27 إبريل , 2015 -
أصبح مثيرا للتنكيت والسخرية ما يردده الإعلام الرسمي والخاص الموالي
للرئيس عبد الفتاح السيسي بصفة يومية عن نسبة أي خطأ أو كارثة أو مصيبة
تحدث في مصر للإخوان ، حتى لو أن موجة من المناخ الصيفي الحار فاجأت
العاصمة فغالبا ما سيلقي بيان الأرصاد المسؤولية على مؤامرات الإخوان ،
والسخرية من هذا الوسواس السياسي القهري داخل مصر لم يعد يصدر عن أنصار
جماعة الإخوان وحدهم ، بل أصبح ينتشر حتى بين أنصار السيسي ، الذين ضاق
بعضهم ذرعا من تهرب المسؤولين من مسؤوليات أخطائهم وكوارثهم بمحاولة نسبتها
إلى "شبح" الإخوان .
غير أن "شبح" الإخوان الذي
يطارد السيسي لم يعد مقصورا على مصر ، بل ربما الأخطر هو ما يحدث في
المحيط الإقليمي والدولي ، وهو جد لا مزاح فيه ولا هزل ولا تنكيت ، فالسيسي
بنى مشروعه السياسي على الإطاحة بالإخوان من السلطة ومنعهم من العودة بأي
سبيل ، ثم بنى تحالفه الإقليمي الخليجي على ملاحقة "بعبع" الإخوان في كل
مكان ، وهو ما ورط مصر في الصراع الأهلي في ليبيا بصورة بالغة السوء وخسرت
فيها مصر من سمعتها وكرامتها واقتصادها ودماء أبنائها كذلك ، بدون أي معنى
ولا عقل سياسي جاد وحكيم ، ولم يفكر السيسي أو خبراء نظامه في تطوير خطابهم
السياسي أو الانتقال بمشروعهم السياسي إلى مرحلة أخرى أكثر عقلانية
واستقلالية بالقرار الوطني ، وأكثر جدوى وبنائية من مطاردة فصيل سياسي ،
حتى بدأت الأحداث تفاجئهم بمرارتها في كافة ملفات المنطقة العربية ، وأصبح
السيسي هو المطارد وهو الملاحق من "شبح" الإخوان الذي يفرض نفسه بقوة في
ملفات عديدة ، لا يملك السيسي تجاهله أو تجاوزه ، وإن فعل فهو الخاسر بكل
وضوح .
السيسي ونظامه يريد استعادة دور مصر
الضائع والمفقود في الملفات العربية التي تمثل عمقا استراتيجيا للدولة ،
وتتصل بأمنها القومي في صميمه ، فاقتحم الملف السوري مؤخرا ، لكي يسوق نفسه
أمام المجتمع الدولي بأنه "وسيط" سياسي لمحاولة الوصول إلى تسوية سياسية
تنهي بحار الدم في البلد العربي العزيز ، وفي الأزمة السورية ـ سياسيا ـ
عنوانان : نظام بشار ، والائتلاف الوطني لقوى المعارضة ، وهذا الائتلاف
مكون من ممثلين لعدة فصائل سورية ، منها ـ بطبيعة الحال ـ الإخوان المسلمين
، وعندما دعت مصر لعقد مؤتمر المعارضة الأول في القاهرة رفضت أن تسمح
بدخول ممثلي الإخوان المسلمين في الائتلاف السوري ، وهو ما دفع الائتلاف
للامتناع عن المشاركة ، وهناك اجتماع آخر ترغب القاهرة بقوة وإلحاح على
عقده قريبا ، إلا أن السيسي يصر مرة أخرى على أن لا يشارك فيه أي ممثل
للإخوان المسلمين في سوريا ، وهو ما جعل الائتلاف الوطني يعتذر ـ بشكل
مبدأي ـ عن الحضور والمشاركة ، لأن أحدا لن يملي على الشعب السوري من هم
ممثلوه ، وألمح هيثم المالح ، عضو الائتلاف إلى أنهم قد يفكرون في عقد
الاجتماع في عاصمة أخرى غير القاهرة إذا أصر النظام المصري على موقفه ،
واستغربت قيادة الائتلاف السوري من موقف القاهرة ، خاصة وأن الإخوان لا
يمثلون في الائتلاف أكثر من 7% ، ونحن أيضا نستغرب ، كيف يفكر النظام
السياسي المصري في دور له بالتسوية السياسية وهو يفرض على الشعب السوري من
هم ممثلوه ، ويقبل ويحذف ، من في العالم كله سيقبل منك هذا التدخل المهين
والوصاية الفجة ، وبطبيعة الحال ، الطريق المصري مسدود ، والعاصمة السعودية
، البديل ، في طريقها لاحتضان اجتماع سوري موسع قريبا ، بعد أن تجاوزت
التجمد عند "شبح" الإخوان ، وصححت المسار بهدوء وبدون صخب ، وإذا تم تهميش
الدور المصري في الملف السوري ، فإن مصر ومصالحها ستدفع ثمنا فادحا في
مستقبل علاقاتها بسوريا ، حكومة وشعبا .
شبح
الإخوان يطارد السيسي أيضا في الملف اليمني ، حيث يحاول تعويض بعض تقصيره
في المساندة العسكرية لعاصفة الحزم ، بقيادة تسوية سياسية في اليمن تسمح
بعودة الشرعية والعمل وفق مسار سياسي ، وقد استقبلت القاهرة قيادات حوثية
متمردة مدانة من مجلس الأمن وتحمل السلاح ، ولكنها تصر على تجاهل قيادة حزب
الإصلاح "إخوان اليمن" أو دعوتهم أو التواصل الرسمي معهم ، بينما العاصمة
السعودية احتضنت قيادات الإصلاح اليمني علنا ، وتم عقد اجتماعات بين
قياداتهم ومسؤولين سعوديين على أعلى مستوى ، ونصحت المملكة الرئيس اليمني
بتعزيز الاستفادة من حضورهم الشعبي والسياسي في معركة الشرعية مع المتمردين
الحوثيين ، ومرة أخرى ، كيف يمكنك أن تقود تسوية سياسية وأنت تتجاهل
المكون الشعبي والسياسي الأهم في مواجهة الحوثيين ، حزب الإصلاح ؟ ، هل هذا
يعقل في أي تقدير سياسي أو ديبلوماسي عاقل أو حكيم أو جاد ، ولكنه
"الكابوس" الإخواني الذي يطارد خيال صانع السياسة وصانع الديبلوماسية
المصرية حتى الآن .
------------------------
المصدر: "المصريون"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق