظ، لا من أسنانه، بل بأسنان الانقلاب الذي تم، وصار تاجر الكلاب أيقونة للثورة. بعدها بشهور، وُضع كل شباب الثورة في السجون والمعتقلات، وتزوج تاجر الكلاب في أكبر الفنادق، وحضرت فرحه يسرا. فجأة، تم تخصيص فدانين له من أجود أراضي قليوب الزراعية، تخصيص بالأمر المباشر من رئيس الجمهورية نفسه، كمشروع لمصنع بسكويت، لاحظ أن رئيس الجمهورية رجل تقي وورع، ويحافظ بأسنانه وأظافره على المال العام، في صبحه ومساه، بدليل أنه يقول للناس في خطبه: إيه انتوا عاوزين تاكلوا مصر ولا إيه؟
فاحت رائحة مصنع البسكويت، إلا أن فطنة تاجر الكلاب لم تخمد، فانطلق إلى أدوار أخرى، مثل توزيع بطاطين على الفقراء مع كراتين ياميش رمضان، وقيل لا الياميش وصل إلى أصحابه ولا حتى البطاطين، حتى فلوس المذيع المصري، فلان الفلاني، التي تم جمعها من مصريين في الإمارات، فهل وزع محمود بدر الفلوس حقا والبطاطين التي جمعها له ذلك المذيع من أصحاب وأهل الخير أم لا؟ الله بذلك أعلم. المهم أن الرجل ملّ كل هذه التجارة البسيطة التي دائما ما ترتبط بعيون الحاسدين والقيل والقال، وقرر أن يكون موظفاً، فتم تعيينه، حظاً، متحدثاً إعلامياً لوزارة الكهرباء، بقرار تعيين رسمي، فهل للرجل جهود في التوربينات والضغط العالي والواطي؟ الله أعلم، وحينما تسأل نفسك سؤالاً بريئاً: ما علاقة الكلاب بالبسكويت بالكهرباء؟ لا تجد أي علاقة. فهل، مثلاً، في تجارة الكلاب فطنة ما تغذّي العقل، وخصوصاً حينما يمارسها المرء، وهو في ريعان الشباب وأخضر العود؟ الله أعلم. فهل قرأ محمود بدر، وهو صغير، حكاية جحا في كتب التراث؟
الله أعلم.
ولكن، لماذا لعب الحظ مع محمود بدر، ولم يلعب مع جحا؟
الله أعلم.
ولكن، بكل تأكيد، واضح أن جحا كان بعيد النظر، حينما عاد إلى أبيه بعِقد من الكلاب. ولكن، خانه، فقط، فارق التوقيت.
-----------------
العربي الجديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق