كما يكون نظامكم بقلم فهمي هويدي
السبت 16 يناير 2016
فهمى هويدى
حين فوجئ المصريون بالممارسات العبثية التي شهدها مجلس النواب في أسبوعه الأول، وظهرت حملة الانتقادات والتندر على مواقع التواصل الاجتماعي، جاء الرد التبريري سريعا في وسائل الإعلام. فقرأنا أن ذلك اختيار الشعب وهو مسؤول عن اختياره.
وقالت إحدى الزميلات إن المجلس بكل ما فيه يشبهنا تماما، وترددت في عدة كتابات البعض مقولة «كما تكونوا يول عليكم»، التي قدمت باعتبارها حديثا نبويا يحمل الشعب المسؤولية عن أداء الذين يحكمونه. لست في وارد استعراض الانتقادات لأنها متوافرة بكثرة على مختلف المواقع، لكن ما أثار انتباهي في الأصداء أمران، الأول أن الذين برروا للمجلس ودافعوا عنه اعتبروه تهمة حرصوا على درئها، أو عورة سعوا إلى تغطيتها. الأمر الثاني أنهم ألقوا بالكرة في ملعب المجتمع، بمعنى أنهم أرادوا أن يقولوا لنا بأنه هو الذي أفرز هذه التشكيلة أو النماذج التي ينتقدها الناس أو يتندرون عليها، وبالتالي فعلينا أن نلوم أنفسنا قبل غيرنا.
"المكتوب يقرأ من عنوانه" كان ذلك تعليق أحد الأصدقاء على رأي دعوت فيه إلى التمهل في إصدار الحكم على المجلس، وفضلت أن ننتظر في التقييم إلى ما بعد مرحلة الإجراءات والدخول في مباشرة المهمة. إلا أن محدثي أفحمني حينما قال إن عنوان المكتوب الذي لم يكن مبشرا كان كافيا، ثم إن خلفيات العملية التي أفاضت وسائل الإعلام في الكشف عن تفاصيلها، لا تشجع على التفاؤل بدور إيجابي للمجلس، حيث لن نحصل على ثمار من جنس آخر مختلفة عن البذور التي زرعت.
لأنني مازلت عند رأيي الداعي إلى الانتظار، إلا أنني وجدت أن ثمة تغليطا وتدليسا في التبرير الذي جرى تسويفه لتحميل المجتمع بالمسؤولية عن الصورة التي ظهر بها المجلس. بوجه أخص حين استخدمت في هذا الصدد مقولة «كما تكونوا يول عليكم». إذ كنت في وقت سابق أقول إن ذلك الكلام يصح حينما يكون أولو الأمر قد جاؤوا إلى مواقعهم من خلال الاختيار الحر للناس. أما إذا لم تكن تلك الحرية متوافرة فلا ينبغي أن نتهم الناس ونحملهم أوزار أولئك المسؤولين. وإذ مازلت أرى صواب ذلك التحليل، إلا أنني حين بحثت في أصل المقولة التي تقدم باعتبارها حديثا نبويا، وجدت أنه لا أصل شرعيا لها. ذلك أن المحدثين وأهل العلم إما أنهم يعتبرونها حديثا ضعيفا لا يعول عليه، أو أنه حديث موضوع لم تثبت نسبته إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم).
وإلى جانب ضعف النسب، فإن الخبرة العملية أثبتت فساد مضمون المقولة؛ لأن مجتمعات المسلمين على مدى تاريخها عرفت حكاما أشرارا وظلمة في بعض المراحل، كما عرفت بعدهم حكاما أخيارا في المراحل ذاتها. أعني أن المجتمع الواحد عرف الاثنين، ولم يكن ذلك راجعا إلى متغير في طبائع الناس، وإنما كان ذلك أوثق صلة بطبائع الحكام وآليات توليهم للسلطة.
الأمر الآخر الذي يتجاهله البعض، أن المجلس جرى ترتيبه وهندسة توجيهه بواسطة أجهزة الدولة، وبين أيدينا الآن عديد من الشهادات التي تروي تفاصيل هذه العملية، بعضها فصل في الاجتماعات التي عقدت لهذا الغرض داخل مقار بعض الأجهزة. والبعض الآخر كان بمنزلة اعترافات من جانب بعض أعضاء المجلس، روت كيف أن ترشيحهم أو التحاقهم ببعض الائتلافات التي تشكلت لم يكن اختيارا من جانبهم، ولكنه كان استجابة لما طلب منهم. لا أستطيع أن أعمم لأن بعض النواب كانوا ممثلين حقيقيين لدوائرهم الانتخابية وليس لأي جهة أخرى. لكن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن عددا غير قليل من النواب والائتلافات كانت انتخاب الأجهزة قبل انتخاب قواعدهم. ولا يحتاج الباحث لأن يبذل جهدا كبيرا للتحقق من ذلك؛ فما نشرته الصحف اليومية فيه الكفاية، وما حفلت به مواقع التواصل الاجتماعي متجاوز لحد الكفاية.
ما أريد أن أقوله، إن القوى المؤثرة في البرلمان، التي تهيمن على الأغلبية فيه تمثل الإدارة السياسية بأكثر مما تمثل المجتمع. من ثَمَّ فأداؤها يصلح لتقييم موقف ورؤية أجهزة السلطة بأكثر ما يعول عليه في الحكم على المجتمع. لذلك أزعم بأن إلغاء تسميته بأنه مجلس الشعب كان قرارا صائبا وموفقا، إذ إن اعتباره الآن مجلسا للنواب لا يعني بالضرورة أنه يمثل الشعب، وإنما يتسع لاحتمال نيابته عن السلطة أيضا. وهو الاحتمال الأصوب والأكثر دقة. وذلك تخريج إذا قبلنا به فإنه يسوغ لنا أن نطالب بانتخاب مجلس آخر يمثل الشعب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق