مصر: السيسي يضمن ولاء الجيش بامتيازات اقتصادية غير مسبوقة
لا يمكن فهم قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإمكانية تأسيس القوات المسلحة شركات وإنشائها بمفردها، أو بالمشاركة مع رأس المال الوطني أو الأجنبي، إلّا في ضوء توسيع الامتيازات التي تتمتع بها هذه المؤسسة أصلاً وتاريخياً، وقد اتسعت بشكل ملحوظ منذ تولّي الرجل الحكم.
وعلى مدار عام ونصف العام، حصلت المؤسسة العسكرية على امتيازات عدة لتنفيذ مشاريع في الدولة من دون القطاع الخاص، فضلاً عن الزيادة في الرواتب والمكافآت، لضمان ولاء هذه المؤسسة للسيسي، إذ يسعى الأخير إلى محاولة الإبقاء على تبعيّة الجيش له، في ظل الأزمات التي تشهدها مصر والاعتراضات والاحتجاجات ضد نظامه، وخصوصاً أنّ المؤسسة العسكرية كان لها دور بارز في الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك والانقلاب على الرئيس محمد مرسي. ويتخوّف السيسي من إمكانية توجُّه المؤسسة العسكرية إلى القطاعات المعارِضة له في لحظة غضب ما والإطاحة به، محاولاً من خلال المشاريع التي يوكلها إليهم والمكاسب المادية التي يمنحها لهم، ضمان الولاء له.
"أصدر السيسي قراراً يسمح للقوات المسلحة بتأسيس شركات وإنشائها بمفردها، أو بالمشاركة مع رأس المال الوطني أو الأجنبي "
وكانت حالة من التململ بدأت تظهر داخل المؤسسة العسكرية على خلفية اعتماد السيسي على الجيش في الأمور المدنية وإنشاء المشروعات وحلّ الأزمات الاقتصادية من خلال جهاز المشروعات الوطنية، في ظل التخوُّف من مواجهة بين الجيش والشعب. كما تشهد العلاقة بين السيسي ووزير الدفاع صدقي صبحي، حالة من التوتر بعد الاختلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا، فضلاً عن تدخل الأوّل في شؤون القوات المسلحة من دون الرجوع إلى الأخير.
ويذهب قرار السيسي الأخير، بعيداً عن النغمة التي ظلّت قائمة بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، حول ضرورة الكشف عن ميزانية القوات المسلحة ومناقشتها داخل البرلمان، وخصوصاً أنّ الجيش يمكنه أن يؤسس شركات بالتعاون مع رأس المال المحلّي أو الخارجي.
وجاء ذلك، في القرار رقم 446 لعام 2015، لتنظيم قواعد التصرف في الأراضي والعقارات التي تخليها القوات المسلحة، وتخصيص عائدها لإنشاء مناطق عسكرية بديلة، والذي نُشر في الجريدة الرسمية، الخميس الماضي. ويتضمن القرار، "تولّي جهاز القوات المسلحة تجهيز مدن ومناطق عسكرية بديلة للمناطق التي يتم إخلاؤها، والقيام بجميع الخدمات والأنشطة التي من شأنها تنمية موارد جهاز القوات المسلحة، وله في سبيل ذلك تأسيس الشركات بكافة صورها، سواء بمفرده أو بالمشاركة مع رأس المال الوطني أو الأجنبي".
وبطبيعة الحال، فإن هذه الشركات ستحقق مكاسب في ظل الاستحواذ على أهم وأبرز المشاريع في الدولة، وستتحكم بشكل أو بآخر في مشاركة بعض رجال الأعمال أو إقصاء آخرين، بحسب خبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية. ويقول الخبير السياسي لـ"العربي الجديد"، إنّ السيسي يجعل الجيش يهيمن على المجال الاقتصادي كاملاً، من خلال منحه ميزات اقتصادية كبيرة، مضيفاً، أنّه من الممكن تقبّل فكرة زيادة رواتب ومكافآت، لكن امتداد الأمر إلى أنشطة اقتصادية كبيرة بالملايين والمليارات، فهذا أمر صعب للغاية ولا يمكن تقبّله. "
يتخوّف السيسي من إمكانية توجُّه المؤسسة العسكرية إلى القطاعات المعارِضة له، والإطاحة به، محاولاً إرضاءها من خلال المشاريع والمكاسب المادية"
ويؤكد الخبير ذاته، أن هذه الميزات ستجعل الجيش يتفرغ للأعمال الاقتصادية ويترك مهمته الأساسية في تأمين الحدود والبلاد، لافتاً إلى أنه لا توجد دولة تحصل القوات المسلحة على امتيازات مماثلة، مشيراً إلى أنّ الأمر وصل إلى مرحلة غير مسبوقة في التعامل مع الجيش باعتباره دولة داخل الدولة تماماً.
من جانبه، يقول الخبير السياسي، محمد عز، إنه على الرغم من أنّ فكرة القرار جاءت بسبب إنشاء مناطق عسكرية جديدة وعدم تحمل الدولة ميزانية جديدة، لكنّه قرار غير منطقي. ويضيف عز لـ"العربي الجديد"، أن الجيش مهمته الأساسية فقط حماية الدولة والدفاع عنها، وليس المضاربة في سوق المال، مؤكداً أن هذا الأمر لا يمكن استبعاد البعد السياسي فيه.
ويشدّد عز على ضرورة محاسبة هذه الشركات في حال تأسيسها مثل مختلف الشركات، منّوهاً لدورها في التحكم بالاقتصاد المصري بعد فترة، إذ إنّ هذه الشركات ستحصل على مشاريع بشكل مباشر، متسائلاً عمن يجرؤ على دخول منافسة مع شركة تابعة للجيش. ويعطي الخبير ذاته، مثلاً عن جهاز المخابرات الذي يملك شركات تعمل في مصر لتوفير موارد مالية، لكنها لا تدفع ضرائب ولا رقابة عليها، مشيراً إلى أنّه من غير الواضح مسألة إشراك رأس مال أجنبي، ومتسائلاً عمّا إذا كانت المؤسسة العسكرية تلقّت عروضاً خارجية بالفعل.
بدوره، يقول الخبير العسكري، اللواء يسري قنديل، إنّ القرار يتعلق بعدم تكبُّد خزينة الدولة مزيداً من الأموال للأمور العسكرية، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن حالة التشكيك في القرار أو غيرها من القرارات تأتي بفعل معارضة النظام الحالي، ولكن لو تم التمعّن في الأمر، سيكون القرار لصالح الجيش المصري، لدعمه مادياً بشكل جيد. وعن آليات تنفيذ وإشراك رأس المال الأجنبي، يؤكد قنديل أن هذه الخطوة لضمان عدم تلاعب رأس المال في مشاريع محددة في مصر والتأثير سلباً عليها وإبقائها تحت السيطرة.
----------
القاهرة _ العربي الجديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق