الأحد، 17 يناير 2016

. سر الصدام بين المستشار "جنينة" و"لجنة السيسي"


.. سر الصدام بين المستشار "جنينة" و"لجنة السيسي"  : فساد قيادات بالمجلس العسكرى

 

الهدف ليس هشام جنينه بحد ذاته ولكن إنهاء حقبة اتسمت بمحاولة إخضاع مؤسسات الدولة العميقة والفساد للتحقيق


قبل أن تعلن "لجنة تقصى الحقائق" التي شكلها السيسي لبحث ما أعلنه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينه ديسمبر الماضي أن حجم الفساد في مصر بلغ 600 مليار جنيه خلال عام 2015، تقريرها، الذي زعمت فيه أنه لا يوجد فساد في عام 2015، وقعت خمسة تطورات ملفتة:
(الأول): استبقت صحف وفضائيات موالية للانقلاب صدور تقرير اللجنة لإدانة المستشار جنينه والتلميح لقرب التخلص منه، وربما محاكمته بدعوي تشويه مصر، وصلت لحد تسريب أبرز ما في التقرير لصحيفة المصري اليوم، التي أكدت الاثنين أن اللجنة "ادانت جنينة"، وقول خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع أن "جنينه سيحاسب ويحاكم".

(الثاني): قال هشام جنينة، في مداخلة هاتفية مع جابر القرموطي في برنامج "مانشيت" يوم 27 ديسمبر 2015، "إن الحرب بدأت عليه من جديد بعد الكشف عن قضايا فساد في بعض الأجهزة"، مضيفًا أن "القنابل لن تنتهي إلا بخروجي من الجهاز"، وقال أن "هناك بعض الاعلاميين موجهين وممولين".
(الثالث): فى 9 يوليو 2015، أصدر السيسي قرارًا بقانون رقم 89 لسنة 2015، بشأن "حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم"، يسمح له بإقالة "هشام جنينة"، وبدأت الصحف تطبل لإقالته، ولكن جاء رد جنينه علنا بقوله: "لا يمكن عزلي من منصبي، والضجة المثارة وراءها إعلاميون موالون لرؤوس الفساد"، ليعرقل الخطة مؤقتا.
(الرابع): كان من الواضح أن إصدار السيسي قرارا جمهوريا بتعيين نائبين للمستشار هشام جنينة، 13 ديسمبر 2015، دون إبلاغه، أحدهما مساعد وزير العدل أحمد الزند (المستشار هشام بدوي) المحامي العام الأسبق لنيابة أمن الدولة العليا، ومنى توحيد، وهي من قيادات الجهاز، إشارة واضحة لقرب التخلص من جنينه، وقالت هذا صحف الانقلاب.
(الخامس): تزامنت الحملة على جنينه وصدور تقرير "لجنة تقصي الحقائق" مع نظر محكمة الإسكندرية للأمور المستعجلة، دعوى عزل جنينة، ببلاغ من المحامي طارق محمود، وأخرمن المحامي سمير صبري، يتهمه بنشر أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالأمن والاقتصاد القومي، بعد تصريحاته حول فساد الـ 600 مليار جنيه.
ولحظ أن المحكمة أجلت القضية إلى جلسة 19 يناير الجاري، "لضم تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها رئيس الجمهورية برئاسة رئيس هيئة الرقابة الإدارية بتاريخ 26 ديسمبر الماضي، والمكلفة بالتحقيق في التصريحات التي أدلى بها هشام جنينة"، وكأنها كانت تعلم أن التقرير يدينه، ما يفتح بابا لإقالته عبر القضاء والاساءة له، كي لا يقال إن السيسي أقاله!
(السادس): بدأت حملة لتلويث سمعة جنينه عبر اتهامات من المحامي سمير صبري، ومصطفي بكري وآخرون، له بأن "له ولاء شديد لجماعة الإخوان المسلمين، وأن له اتصالات بحركة حماس، ويمدها بمعلومات حيوية عن مصر"، وأن ما قاله عن وجود فساد في الدولة يقدر بـ 600 مليار جنيه مجرد «فرقعة» إعلامية هدفها ضرب وإضعاف الدولة.

ضوء أخضر للعزل

لهذا كان تقرير "لجنة تقصي الحقائق"، التي تستحق أن يطلق عليها اسم "لجنة السيسي لعزل هشام جنينه"، بمثابة الضوء الاخضر الذي انتظره الجميع لإطلاق النار في كل اتجاه والتمهيد لعزلة سواء بقرار من السيسي أو بقرار من المحكمة يوم 16 يناير للمقبل، وقبل أن يرد جنينه على الاتهامات بعدما أرجأ رده الي ما بعد 25 يناير.
 

فتقرير لجنة تقصي الحقائق وجه لجنينه 4 اتهامات خطيرة بدلا من أن يعترف بوجود فساد، ويقيمه بدقة هي:
أولاً: التضليل والتضخيم في حجم وقيمة الفساد، "بتكوين وتجميع بعض الأرقام أكثر من مرة وتحت مسميات عدة في أكثر من موضع وامتداداً لأسلوب التضليل والتضخيم تم احتساب مبلغ 174 مليار جنيه تمثل تعديات بمدينة السادات كأموال مهدرة على الدولة، على الرغم من إثبات إزالة أجهزة الدولة لتلك التعديات بالكامل عام 2015".
ثانياً: "فقدان المصداقية بترتيب وتجميع مفتعل لوقائع حدثت منذ عشرات السنوات وإثبات استمرارها دون تصويب كذريعة لإدراجها المغرض ضمن عام 2015، مثل واقعة التعدي على أراضي الأوقاف منذ عشرينيات القرن الماضي ومخالفات مبان بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة منذ عام 1979.
ثالثاً: "الإغفال المتعمد فيما تم اتخاذه من قرارات حيال ملاحظات سبق إثباتها في تقارير الأعوام الماضية وتم الرد عليها وإحالة بعضها لجهات التحقيق وتم اتخاذ إجراءات بشأنها إما بالحفظ أو الإحالة للمحاكمات.
رابعاً: "إساءة توظيف الأرقام والسياسات مما يظهر الإيجابيات بشكل سلبي.
ورجحت اوساط سياسية مصرية أن يصدر قرار من الرئيس السيسي بإقالة لـ "جنينة" عقب صدور تقرير اللجنة الذي أدان "جنينه"، وتعيين أحد نائبيه الاثنين الذين عينهما السيسي الشهر الماضي خلفا له وهما: المستشار هشام عبد السلام حسن بدوي، ومني صلاح الدين أمين توحيد.
وبدأت الصحف تمهد للإقالة (السياسية) أو العزل (بحكم القضاء)، بنشر تصريحات للمستشار رفعت السيد، رئيس محكمة استئناف القاهرة الأسبق، يعتبر أن تقرير اللجنة "يفتح الباب لإقالته من منصبه".
فبحسب "السيد": "القانون رقم 89 لسنة 2015 الذي أصدره السيسي في يوليو الماضي، ينص على أنه يجوز لرئيس الجمهورية إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والاجهزة الرقابية من مناصبهم في حالات بعينها، ومن بين تلك الأجهزة الرقابية الجهاز المركزي للمحاسبات إضافة للهيئة العامة للرقابة المالية والبنك المركزي وهيئة الرقابة الإدارية"، وسوف يعتبر السيسي اتهامات اللجنة لجنينه من هذه الحالات التي تستوجب العزل.
كما نقلت "الوطن" عن الدكتور ابراهيم نايل، أستاذ القانون الجنائي بجامعة عين شمس، أنه من المرجح صدور قرار جمهوري بإعفاء المستشار هشام جنينة من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات، "عقب إدانته وثبوت عدم صحة ما اثاره من بيانات تتعلق بحجم الفساد في مصر خلال عام 2015".

السبب الحقيقي للتخلص من "جنينة"

في 27 سبتمبر 2012 وعقب تعيين الرئيس محمد مرسي المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، قال "جنينه أن "الدكتور محمد مرسي أصدر إليه تعليمات بأن يبدأ الجهاز في الرقابة على مصروفات كل الأجهزة العليا للدولة وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة والقوات المسلحة وجهاز المخابرات ووزارة الداخلية".
وكشف جنينة، في مقابلة خاصة مع قناة الجزيرة مباشر مصر، عن أنه أبلغ النائب العام بعدد من وقائع الفساد في بعض أجهزة ومؤسسات الدولة، كما قدم إليه بلاغا عن تجاوزات مالية وإدارية في أوجه إنفاق هيئة قناة السويس، وتقاضي عدد من المسئولين الكبار في بعض الهيئات الحكومية رواتب تصل إلى ملايين الجنيهات.
ولأن المؤسسة العسكرية التي انقلبت علي الرئيس مرسي والديمقراطية في 3 يوليه 2013 بمعاونة الدولة العميقة التي تضم كل الاجهزة السيادية والمفسدين الذين تحدث عنهم هشام جنينه سابقا، سعت لـ"عسكرة الدولة"، وكشفت التسريبات من مكتب السيسي عن تلاقيها النسبة الاكبر من المعونات الخليجية (40 مليار دولار) ووضعه في خزينها مقابل 10 مليارات فقط لخزينة الدولة، فمن الطبيعي أن ترفض أي رقابة عليها.
وقد كشف تقرير لصحيفة "الجارديان" البريطانية، يوم 30 أكتوبر 2015، النقاب عن أن الفساد "ينخر في كيان المؤسسات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط"، وقالت أنه "يشكّل تهديداً على أمن واستقرار المنطقة بأكملها"، وحذر التقرير من أن "شراء الأسلحة والفساد العسكري، يشكل تهديدا متواصلا للاستقرار والأمن في الشرق الأوسط".
وقالت الصحيفة البريطانية "إن الدول العربية تشهد انعدام التخطيط والسرية المفرطة وتفشي محاباة الأقارب، وتحكم شبكات مصالح ترتكز على العلاقات الأسرية والمصالح الاقتصادية في توزيع عقود شراء الأسلحة والمعدات".
وأضافت أن "الدول العربية تشهد تزايداً مطرداً في ميزانيات شراء الأسلحة بما يصل لنحو ثلث دخل كل دولة منها، وهو ما يصل حجمه إلى نحو 135 مليار دولار.
أيضا حذر التقرير الأخير لمنظمة الشفافية الدولية من ازدياد الإنفاق العسكري "السري" في دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط التي أنفقت أكثر من 135 مليار دولار أمريكي على التسليح في 2014.
وفي تصنيف التقرير للدول التي تواجه مخاطر الفساد في قطاع الدفاع، جاءت مصر ضمن تصنيف "حرج"، وهو التصنيف الأسوأ في المؤشر.
وعرفت المنظمة الإنفاق العسكري "المبهم" بأنه "الإنفاق على الدفاع الذي لا يتم الإفصاح عنه أو يتم الإفصاح عنه للجنة التشريعية بصيغة إجمالية للغاية".


وفي دراسة كتبتها د. ولاء رمضان تحت عنوان :

(إمبراطورية الجيش المصري) 
أو (The Egyptian military empire
قال  : إن "الاقتصاد الخفي للجيش" يسيطر على ما يصل إلى 40 في المائة من الاقتصاد المصري؛ وأن هذه النسبة زادت إلى 45 في المائة منذ قيام الثورة عام 2011.
كما قدر بعض الخبراء الاقتصاديين الممتلكات العسكرية بأنها تصل إلى 60 في المائة.
وقال تقرير لميدل إيست مونيتور أنه عقب انقلاب يوليو 2013، أصبح هناك ضابط عسكري مسئول عن كل سلطة في الحكومة، وأصبح الاقتصاد المصري يشكّل بشكل متزايد من قبل الجنرالات الحاكمين، وتوسعت سيطرة الشركات العسكرية لتتخلل كل جانب من جوانب البيروقراطية.
الخلاصة  
هي أن الهدف ليس هشام جنينه بحد ذاته، ولكن إنهاء حقبة اتسمت بمحاولة إخضاع مؤسسات الدولة العميقة والفساد للتحقيق، وانتهت بالانقلاب ولم يبق منها سوي تعيين الرئيس "مرسي" لهشام جنينه، الذي رغم محاولته الإيحاء أن حجم الفساد (600 مليار جنية) ليس خاصة بعهد الانقلاب وحده ولكنه يمتد الي فترة تعيينه في عهد الرئيس مرسي، فلم يشفع له هذا لأن الهدف هو التغطية علي فساد العسكر وتدخلهم في الحياة الاقتصادية بعد السياسية بشراسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق