الأربعاء، 13 يناير 2016

تعاليم تواضروس أم تعاليم المسيح؟! قلم: عامر شماخ



تعاليم تواضروس أم تعاليم المسيح؟!

قلم: عامر شماخ

شغلتنى منذ فترة قضايا الأقباط فى مصر، خصوصًا علاقتهم بباقى القوى الوطنية، وأساليب مشاركتهم فى الحياة السياسية، فألفت كتابًا عام 2007 نشرته مكتبة وهبة بعنوان: «الإخوان والأقباط.. من يطمئن من؟» تناولت فيه موقف الأقباط من الجماعة، كما تناولت بالتحليل قضاياهم التى شغلوا بها الرأى العام، وما يتعلق بمطالبهم التى رفعوا سقفها كثيرًا، ثم خرجت بتوصيات تحكم العلاقة بين الأقباط والمسلمين، مطالبًا قادة الكنيسة بأن يكونوا على أرضية واحدة مع الغالبية، فى المنطلقات والقواسم المشتركة، وما تبقى من مشكلات فإنه يمكن حلها بسهولة إذا خلصت النيات، بعيدًا عن الإحساس بتضخم الذات، والتهديد بالغرب وتدويل قضيتهم مع كل «خناقة» تنشب بين شخصين أحدهما مسلم والآخر قبطي.

وإذا كانت ثورة يناير المجيدة قد وضعت النقاط فوق الحروف فيما يخص علاقة المسلمين بالأقباط؛ حيث شارك كثير من الأقباط فيها، ولم نسمع خلال أيامها الثمانية عشر عن كنيسة قد احترقت أو بيت لقبطى قد سرق، بل وجدنا الشباب المسلم يحرسون الكنائس، ويطمئنون شركاء الوطن.. فإنه بعد وقوع الانقلاب قد احترقت الكنائس، ووقع الرعب فى قلوب الأقباط، بأيدى العسكر الذين يلعبون -دائمًا- بتلك الورقة؛ ورقة تخويف الأقباط، واستخدام الجماعات الإسلامية فزاعة لتوتير العلاقة بينهما، لا لشىء إلا ليضمن هؤلاء الحكام تأييد الكنيسة لهم، وإيجاد مبرر لشن الحرب على الإسلام عمومًا الذى يناهض فكرهم العلمانى، وللقضاء على «الإسلام السياسى» الذى يحظى بدعم شعبى ويهدد دومًا حكوماتهم المهترئة.

ولو أن على رأس الكنيسة شخصية واعية تدرك هذا المخطط، بعيدًا عن مصالحها الذاتية؛ لكانت مصر بلدًا آخر غير الذى نراه الآن، ولانتهت مشكلات الأقباط للأبد، لكن يبدو أن ما يفعله العسكر وحكوماتهم العلمانية يصادف هوى قادة الكنيسة، وأنهم مع هؤلاء الانقلابيين فى حرب الإسلام والقضاء على جماعات «الإسلام السياسى»، مع ما فى هذا «السيناريو» من ضياع ودمار للجميع، وأن أول المحترقين -للأسف- سيكونون الأقباط.

إن حرب الإسلام من جانب قادة الكنيسة، والشماتة فيما يقع على الإخوان وغيرهم من أبناء الجماعات الإسلامية أمر لا يقره دين، ولا تعرفه تعاليم السيد المسيح، بل هى تعاليم «تواضروس الثانى»، الذى شارك فى الانقلاب العسكرى، مغلبًا الباطل على الحق، ضاربًا باختيار الشعب عرض الحائط، مستفزًا ملايين الشباب الذين طاف بهم أمل النهوض بالبلاد والعباد، وهذه المشاهد حفرت فى الذاكرة فلن يمحوها كر الأيام، كما لم تمح جملة «نعم تزيد النعم» من ذاكرة المصريين الذين صدعتهم جملة «لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة» والتى تبنتها الكنيسة ورعتها لعقود، فكان كلما تقدم الإسلاميون للعمل السياسى يواجهون بتلك الجملة التى انتهكها البطريرك وقساوسته منذ وصول الإخوان إلى الحكم.

وقائمة تعاليم «تواضروس» المخالفة لتعاليم المسيح لا تنتهى، فالمسيح لم يقل لأتباعه استولوا على أراضى الدولة، ولم يقل لهم قفوا مع الظالم ضد المظلوم، ولم يقل لهم استحلوا دماء المسلمين، ولم يقل لهم تحالفوا مع اليهود -وفى عقيدتهم أنهم هم الذين قتلوه- ولم يقل لهم تعاونوا مع العلمانيين واللادينيين ضد المسلمين، ولم يقل لهم سبوا واشتموا الإسلام والمسلمين، ولم يقل لهم تكبروا على خلق الله.. إنما كان المسيح روح الله وكلمته، ضُرب به المثل فى القرآن الكريم بالرفق واللين والتواضع والرحمة، وأتباعه أقرب الناس مودة للمسلمين، لم يكن المسيح معاديًا للأديان، محاربًا لأصحاب الخلق، ولو كان حيًا لتبرأ من هؤلاء، وما وسعه إلا اتباع دين محمد، ولعاب على تواضروس وتلامذته التوسع فى بناء الكنائس ورفع الصلبان على طرق المواصلات تفاخرًا بها وادعاء أن مصر قبطية، ولعاب عليه إنشاء عشرات القنوات الفضائية التى تسب الإسلام وتعيب الخلق والفضيلة وتزدرى المتمسكين بحبل الله، وقد رأينا شيخ الأزهر يستجدى البطريرك «لترشيد» هذه القنوات، لكنه -فى الحقيقة- لن يرشدها، ولن يقول للقائمين عليها عودوا لتعاليم المسيح؛ إنما سيقول لهم كثفوا الجرعة حتى ننال جميع حقوقنا؛ يقصد أن يكون الأقباط أسيادًا وغالبية المصريين عبيدًا عندهم.

أعرف أنه هناك أقباطًا كثيرين عاقلين غير راضين على تصرفات قياداتهم، وأنهم يحاولون نزع فتيل الفتنة من أيديهم، ولهم الشكر والتقدير على ذلك، لكننى أؤكد أن تلك التصرفات الطائشة سيدفع ثمنها الجميع، لن ينجو أحد من نارها يا سادة. نسأل الله السلامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق