وائل قنديل: استعيدوا يناير أو جهزوا أكفانكم
وأضاف قنديل خلال مقاله بصحيفة "العربي الجديد" اليوم السبت، أن المناوئين للانقلاب يظهرون كأنهم مجموعة من المماليك يمارسون رفاهية الانتحار في الهواء الطلق، في الوقت تشتغل آلات القمع، وتدور ماكينة الاعتقالات، وتوغل السلطة في ممارسة الإرهاب ضد "شعب يناير"، فيما يستغرق بعضهم في "مصارعة المحترفين" على حلبة النضال المزيف.
وأوضح قنديل أن من أدوات اللعبة أن صبّ الانقلاب نيرانه الإعلامية على كل من يعارضه ويقاومه، بحيث يصبح كل من ينطق بكلمة ضده من "الإسلاميين الإرهابيين الأوغاد الإخوان"، لكي تصبح المعادلة، في نهاية الأمر، صراعا بين "الوطن" و"أعداء الوطن"، أو بين "جيش الوطن" و"مجموعات متربصة بالمواطن".
وأبدى أسفه أن بعض الأصوات من خارج جماعة الإخوان والتيار الإسلامي قد وقعت في هذا الفخ، وقدّمت خدمات جليلة لسلطة الانقلاب، بعضها بحسن نية، يصل إلى درجة السذاجة، وآخرون لم يعرف أحد لهم صلة بالثورة من الأساس، جاءوا بعقلية احترافيةٍ، وجدت الاستثمار في هذه المساحة مضموناً، إذ تبنت هذه الأصوات في مواجهة الانقلاب الخطاب نفسه الصادر عن الإسلاميين، بل وزايدت عليه، ما ساعد سلطة الدم على أن تفترس مساحاتٍ إضافيةً من وعي الجماهير البسيطة، بحيث يصبح سائداً ومكرساً أن كل من يعارض السيسي وينتقده "إخوان".
وقال إن الإنجاز الأكبر لمؤسسة الانقلاب أنها نجحت في فرض أسلوبها في اللعب على من يفترض أنهم خصومها، سواء كانوا خصومًا حقيقيين، أم كائنات مستحدثة. وفي وقت سابق، ومبكرًا جدًا، قلت إن هذا ما تريده، وتسعى إليه تلك السلطة الموغلة في بذاءة الفعل ورداءة الأداء، لكي تنقل المعركة من مقاومة جريمة سياسيةٍ وحضاريةٍ في حق مصر وثورتها، إلى مطاردة درامية أو سباق مثير في مضمار النكتة والقفشة و"الإيفيه"، وهذا من شأنه أن يبتذل المعركة على نحو يتيح للقتلة وسافكي الدماء أن يظهروا في وضع الضحية المشتوم الذي يتعرّض للسخرية والاستهزاء.
والأخطر من ذلك نقل المعركة من الحاضر إلى الماضي، وبدلاً من أن يكون الجهد كلّه منصبّاً على رداءة واقعٍ لا يليق بمصر، تصوّب المدافع نحو التاريخ، بكل ما فيه، من لحظات مضيئة، وفترات معتمة، فتنزلق أصوات محسوبةٌ على المعارضة إلى إهالة التراب على الماضي كله، بحجة أن صنّاع رداءة الحاضر هم الامتداد لمن سلفوا.
وأوضح أن هناك طحالب تكدّست على ضفتي "دعم الشرعية" فجأة، وتكاثرت كالفطر، وابتذلت المشهد كله، وراحت تتقافز هنا وهناك، بخطابٍ منفّر، نجح بامتياز في تضييق دائرة مقاومة الانقلاب العسكري، حتى كادت تغلق على مجموعةٍ تكلّم نفسها، طوال الوقت، وتقطع الطريق على كل محاولةٍ جادة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، بعد عامين، إلا قليلاً، من "الهري" والسفسطة والكلام الفارغ، إلا من عصم ربك من هذه الحالة الاستعراضية الركيكة، مكررًا ومجدّداً وأخيرًا: استعيدوا يناير، أو جهزوا أكفانكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق