هدى السيسي عبد الناصر
بقلم : وائل قنديل
قرأت سطوراً جميلة كتبتها الدكتورة هدى جمال عبد الناصر، ابنة الزعيم الراحل، عن المأساة السورية، تتضمن رؤية محترمة، ومغايرة لما يلهو به باعة القومية والممانعة الجائلين، في دروب التجارة مع الاستبداد.
في الغالب، لا يفعل كثير من الناصريين، باستثناءات محدودة، أكثر من ترديد النص المعتمد من النظام السوري، بكل ما يشمله من محفوظات ممجوجة عن المؤامرة الامبريالية الصهيونية العالمية، على بشار الأسد وسورية الممانعة، من دون أن يتنبّه أحدهم إلى أن الكيان الصهيوني مشارك، على نحو ما، في حماية نظام بشار ومنعه من السقوط.
تأتي هدى عبد الناصر بمقالها، قبل يومين، تحت عنوان "ماذا بعد ضرب قلب العروبة النابض"، لترد الاعتبار للمعارضة الإسلامية السورية، وتعلن، بوضوح، أن الكارثة السورية عنوانها الرئيس هو بشار الأسد.
تكتب الدكتورة هدى "والسؤال الطبيعي.. من المسؤول عن تلك المعاناة التى تهدد شعباً عربياً بأكمله؛ فقد منه أكثر من نصف مليون، وهاجر منه أكثر من أربعة ملايين من أشقائنا في ظروف لا إنسانية، رقّت لها قلوب الأجانب، ونحن العرب قلوبنا حجر؟ من الذي كان يتولى الحكم عندما بدأت هذه الأحداث الدامية؟ أليس هو حزب البعث الذي ضيّع العراق من قبل، وقضى على الوحدة المصرية السورية، ونقض ميثاق الوحدة الثلاثية بين مصر وسورية والعراق في إبريل عام 1963؟ أليس هو الحزب الذي تعامل مع المعارضة الإسلامية بالحديد والنار؛ على نمط سياسة الرئيس حافظ الأسد قبلها بأكثر من ثلاثين عاما؟ وهل نلقي الاتهامات، هنا، على المؤامرات الخارجية، ولا نلوم الحكم في الداخل؟ أو نتغاضى عن أخطائه (بل خطاياه) التي أدت إلى ضياع سورية وتشتيت أهلها؟ هل يعقل أن تعامل المعارضة في أي بلد في العالم بمثل ما حدث في سورية؟ تُضرب بالمدافع والطائرات والصواريخ والبراميل المتفجرة، ويقتل الأبرياء بدون جريرة؟".
كلام رائع ومختلف عن كل ما يصدر عن نخب سياسية، تبلّدت وصارت مجرد أصداء لما يقوله إعلام النظام السوري، غير أنها، في الخاتمة، تفسد بهاء المقدمة والبداية، حين توظف كل ما سبق لمصلحة الجنرال عبد الفتاح السيسي، حين تعتبره البياض الناصع، مقابل سواد بشار الغامق، قافزة على وقائع عديدة على الأرض، تنطق بأن ما يفعله بشار الأسد بالثورة السورية منقول، حرفياً، من كتاب المجلس العسكري ضد الثورة المصرية.
تواصل هدى عبد الناصر في مقالها "المألوف أن تكون المعارضة داخل البرلمان، ويتم علاج الخلافات بالمناقشات والحوارات السياسية. أما من يرتكب عملاً إرهابياً فمكانه أمام القضاء؛ يُتهم ويحاكم ويعاقب طبقاً للقانون". وتضيف "حمداً لله أن هذا هو المنهج الذي اتبعه الرئيس السيسي في مصر، فهل ممكن أن نتصور مثلاً الحكومة المصرية تضرب أحياء برمتها بالطائرات، يموت من يموت، ثم تطلب السلام الاجتماعي، أو استمرار نظام الحكم؟ إن مؤيدي المعارضة الإسلامية في مصر هم أولادنا وإخوتنا وجيراننا، لا نتفق معهم، ولكن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. وكنت أتوقع أن ينطبق نفس النموذج في الشقيقة سورية، ولكنني مؤمنة بما قاله والدي عام 1962: إن المبادئ هي التي تعطينا قوة، لا الجيش ولا الأساطيل؛ هذا هو الفرق بين الرسالة والاحتراف". تختم هدى "أصبحت سورية – تحت دعوى محاولة القضاء على الدولة الإسلامية – مستباحة لكل من هب ودب؛ تُضرب أرضها بالطائرات، ويُقتل أشقاؤنا بالآلاف، وتدمر البنية التحتية للبلد بلا رقيب ولا محاسب. أين الحكومة؟ وهل هناك فعلاً حكومة؟ ثم يتحدثون عن بقاء النظام أم تغييره. أي نظام؟ أين الوطنية؟".
نتساءل مع ابنة الزعيم: أين الوطنية أيضاً مع نظامٍ قتل آلافاً في يوم واحد، وهو يفض اعتصامات سلمية للمعارضة الإسلامية "أولادنا وإخوتنا وجيراننا" بتعبير الدكتور هدى.
وأين الوطنية مع نظامٍ لا يخفي ولاءه الكامل للعدو الصهيوني، ولا يكتم الصهاينة فرحهم الأسطوري به؟
ونستكمل لاحقاً.
-------------
العربي الجديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق