وائل قنديل : شهادة للتاريخ واعتذار لـ 6 أبريل
29 أبريل 2015
أخذ عواجيز السياسة المصرية التظاهر والتمرد على القوانين المقيدة للحريات، سلّماً للانقلاب على الرئيس المنتخب الذي لم يستطيعوا تقبل وصوله إلى الحكم بعد الثورة، وقرروا أن يرهنوا كل مدخراتهم من القدرة على التأثير في الجماهير، وكل أرصدتهم الثورية، في بورصة العسكر.
حتى إذا استتب لهم الانقلاب، ونجحوا في إزاحة أول تجربة حكم ديمقراطية "أخذوا السلم معهم لفوق"، حسب التعبير الركيك لقائد الانقلاب، وهو يبرر قتله العملية الديمقراطية التي أوصلت محمد مرسي إلى الرئاسة، وبعد أن استقر المقام بشخصية، مثل الدكتور محمد أبو الغار، كنموذج للمعارضة اللطيفة المهذبة المطيعة للرئيس العسكري الذي جاء بانقلاب، بات لا يجد غضاضة في إدارة ظهره لحركة مثل السادس من إبريل، ويعتبرها محظورة، تعمل خارج إطار القانون، وبالتالي، لا حوار ولا كلام ولا سلام معها، لأنه معارض رسمي محافظ، وملتزم بما تقوله السلطة التي يعارضها.
أتذكر أنه، وسط جنون الثورة المضادة، المحمولة على ظهور عواجيز السياسة، في أحداث الاتحادية، أن زارني في مكتبي بالقاهرة مجموعة من أعضاء المكتب السياسي لحركة 6 إبريل، جاءوا يملؤهم الذعر على البلاد مما هو آت، إذ كانت الأموال تنفق بغزارة، والحشد الخطابي على أشده، لحرق المشهد بما فيه، على من فيه، كي لا يبقى محمد مرسي رئيساً.
كان أكثر ما يخيف الحركة، وعلى رأسها مؤسسها أحمد ماهر، فك الله أسره، أن من كنا نعتبرهم رموزاً ثورية حكيمة وعاقلة، صاروا الأشرس في دفع الأمور إلى الجحيم والدماء، إذ سعت الحركة، في ذلك الوقت، للتواصل مع كل الأطراف، حقنا للدماء، وحماية للثورة، والتقى ممثلون عنها مع الشخصيات السياسية البارزة، من قادة وزعماء الأحزاب التي خرجت من رحم الثورة، وكانت الصدمة أنهم سمعوا خطابا، أقرب إلى الجنون في عنفه، ووجدوا أنفسهم في خانة الاتهام بالتقاعس وخيانة الثورة، لأنهم -أي 6 أبريل- لا يشاركون في عملية إسقاط محمد مرسي، ويقفون على الحياد، ولا يسخّرون إمكاناتهم في الحراك، لخدمة حملة "تمرد"، تلك الحملة التي كانت تتغذى في مطابخ المؤسسات الأمنية، وتسمن في مراعيها.
وعندما أتذكر ما قاله وفد الحركة عن جنون التحضير للعنف والإنفاق عليه، واحتضانه أمنيا، من خلال الجيش والشرطة، وسياسيا، من خلال الشخصيات الثورية الشهيرة، أدرك لماذا يقبع أحمد ماهر في سجون النظام العسكري الآن، لمجرد أنه كتب طرفاً من شهادته على المرحلة، تحت عنوان" للأسف كنت أعلم".
وجدت الحركة نفسها في وضع شديد الكارثية، وهي تحاول منع اندلاع الحريق، بينما الأطراف المعنية غير مدركة خطورة الموقف، فمن ناحية، كانت المعارضة المهندسة وراثياً، ممثلة في "جبهة الإنقاذ" قد اتخذت قراراً بأنه لا رجوع عن تدمير حكم محمد مرسي، حتى لو كان البديل انقلاباً أو ثورة مضادة، ومن الناحية الأخرى، كان "الإخوان" مطمئنين وواثقين في المؤسستين العسكرية والأمنية، على نحو غريب ومثير للدهشة، جعلهم لا ينصتون جيداً للتحذير والتنبيه لما يتم التحضير له.
وفي وضع شديد التعقيد كهذا، كانت الحركة في فوهة بركان من الابتزاز، من جانب رموز الأحزاب والقوى الثورية، يصل إلى مستوى التخوين، والتخويف أيضا، إن لم تشارك، ومن الجانب الآخر وقعت تحت ضغوط من أعضائها، خصوصاً من الأعمار الصغيرة، من المتحمسين للحراك، يطالبونها بالانضمام إلى ما يرون كل وسائل الإعلام تحشد من أجله يومياً. وفي تلك الأثناء، بلغ الابتزاز والإرهاب أشدهما، حين اعتقلت الشرطة مؤسس الحركة أحمد ماهر، بحجة التحقيق معه بتهمة التخابر، نوعاً من شدّ الأذن، قبل أن يطلق سراحه بعدها بأيام قلائل.
****
تلك هي الشهادة، أما الاعتذار فهو عما ذكرته خطأ في مقال الأمس عن حضور ممثلي 6 أبريل لقاء عمر سليمان، في أثناء ثورة يناير، وقد وردني من أعضاء في الحركة ما يلي:
"6 أبريل لم تجلس، في يوم من الأيام، مع عُمر سليمان، وحين تمت دعوة عُمر سليمان لجميع الأحزاب والحركات.. رفضت قطعياً حركة شباب 6 إبريل الدعوة، حين تم الاتصال عن طريق الرئاسة لمقابلة عُمر سليمان، من ميدان التحرير، ورفضنا إجراء أي حوار إلا برحيل النظام بالكامل، وتمسك شباب 6 إبريل بالثورة في وقت ذهب العديد لمقابلة عُمر سليمان، وكأنه شخص لم يشارك في نظام أفسد الحياة السياسية، وأجرم في حق المصريين، وامتهن كرامتهم واستباح دماءهم.
فحركة شباب 6 إبريل هي حركة المقاومة المصرية وقلب شبابها ينبض بالثورة".
انتهى الرد، ووجب الاعتذار.
-------------
العربي الجديد
29 أبريل 2015
أخذ عواجيز السياسة المصرية التظاهر والتمرد على القوانين المقيدة للحريات، سلّماً للانقلاب على الرئيس المنتخب الذي لم يستطيعوا تقبل وصوله إلى الحكم بعد الثورة، وقرروا أن يرهنوا كل مدخراتهم من القدرة على التأثير في الجماهير، وكل أرصدتهم الثورية، في بورصة العسكر.
حتى إذا استتب لهم الانقلاب، ونجحوا في إزاحة أول تجربة حكم ديمقراطية "أخذوا السلم معهم لفوق"، حسب التعبير الركيك لقائد الانقلاب، وهو يبرر قتله العملية الديمقراطية التي أوصلت محمد مرسي إلى الرئاسة، وبعد أن استقر المقام بشخصية، مثل الدكتور محمد أبو الغار، كنموذج للمعارضة اللطيفة المهذبة المطيعة للرئيس العسكري الذي جاء بانقلاب، بات لا يجد غضاضة في إدارة ظهره لحركة مثل السادس من إبريل، ويعتبرها محظورة، تعمل خارج إطار القانون، وبالتالي، لا حوار ولا كلام ولا سلام معها، لأنه معارض رسمي محافظ، وملتزم بما تقوله السلطة التي يعارضها.
أتذكر أنه، وسط جنون الثورة المضادة، المحمولة على ظهور عواجيز السياسة، في أحداث الاتحادية، أن زارني في مكتبي بالقاهرة مجموعة من أعضاء المكتب السياسي لحركة 6 إبريل، جاءوا يملؤهم الذعر على البلاد مما هو آت، إذ كانت الأموال تنفق بغزارة، والحشد الخطابي على أشده، لحرق المشهد بما فيه، على من فيه، كي لا يبقى محمد مرسي رئيساً.
كان أكثر ما يخيف الحركة، وعلى رأسها مؤسسها أحمد ماهر، فك الله أسره، أن من كنا نعتبرهم رموزاً ثورية حكيمة وعاقلة، صاروا الأشرس في دفع الأمور إلى الجحيم والدماء، إذ سعت الحركة، في ذلك الوقت، للتواصل مع كل الأطراف، حقنا للدماء، وحماية للثورة، والتقى ممثلون عنها مع الشخصيات السياسية البارزة، من قادة وزعماء الأحزاب التي خرجت من رحم الثورة، وكانت الصدمة أنهم سمعوا خطابا، أقرب إلى الجنون في عنفه، ووجدوا أنفسهم في خانة الاتهام بالتقاعس وخيانة الثورة، لأنهم -أي 6 أبريل- لا يشاركون في عملية إسقاط محمد مرسي، ويقفون على الحياد، ولا يسخّرون إمكاناتهم في الحراك، لخدمة حملة "تمرد"، تلك الحملة التي كانت تتغذى في مطابخ المؤسسات الأمنية، وتسمن في مراعيها.
وعندما أتذكر ما قاله وفد الحركة عن جنون التحضير للعنف والإنفاق عليه، واحتضانه أمنيا، من خلال الجيش والشرطة، وسياسيا، من خلال الشخصيات الثورية الشهيرة، أدرك لماذا يقبع أحمد ماهر في سجون النظام العسكري الآن، لمجرد أنه كتب طرفاً من شهادته على المرحلة، تحت عنوان" للأسف كنت أعلم".
وجدت الحركة نفسها في وضع شديد الكارثية، وهي تحاول منع اندلاع الحريق، بينما الأطراف المعنية غير مدركة خطورة الموقف، فمن ناحية، كانت المعارضة المهندسة وراثياً، ممثلة في "جبهة الإنقاذ" قد اتخذت قراراً بأنه لا رجوع عن تدمير حكم محمد مرسي، حتى لو كان البديل انقلاباً أو ثورة مضادة، ومن الناحية الأخرى، كان "الإخوان" مطمئنين وواثقين في المؤسستين العسكرية والأمنية، على نحو غريب ومثير للدهشة، جعلهم لا ينصتون جيداً للتحذير والتنبيه لما يتم التحضير له.
وفي وضع شديد التعقيد كهذا، كانت الحركة في فوهة بركان من الابتزاز، من جانب رموز الأحزاب والقوى الثورية، يصل إلى مستوى التخوين، والتخويف أيضا، إن لم تشارك، ومن الجانب الآخر وقعت تحت ضغوط من أعضائها، خصوصاً من الأعمار الصغيرة، من المتحمسين للحراك، يطالبونها بالانضمام إلى ما يرون كل وسائل الإعلام تحشد من أجله يومياً. وفي تلك الأثناء، بلغ الابتزاز والإرهاب أشدهما، حين اعتقلت الشرطة مؤسس الحركة أحمد ماهر، بحجة التحقيق معه بتهمة التخابر، نوعاً من شدّ الأذن، قبل أن يطلق سراحه بعدها بأيام قلائل.
****
تلك هي الشهادة، أما الاعتذار فهو عما ذكرته خطأ في مقال الأمس عن حضور ممثلي 6 أبريل لقاء عمر سليمان، في أثناء ثورة يناير، وقد وردني من أعضاء في الحركة ما يلي:
"6 أبريل لم تجلس، في يوم من الأيام، مع عُمر سليمان، وحين تمت دعوة عُمر سليمان لجميع الأحزاب والحركات.. رفضت قطعياً حركة شباب 6 إبريل الدعوة، حين تم الاتصال عن طريق الرئاسة لمقابلة عُمر سليمان، من ميدان التحرير، ورفضنا إجراء أي حوار إلا برحيل النظام بالكامل، وتمسك شباب 6 إبريل بالثورة في وقت ذهب العديد لمقابلة عُمر سليمان، وكأنه شخص لم يشارك في نظام أفسد الحياة السياسية، وأجرم في حق المصريين، وامتهن كرامتهم واستباح دماءهم.
فحركة شباب 6 إبريل هي حركة المقاومة المصرية وقلب شبابها ينبض بالثورة".
انتهى الرد، ووجب الاعتذار.
-------------
العربي الجديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق