الأحد، 17 يناير 2016

شنق جنينة في ملاهي الثورة بقلم : وائل قنديل


شنق جنينة في ملاهي الثورة
بقلم : وائل قنديل

 

وائل قنديل

بعيداً عن ثلاثية "عيش. حرية. عدالة اجتماعية"، اسأل أي مواطن شارك في ثورة يناير بمصر، لماذا خرجت، سيقول لك: خرجت ضد 30 عاماً من فساد حسني مبارك.

بالمناسبة، ومن باب التذكرة، لم يكن "العيش/ الخبز" حاضراً في هتاف الثورة الأول، بل كان "التغيير" أول ما نطقت به الثورة، حين تعلمت الكلام، غير أن هذا كله ليس وقته الآن.

موضوعنا هو هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي يعدّون العدة لذبحه الآن، موضوعنا هو الفساد.

فأن تدافع عن جنينة في معركته ضد وحوش الفساد، فهذا يعني أنك في القلب من مبادئ الثورة وأهدافها، تلامس جوهرها الأخلاقي والاجتماعي، بصرف النظر عن موقفك وموقفه السياسي. وبالتالي، يصبح وقوفك إلى جانب جنينة انحيازا للحق وللثورة، ضد الفساد الواقف على قدمين، دولة عميقة، وسلطة انقلاب.

أستغرب كثيراً ألا يجد بعضهم في مأساة هشام جنينة سوى أن السلطة الحالية تستخدمه لإلهاء الناس عن ذكرى الثورة، واصطناع الحكايات والحواديت المسلية لخطف الأبصار عن الموعد المضروب في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، من دون الانتباه إلى موضوع التربّص برئيس جهاز المحاسبات، لكونه تحدّث عن فساد النظام الحالي، يكفي لحشد الجموع من الذين حلموا يوماً بوطن بلا فساد، وبلا ظلم، وبلا إقطاع غشوم، وغشيم، يمتص أرزاق البلاد والعباد، ويعيد ثنائية الأسياد والعبيد.

يقولون إن هشام جنينة استمر رئيساً لجهاز المحاسبات بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، ولم يتقدم باستقالته. ومن ثم هو من رجال النظام التالي وأدواته، ويكاد بعضهم يصرّح بأنه يؤدي دوراً في مسرحية، والسؤال هنا: هل يستفيد الحراك المناهض للانقلاب من تسفيه معركة تتفاعل معها قطاعات واسعة، وتعتبرها أحد أهم الأسباب والدوافع لطلب التحرّر من الاستبداد، والانعتاق من المستنقع الذي تغرق فيه مصر؟

السؤال بصيغة أخرى: ماذا يضير معارضي الانقلاب في الخارج، إن اشتعل الداخل غضباً ضد سلطة قررت التنكيل برجل كشف عوارها وفسادها وانحطاطها، حتى لو كان هذا الرجل ممن استمروا يعملون في جهاز رقابي، من المفترض أنه لا يتلوّن بصبغة النظام السياسي الحاكم، في ظل سلطةٍ نعارضها، ونعتبرها جاءت بالغصب وإراقة الدماء؟

يقدّم التقرير الذي أصدره الجهاز المركزي للمحاسبات، عن حجم الفساد في زمن السيسي، إسناداً للمشروع المعارض للانقلاب، أكبر بكثير من مئات الكتب والمقالات والحوارات الفضائية، كونه يأتي مدعماً بالوثائق والمستندات التي توفر لكل ما يقال عن فشل هذه السلطة وفسادها الأساس المعلوماتي الإحصائي، والذي يصلح دليلاً أو قرينة، على أن مصر الآن مخطوفة من عصابة مصالح وامتيازات خاصة، أو فئوية، تهدر ثروات الشعب، وتستولي على موارده.

وفي ضوء ذلك، أزعم أن الموقف السليم، هنا، هو اعتبار المعركة الحالية لا تتعلق بشخص هشام جنينة، وإنما تخص مقدرات الأمة كلها، وتمنح الساعين إلى انتشال مصر من هذا القاع المظلم أسبابا وحججا وجيهة لمخاطبة واستنفار الضمير الجمعي، دفاعاً عن ثورته وثروته في آن.

والشاهد أن وضعية المستشار هشام جنينة في مواجهة مافيا الفساد المتصاعد بعد الثلاثين من يونيو 2013، لا تختلف عن وضعية الدكتور محمد البرادعي، وآخرين، أمام مافيا السياسة المتنمّرة بعد عودة الدولة العميقة. كلاهما لقي جزاء سنمار على يد هذا النظام، غير أن هذا لا يعني أن نرفض ما يصدر عنهما من بياناتٍ أو تصريحاتٍ تعرّي قبح المرحلة الحالية، وتكشف أمام الجماهير حجم الخديعة التي تعرّضوا لها، وعمق الكارثة التي لحقت بمصر، على يد سلطة تقتل كل فرصة لحياة محترمة يستحقها المصريون.

يمكنك أن تدين البرادعي وجنينة في ترويج أكبر عملية خداع مورست على المصريين في ذلك الصيف الانقلابي القائظ، غير أنه ليس من "الثورية" في شيء أن تتعامل مع ما يتساقط منها من اعترافات وشهادات إدانة بحق النظام، بمنطق التسفيه والتحقير، وبالطريقة نفسها التي يتصرّف بها إعلام الانقلاب.

حدث هذا في شهر مايو/ أيار الماضي، حين أدلى البرادعي في محفلٍ دولي مهم، بما اعتبرته أخطر وثيقة إدانة لجريمة الانقلاب ضد التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر، وقلت "من السذاجة أن يختلف اثنان حول أهمية اعتراف الرجل الثالث في بدايات مؤسسة "30 يونيو/ حزيران 2013" بأن ما جرى كان انقلاباً، وخروجاً على ما تم الاتفاق عليه".

وأظن أن هناك من المعسكر المناهض للانقلاب من يفعل الشيء نفسه، في معركة هشام جنينة، مستسلماً للرغبة في التنكيت والتسفيه والمرح في ملاهي السوشيال ميديا، داعياً، بيقين جازم، الجمهور للانصراف عما يعتبره "ملاهي هشام جنينة". 

----------
العربي الجديد في 
15 يناير 2016 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق