السبت، 22 يوليو 2017

صراع جنون العظمة ودوره في أزمة الخليج

صراع جنون العظمة ودوره في أزمة الخليج

قال جيمس دورسي الباحث المتخصص في السياسيات الدولية أن هناك الكثير من الدروس أو النتائج التي يمكن أن نستخلصها من أزمة الخليج الأخيرة بشأن دور الدول الصغيرة في العلاقات الدولية.
ويضيف دورسي في مقال نشرته صحيفة «هاف بوست» أن هذه الأزمة تدور حول المعركة الكبرى بين الدول الصغيرة وليس استهداف دول كبرى لدول صغيرة، حيث أن الأزمة الحالية هي في الأساس بين قطر والإمارات وليست السعودية.
ويرى دورسي أن الأزمة تكمن في أن هذه الدول مصابة بجنون العظمة فيما يخص طموحاتها والحد الذي يمكن أن يذهبوا إليه لضمان نجاة أنظمتهم، وهو ما يعني أن استراتيجية النجاة تتجاوز أي استراتيجية خاصة بدولة صغيرة، بجانب الاعتقاد الساذج بأن عواقب أفعالهم لن تطاردهم.
وتبنت كلا من قطر والامارات استراتيجيات تتعدى كل حدود اختيارات الدول الصغيرة، على الرغم من اختلاف وجهات نظرهم بشأن كيف يجب أن تبدو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنهم سعوا جاهدين لتشكل المنطقة بالشكل الذي يريدوه.
ويضيف دورسي أنه خلال مسعاهم، حاول كلاهما استخدام نفس أساليب الدول الكبيرة سواء من خلال الأموال أو دعم القوات المعارضة للمساهمة في تغيير الأنظمة أو الانقلابات العسكرية أو الحروب السرية أو من خلال الحروب الالكترونية وهو ما تم استخدامه في الأزمة الأخيرة.
وفي الواقع حاولت الامارات التعامل مثل الدول الكبيرة من خلال انشاء قواعد عسكرية أجنبية واستخدام قوتها التجارية للسيطرة على الموانئ في المنطقة.
وتحاول كلا من قطر والامارات اظهار أنفسهم كقوة إقليمية يحاولان انشاء مجتمعات المعرفة في القرن 21 على قمة النظم الاستبدادية القائمة، على عكس سنغافورة والتي تعد دولة صغيرة ولكنها تهتم بضمان مهارة مواطنيها وقدرتهم على التفاعل مع العالم بدلاً من تطوير مهارات الفكر النقدي.
على الرغم من اختلاف سلوك الدولتين فيما يخض الإسلام السياسي، إلا أن قطر والامارات طورا مجتمعات لا يسمح فيها لرجال الدين بأدوار كبرى، ويتم تفسير الإسلام فيها بشكل ليبرالي.
ويوضح دورسي أن قطر والامارات حاولا انشاء قوة ناعمة وهوية وطنية تتضمن بناء قواعد عسكرية أجنبية وخطوط طيران عالمية تخدم في أكثر من منطقة ومتاحف لجذب السياح، بجانب الاستثمارات العقارات والفن والرياضة حيث يطمح كلاهما في أن يكونا مراكز تميز في العديد من المجالات.
ويرى دورسي أن الامارات تعتبر الاستبداد عامل هام من أجل الأمن القومي ونجاة الأنظمة الاستبدادية وهو ما اتضح بعد ثورات الربيع العربي التي أطاحت برؤساء استبداديين في مصر وتونس وليبيا واليمن، حيث اختارت الامارات دعم تغيير الأنظمة التي جاءت بعد الثورات في عدد من الدول ومن بينهم مصر وتركيا ودعم مناهضي الإسلام في ليبيا والانضمام للسعودية في حملتها على اليمن وفي أخر حلقة من السلسة بدأت حملة لمقاطعة قطر.
وعلى عكس الامارات، دعمت قطر تظاهرات الربيع العربي وكان لها دور وسيط وعلاقات مع الحكومات والجماعات الإسلامية في الشرق الأوسط وأفريقيا، كما دعمت الحكومات الإسلامية وخاصة الاخوان المسلمين في مصر وهو ما أثار حفيظة دول الخليج الذين يروا أن الاخوان تمثل لهم تهديد سياسي.
ويرى دورسي أن الأزمة في الخليج سلطت الضوء على قضايا هامة حاولت الحكومات لفترة طويلة اخفاؤها على الرغم من أن هذا الاخفاء ساهم في تعقيد جهود مكافحة العنف السياسي، والمسائلة والشفافية وضمان حماية حقوق الانسان الأساسية.
ويضيف دورسي أن هناك شكوك بأن أزمة الخليج جاءت لإخضاع قطر، في هذه الأزمة ظهر أن كلا من السعودية والامارات يحاولا ضمان تبنى الجميع لتعريفهم للأمن القومي والإرهاب الذي يتضمن اعتبار أن الجماعات غير العنيفة التي تنادي بتغيير الأنظمة كتهديد لنجاة أنظمتهم، وكذلك من يحاول أن ينادي باحترام حقوق الانسان وحرية الصحافة.
ويضيف دورسي أن أزمة الخليج لها أصول تاريخية تخص استقلال دول المنطقة، ومفاهيم الأمن القومي التي تحددها الجغرافيا، موضحاً أن التركيز على الاخوان المسلمين هام لفهم هذه الأزمة، على سبيل المثل فإن الدور الذي لعبه الإخوان في تشكل قطر يختلف بشكل أساسي عن دوره في دول الخليج الأخرى.
ولفهم موقف قطر يجب أن نأخذ في الاعتبار أنها تقع بين إيران والسعودية وترى أن كلاهما تشكلا تهديد، كما أنها الدولة الوحيدة بجانب السعودية التي تتبنى المذهب الوهابي.
وقررت قطر أن لا تصبح مثل السعودية، كما أنها رفضت أن يكون هناك اتفاقية مشاركة السلطة مع رجال الدين، في الواقع حتى اليوم لم تدعم قطر أي رجل دين سوى يوسف القرضاوي.
ويرى دورسي أن غياب رجال الدين البارزين أوضح ازدواجية بين حكام قطر نحو الوهابية والتي اعتبروها فرصة وتهديد، فعلى جانب اعتبروا انها أداة لإضفاء الشرعية على الحكم المحلي، على الجانب الأخر رأوا أن السعودية يمكن أن تستخدمها لفرض سيطرتها باعتبارها أكبر دولة تتبنى الوهابية.
ولم ترغب قطر في وجود طبقة رجال الدين والتي يمكن أن تزيد من التهديد ضدها بسبب ضرورة اعتمادها على رجال الدين السعوديين لتطوير طبقة رجال الدين في قطر، وهو ما كان سينشئ مجموعة من الأشخاص يرغبوا في تطبيق نفس النظام السعودي في مشاركة السلطة بين الدولة ورجال الدين.
ولا يوجد لدى قطر مؤسسات دينية حيث لا تملك مفتى مثل السعودية وعدد من الدول العربية، بل أنشأت وزارة شؤون إسلامية بعد 22 عاماً من تحقيق الاستقلال، لذا كان من الغريب ظهور جماعة الاخوان في المجتمع القطري.
ويضيف دورسي أنه في خلال الأزمة الأخيرة ظهر أن السعودية كانت متحكمة في الأمر، إلا أن الحقيقة أن الامارات كان لها الدور الأكبر خلف المطالب التي تم إعلانها، وخاصة فيما يخص الإصرار على ضرورة اعتبار قطر للإخوان كتنظيم إرهابي وإصلاح أو غلق شبكة الجزيرة الإخبارية.
ويرى دورسي أن هناك عاملين دفعا تزايد هوس بن زايد بالإخوان، حيث أنهم تمكنوا من بناء قوى بداخل الجيش الاماراتي بجانب تزايد شعبيتهم بين المواطنين الاماراتيين، لذا سعت الامارات لوضع الجماعة خارج اطار القانون ونجحت في تحقيق ذلك حيث تم تصنيف الاخوان كجماعة إرهابية في عدة دول.
ويوضح دورسي أن قطر استفادت في الأزمة الأخيرة من عدم قدرة السعودية على كسب التعاطف الدولي، كما استغلت الدوحة فكرة أن الحملة القطرية السعودية دخلت إلى افاق جديدة رغم أنه من المعروف أن الدول الكبيرة تتلاعب بالدول الصغيرة في العلاقات الدولة.
ورأي العديد أن المطالب المقدمة إلى قطر من مناهضيها تضمنت محاولة إعادة تشكيل سياستها وتقليل سيادتها وهى المطالبة التي لا تقدم إلا من دول محتلة.
ويؤكد دروسي أنه في حالة نجاح الدول المناهضة لقطر، فإن الهزيمة الدبلوماسية والاقتصادية ستكون سابقة في أعين دول عالمية مثل روسيا والصين، كما أنها ستضفى شرعية على الاتجاهات التي اتخذتها روسيا والتي لازالت تلتزم بالعقيدة السوفيتية في تقليل السيادة بداخل مجال نفوذها وهو ما تحاول أيضاً أن تفعله الصين في بحر جنوب الصين.
ويرى دورسي أن قطر تعلمت عدة دروس من هذه الأزمة من خلال حتمية تنويع الدول التي تمدها بالبضائع والخدمات الأساسية وتوسيع شبكة موانئها.
وعلى الجانب الأخر تعلمت السعودية والامارات القليل من فشلهم في حشد دعم إسلامي وغير إسلامي لحملتهم ضد قطر، حيث رأى عمر غوباش سفير الامارات في روسيا أن تحرك الدولتين لإجبار شركائهم التجاريين على الاختيار للتعامل معهم أو مع قطر يمكن أن يضعف موقفهم في حالة فشله، ومن المحتمل رفض هذه الدول المساومة.
ورغم ذلك إلا أن الدول الإسلامية في آسيا ستكون أكثر عرضة لحملة قوية من الامارات والسعودية لإجبارهم على التحالف معهم ضد قطر، حيث أن دول مثل بنجلاديش وباكستان والهند والذين يوجد لديهم كثافة سكانية اسلامية كبيرة تخشى أن تقلل السعودية من نصيبهم السنوي بالنسبة لعدد الأفراد المسموح لهم لأداء فريضة الحج، بجانب مخاوف طرد ملايين من العمال المهاجرين لإجبارهم على الانضمام للمقاطعة.
ويرى دورسي أن الضغط الذي تمارسه السعودية والامارات لإجبار الدول على دعمهم يشير إلى ضرورة تغيير نهجهم، ويوجد حالياً ثلاثة خيارات، التفاوض للخروج من الأزمة وحفظ ماء الوجه، تشديد الحصار الاقتصادي ضد قطر، السعي لتغيير نظام الدوحة.
وعلى الرغم من عدم توقع أحد كيف سيبدو الخليج بعد انتهاء الأزمة، إلا أن الشيء المؤكد أن حل هذه الأزمة سيكون له عواقب كبيرة على طبيعة العلاقات الدولية، حيث ستراقب الدول الصغيرة في الخليج وخارجها هذه الأزمة لتعلم دروس تخص موقعهم في النزاعات، وخاصة فيما يخص بحر الصين الجنوبي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق