وائل قنديل : معارضة برخصة: عواجيز السياسة المصرية
28 أبريل 2015
محمد أبو الغار : ليت الشباب يعود يوما
قارن بين كلام الدكتور محمد أبو الغار، المعارض المصري العجوز المتقاعد، عن حركة السادس من أبريل، وكلام حسني مبارك الرئيس المصري العجوز المخلوع عن وريثه في حكم الدولة العسكرية عبد الفتاح السيسي، قارن لتعرف الفرق بين فيروسات قاتلة تنهش في بنية المعارضة الثورية، وتلك الحالة من الاصطفاف والتوحد والتضامن داخل معسكر الثورة المضادة.
أمضى محمد أبو الغار، وغيره من عواجيز السياسة المصرية، سنوات مختبئين داخل صفوف القوى الشبابية الرافضة للاستبداد والفساد، والمعارضة حكم مبارك. وفي ذلك الوقت، لم يكن أبو الغار، أو غيره من محترفي المعارضة، يمتلكون تراخيص ممارسة النشاط السياسي، أو أطراً قانونية رسمية لمزاولة المعارضة، ولم يكن هذا الأمر مطروحاً من الأساس، حين أقدم أبو الغار على المشاركة في تأسيس حركات احتجاج مثل "كفاية" و"9 مارس لاستقلال الجامعات" وفيما بعد "الجمعية الوطنية للتغيير". وبالتالي، لم يكن هو وصحبه يطلبون إظهار "رخصة العمل السياسي" من كل شاب أو مواطن يصدق دعوتهم، ويقرر الانضمام لكياناتهم وهياكلهم غير القانونية، بالمعايير التي يتحدث بها أبو الغار عن 6 أبريل الآن، كشرط للسماح له بممارسة النضال تحت رعايتهم الكريمة.
جاء وقت على محمد أبو الغار كان فيه يزايد على الشباب، ويحاول الظهور في هيئة الأكثر نزقاً وشبابية، وحماساً واندفاعاً، غير عابئ بالقوانين واللوائح، ولمّا جاءت لحظة ثورة يناير كان أبو الغار الذي لم يكن قد حصل على رخصة حزب بعد، يجوب الشوارع والميادين، مرتدياً ذلك "البلوفر" الأحمر الفاقع، وكأنه يقول أنا مع الشباب، وقبلهم في الانطلاق والمروق واختراق الحواجز.
ويذكر التاريخ أنه عندما دعا عمر سليمان، رجل المخابرات القوي الذي عينه مبارك نائباً، في محاولة أخيرة لإنقاذه من السقوط، عندما دعا حركات شبابية وشخصيات ثورية للحوار في ذروة تأجج ثورة يناير، ذهب محمد أبو الغار، صحبة شباب الثورة، ومن بينهم ممثلون لحركة 6 أبريل بالطبع، من دون أن يسألهم مسبقاً عما إذا كانوا يحملون ترخيصاً رسمياً، أو لديهم كيان قانوني أم لا، ذلك أنه مثلهم، كان مجرد شخصية مصرية، تمارس العمل السياسي في الهواء الطلق، ولعل هذا ما أتاح له، ولغيره، قدرة على الحركة والتأثير في الجماهير، فاقت بمراحل، الأحزاب "المرخصة" التي نشأت بقرارات من نظام مبارك، كي تصنع شكلاً لطيفاً في الفناء الخلفي للحزب الحاكم، من دون أن يكون لدى قياداتها طموح أكثر من رضا الرئيس ومكافأته لها بتعيين رؤسائها في مجلس الشورى، أو مجلس الشعب، وتقديم الدعم المادي لصحفها البائسة المتعثرة.
لم يكن محمد أبو الغار مشغولاً في ذلك بما يتحجج به، الآن، ويتخذه ذريعة للهرب من دعوة شباب 6 أبريل لحوار مع الأحزاب والقوى السياسية، من أجل تنسيق جهود المعارضة المصرية ضد قمع واستبداد السلطة، حيث يشهر في وجوه الداعين لافتة ضخمة تقول "لا أتحاور مع حركات محظورة.. أنا حزب شريف وعفيف ملتزم بالإطار القانوني"، وينسى أنه كان من الساعين دوماً لطرق أبواب مكتب الإرشاد، وقت أن كان "الإخوان" جماعة محظورة، بلا إطار قانوني، بحثاً عن توحيد الصفوف، وإيجاد حالة توافق وطني، للوقوف ضد نظام لا يقل فساداً واستبداداً عن النظام الحالي.
لقد بنى محمد أبو الغار تاريخه السياسي، وأسس وجوده في المعارضة قبل ثورة يناير، على تحركه خارج الأطر الرسمية، وتمرده على اللوائح والضوابط القانونية. والآن، بعد أن استقر على أريكة النظام الحاكم، كمعارض مؤدب ومطيع، ها هو يشارك في الهجمة التي تشنها دولة السيسي، عبر أذرعها الإعلامية والقانونية والأمنية، على كل حركات المعارضة الرافضة للاستئناس والتدجين، ويردد المفردات ذاتها التي يستخدمها إعلاميو السيسي، عند الحديث عن 6 أبريل، وغيرها من كيانات احتجاج، ترفض دخول حظائر النظام.
تبدو المسافة مهولة ومخيفة، بين صورة "عمر المختار" التي كان الشباب يرون شيوخ المعارضة عليها، قبل الثورة وهيئة "رفعت السعيد" التي يظهرون بها الآن، بعد أن رضوا من الغنيمة بالجلوس تحت موائد السلطة. --------------- العربي الجديد
28 أبريل 2015
محمد أبو الغار : ليت الشباب يعود يوما
قارن بين كلام الدكتور محمد أبو الغار، المعارض المصري العجوز المتقاعد، عن حركة السادس من أبريل، وكلام حسني مبارك الرئيس المصري العجوز المخلوع عن وريثه في حكم الدولة العسكرية عبد الفتاح السيسي، قارن لتعرف الفرق بين فيروسات قاتلة تنهش في بنية المعارضة الثورية، وتلك الحالة من الاصطفاف والتوحد والتضامن داخل معسكر الثورة المضادة.
أمضى محمد أبو الغار، وغيره من عواجيز السياسة المصرية، سنوات مختبئين داخل صفوف القوى الشبابية الرافضة للاستبداد والفساد، والمعارضة حكم مبارك. وفي ذلك الوقت، لم يكن أبو الغار، أو غيره من محترفي المعارضة، يمتلكون تراخيص ممارسة النشاط السياسي، أو أطراً قانونية رسمية لمزاولة المعارضة، ولم يكن هذا الأمر مطروحاً من الأساس، حين أقدم أبو الغار على المشاركة في تأسيس حركات احتجاج مثل "كفاية" و"9 مارس لاستقلال الجامعات" وفيما بعد "الجمعية الوطنية للتغيير". وبالتالي، لم يكن هو وصحبه يطلبون إظهار "رخصة العمل السياسي" من كل شاب أو مواطن يصدق دعوتهم، ويقرر الانضمام لكياناتهم وهياكلهم غير القانونية، بالمعايير التي يتحدث بها أبو الغار عن 6 أبريل الآن، كشرط للسماح له بممارسة النضال تحت رعايتهم الكريمة.
جاء وقت على محمد أبو الغار كان فيه يزايد على الشباب، ويحاول الظهور في هيئة الأكثر نزقاً وشبابية، وحماساً واندفاعاً، غير عابئ بالقوانين واللوائح، ولمّا جاءت لحظة ثورة يناير كان أبو الغار الذي لم يكن قد حصل على رخصة حزب بعد، يجوب الشوارع والميادين، مرتدياً ذلك "البلوفر" الأحمر الفاقع، وكأنه يقول أنا مع الشباب، وقبلهم في الانطلاق والمروق واختراق الحواجز.
ويذكر التاريخ أنه عندما دعا عمر سليمان، رجل المخابرات القوي الذي عينه مبارك نائباً، في محاولة أخيرة لإنقاذه من السقوط، عندما دعا حركات شبابية وشخصيات ثورية للحوار في ذروة تأجج ثورة يناير، ذهب محمد أبو الغار، صحبة شباب الثورة، ومن بينهم ممثلون لحركة 6 أبريل بالطبع، من دون أن يسألهم مسبقاً عما إذا كانوا يحملون ترخيصاً رسمياً، أو لديهم كيان قانوني أم لا، ذلك أنه مثلهم، كان مجرد شخصية مصرية، تمارس العمل السياسي في الهواء الطلق، ولعل هذا ما أتاح له، ولغيره، قدرة على الحركة والتأثير في الجماهير، فاقت بمراحل، الأحزاب "المرخصة" التي نشأت بقرارات من نظام مبارك، كي تصنع شكلاً لطيفاً في الفناء الخلفي للحزب الحاكم، من دون أن يكون لدى قياداتها طموح أكثر من رضا الرئيس ومكافأته لها بتعيين رؤسائها في مجلس الشورى، أو مجلس الشعب، وتقديم الدعم المادي لصحفها البائسة المتعثرة.
لم يكن محمد أبو الغار مشغولاً في ذلك بما يتحجج به، الآن، ويتخذه ذريعة للهرب من دعوة شباب 6 أبريل لحوار مع الأحزاب والقوى السياسية، من أجل تنسيق جهود المعارضة المصرية ضد قمع واستبداد السلطة، حيث يشهر في وجوه الداعين لافتة ضخمة تقول "لا أتحاور مع حركات محظورة.. أنا حزب شريف وعفيف ملتزم بالإطار القانوني"، وينسى أنه كان من الساعين دوماً لطرق أبواب مكتب الإرشاد، وقت أن كان "الإخوان" جماعة محظورة، بلا إطار قانوني، بحثاً عن توحيد الصفوف، وإيجاد حالة توافق وطني، للوقوف ضد نظام لا يقل فساداً واستبداداً عن النظام الحالي.
لقد بنى محمد أبو الغار تاريخه السياسي، وأسس وجوده في المعارضة قبل ثورة يناير، على تحركه خارج الأطر الرسمية، وتمرده على اللوائح والضوابط القانونية. والآن، بعد أن استقر على أريكة النظام الحاكم، كمعارض مؤدب ومطيع، ها هو يشارك في الهجمة التي تشنها دولة السيسي، عبر أذرعها الإعلامية والقانونية والأمنية، على كل حركات المعارضة الرافضة للاستئناس والتدجين، ويردد المفردات ذاتها التي يستخدمها إعلاميو السيسي، عند الحديث عن 6 أبريل، وغيرها من كيانات احتجاج، ترفض دخول حظائر النظام.
تبدو المسافة مهولة ومخيفة، بين صورة "عمر المختار" التي كان الشباب يرون شيوخ المعارضة عليها، قبل الثورة وهيئة "رفعت السعيد" التي يظهرون بها الآن، بعد أن رضوا من الغنيمة بالجلوس تحت موائد السلطة. --------------- العربي الجديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق