الجمعة، 22 يناير 2016

25 يناير عيد ميلاد الحرية بقلم: عامر شماخ



25 يناير عيد ميلاد الحرية 
 
بقلم: عامر شماخ
 
إن نسى الأحرار أسماءهم فسوف ينسون ذكرى ميلاد الحرية فى مصر، إنه يوم 25 يناير 2011؛ ذلك اليوم الذى أذن الله فيه أن يسترد المصريون كرامتهم، بعد سجن الوطن بأكمله لنحو ستين سنة، وما أروع أن ينال المسجون حريته، وأن تنفك قيوده؛ إنه الفرق بين الحياة والموت. كان الناس في ضيق وعبودية وقهر، فكان ذلك اليوم، 25 يناير، يوم تحرير، وهناء، وسعادة، تذوقنا فيه طعم العزة والكرامة، وخرجنا من أجواء الاستبداد والظلم، إلى رحاب العدل والمساواة والإنصاف. 
 
ولا يقدر عظمة هذا اليوم، وفتحه ونصره، إلا من عاش عهود الفشل والغباء التى حكمنا فيها العسكر، بدءًا بالهالك المهزوم، مرورًا بالمطبع المغرور صاحب النصر المزعوم، وانتهاء بالمخلوع الذى أتى بجميع الموبقات.. كما لا يقدر عظمة هذا اليوم إلا من ينظر إلى مصر الآن وقد تحولت إلى زنزانة كبيرة، حشر فيها الشعب حشرًا، ووقف على باب هذه الزنزانة عصابة تستمتع بخيرات البلاد جميعها، ثم تلقى ما تبقى منها لذلك الشعب المحشور فى تلك الزنزانة الكبيرة، فإن اعترض معترض كان جزاؤه القتل، أو الاعتقال والتعذيب والمطاردة.
 
مرت خمس سنوات على هذا اليوم المجيد، لكننا -والله- نذكره كأنه وقع الآن، ولو مد الله فى أعمارنا عشرات السنين ما نسيناه - إلا أن يشاء الله ربى شيئًا؛ إذ فيه أثلج الله صدور الناس بزوال ملك الفاسد الأكبر وعصابته، بعد ثلاثة عقود من حرب الله ورسوله، والاستهانة بشعب يزيد تعداده على الثمانين مليونًا، كأن المجرم قد ورث ذلك البلد ضمن أملاك أبيه، فكان إسقاطه وخلعه آية من آيات الله، وتحقيقًا لوعده فى الانتقام من الظالمين وإهلاك الطغاة المستبدين، وقد شعر الناس بعد مهلكه أنهم كانوا موتى فأحياهم، غرقى فنجاهم إلى البر، وقد فضح الله المجرمين فى هذا اليوم، وأهانهم جزاء ما فعلوه بالناس، فكنت ترى من يتودد إلى الشعب يطلب عفوه، وهو نفسه الذى كان يتصرف وكأنه السيد وباقى المواطنين أرقاؤه وعبيده. 
 
طلعت علينا شمس هذا اليوم وقد صار السجان مسجونًا، والأسير حرًا طليقًا، وتحول ميدان التحرير إلى رمز لتحرر الأمة، وداعب الأمل خيال الناس فى التقدم والنهضة، ولفظ التبعية وتوديع التخلف والفشل، ولو سألت واحدًا ممن عاصروا تلك الأيام لقال لك: إن أجمل أيام حياتى تلك التى قضيتها أثناء وعقب الثورة، فما أعظم الحرية، وما أعظم البلد من دون كبت، وما أعظم الناس حين يحكمهم ضميرهم ويعيشون متساوين متحابين، وما أتعس بلد يحكمه عسكر علمانيون، يديرونه لمصالحهم الخاصة، يهدرون ثرواته، ويبيعون مقدراته لمن يضمن لهم البقاء فى الحكم، وما أتعس قوم عاشوا أجواء القهر ورضوا بذلك. 
 
إننا نشتاق إلى ذلك اليوم أشد الاشتياق؛ نشتاق إلى أصوات الشباب وهى تشق عنان السماء فى أيام الثورة الثمانية عشر، تطالب بإسقاط النظام ومحاكمة الغاصبين، نشتاق إلى ذلك التآلف العجيب بين الثوار، وإلى الحب الأعجب الذى كنت تراه بينهم، اجتمع الملايين فى ميدان واحد، على اختلاف جنسهم وأعمارهم ومناصبهم ومحال إقامتهم، فما رأينا خلافًا واحدًا، وما سمعنا صوتًا غاضبًا، كأنك فى حرم مقدس، فرحين بما آتاهم الله من فضله، يجتمعون مسالمين، وينفضون كذلك. 
 
وكما قدمت الثورة الأولى تضحيات حتى أسقط المستبد السابق، فإن الثورة الثانية التى يحاول الدمويون المجرمون إجهاضها يلزمها كذلك تضحيات، ويلزمها قبل ذلك إصرار وإرادة، وعزم أكيد على استرداد ثورتهم، ودحر الغاصب المستبد، وفك الحصار عن مصر وتحرير الشعب الأسير، كلٌ حسب طاقته، وقد علمتنا الثورة الأولى أن الاتحاد قوة، والتفرق ضعف، وأن الحشود تهزم الرصاص، والعزيمة تغلب الجيوش، وما تخلف عن الثورة أحد إلا لام نفسه على القعود؛ لأن التحرر لا يخص جيلا واحدًا أو حقبة بعينها؛ لأن نتائجه وثمراته ستستفيد منها أجيال، وتنصلح بها أحوال بلد ذاق مرارة الفشل والتقهقر على يد طغمة غبية تضع الوطن كله أمام الطوفان افتداء لمصالحها ومصالح  ذويها وأبنائها. 
 
وحتى بعد اندحار العسكر الغاصبين، سوف يبقى هذا اليوم منارة يهتدى إليها سالكو طريق الحرية، الداعون إلى الحق والقوة والاستقلال، فإنه يوم كأيام الدهر المشهودة؛ اجتمع الناس فيه لدحر الباطل، ولإنصاف أصحاب المظالم، وما أكثرهم، وكان عهدًا، وكان موعدًا؛ ولن يخلف الأحرار وعودهم، ستتجدد الذكرى، وسيحتفل الثوار بعيد ثورتهم، وفى احتفالاتهم لن يكون مكان لخائن أو غادر أو متلون أو مداهن، لقد حدث التمييز، وفرّق الناس بين المخلص والمنافق، فإذا قامت الثورة فسوف تقتلع الباطل اقتلاعًا؛ إذ على قدر ما وقع من مذابح وتجاوزات سيكون القصاص، الذى لا نشك فى أنه سيكون عادلا، وسيرعى الحرمات، وسيكون وفق ما أمر الله به، وإن جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادًا معلوم معروف.. ولا تبديل لكلمات الله، وهو العزيز الحكيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق