مثلت الثورة الصناعية نقلة نوعية في تصنيف البلدان تنمويًا،
وفي القرن العشرين، تجاوز معيار التقدم مجرد التصنيع، لتصبح التكنولوجيا
عصب التقدم والقيمة المضافة، وقد أسهمت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
بشكل كبير في بناء ثروات الأمم المادية والعلمية، ولكن للأسف ظلت الدول
العربية بشكل عام، ومن بينها مصر خارج تطورات القرن العشرين من امتلاك
ناصية التكنولوجيا المتقدمة.
ولكن بعد ثلاث عشرة سنة، عادت أحلام مصر بصناعة الأستيكة،
ففي حكومة عاطف عبيد (1999 – 2004) تعهد رئيس الوزراء عاطف عبيد بدخول مصر
عصر صناعة الأستيكة، ولكن على ما يبدو أن هذه الصناعة المعقدة تكنولوجيًا،
حالت دونها امكانيات مصر العلمية والمادية خلال الفترة الماضية، وكانت
الفرصة سانحة أمام حكومة شريف اسماعيل، ليعلن طارق قابيل وزير الصناعة
والتجارة عن بدء مصر عهد صناعة الاستيكة والقلم الرصاص منذ أيام قليلة
مضت!!
ولم يكن تصريح طارق قابيل وزير التجارة والصناعة في مصر،
بالبدء في انشاء مصنع باستثمارات من القطاع الخاص لإنتاج الاستيكة والقلم
الرصاص من فراغ، فمؤشر التنافسية يرصد أداء متواضعًا لمصر في المؤشر الفرعي
الخاص بعوامل الابتكار، إذ تحل مصر في المرتبة 122 من بين 138 دولة، في
عام 2016/2017، وكان ترتيبها في المؤشر العام للتنافسية 115.
تواضع المفهوم
تواضع المفهوم
شكل الوعي الزائف للصناعة في مصر منذ مطلع الخمسينيات على
أنها مجرد إنتاج كمي، وكان يخيل للمجتمع أن مصر انتقلت من بلد زراعي إلى
بلد صناعي، وظل هذا الأداء حتى الآن، في حين أن الصناعة الحقيقة تعتمد على
مفاهيم أخرى تتمثل في إنتاج المصانع، أي إنتاج خطوط الإنتاج وقطع الغيار،
لكي تتحقق القيمة المضافة الأعلى لصالح الاقتصاد القومي، وكذلك إنتاج
وتطوير التكنولوجيا، وهو ما لم يدركه وزير الصناعة قابيل، فإنتاج الأستيكة
والقلم الرصاص مطلوب بنسب معينة لمتطلبات استخدامات في بلد نسبة الأمية فيه
لازالت بحدود 30%، وهناك مدارس عامة تفتقد أبسط مقومات العملية التعليمية
من وسائل الإيضاح، ونسى قابيل أن التحدي الآن، هو تطوير وسائل التعليم
الحديثة من أدوات عرض، ووسائل تخزين وعرض المعلومات، من كمبيوتر وما
يلتق به من مقتنيات حديثة، سواء في شكل استخدام فردي أو جماعي.
ومن أهم مقومات مفهوم الصناعة، ربط الجامعات ومراكز البحث
العلمي بالصناعة، وهو أمر مهمل في مصر، على الرغم من أن الدراسات
الأكاديمية تطالب به منذ مطلع الثمانينيات، ولذلك فمصر تستورد العدد
والآلات، وتستورد قطع الغيار، وتستورد مستلزمات الإنتاج، وكل ذلك في إطار
إنتاج سلع تقليدية.
تقرير البنك المركزي المصري لعام 2015/2016 يوضح طبيعة
الواردات المصرية ليظهر تراجع الصناعة المصرية، فمن بين 57 مليارا و400
مليون دولار قيمة الواردات السلعية، شكلت الواردات الخاصة بالسلع
الاستثمارية 16.8%، والسلع الوسيطة 25%، والسلع الاستهلاكية 25%، والوقود
16%، والمواد الخام 11%. وهيكل الواردات بهذا الشكل يدل على تواضع الصناعة
المصرية، التي لم تستطع على مدار عقود من أن تخفض من نسب الواردات من السلع
الاستهلاكية، أو وقف اسيتراد السلع الاستثمارية، كما أن السلع الوسيطة
تحتل نسبة لا يستهان بها، مما يعني أن القيمة المضافة المتحققة منها سبق
واستفاد منها بجزء كبير البلد المصدر لمصر.
تواضع أداء الصناعة المصرية
تواضع أداء الصناعة المصرية
التقرير المالي لشهر مايو 2017ن الصادر عن وزارة المالية
المصرية، يبين أن قيمة الناتج المحلي الإجمالي بلغت ترليونين و600 مليار
جنيه، كانت مساهمة الصناعات التحويلية (بدون تكرير البترول) 342 مليار
جنيه، وهي نسبة لا تزيد كثيرًا عن مساهمة قطاع الزراعة الذي حقق مساهمة في
الناتج المحلي بنحو 318 مليار جنيه، ومن هنا نجد ان نسبة مساهمة الصناعة
التحويلية في الناتج المحلي لا تتجاوز 17%.
ولا تحتل الصناعة مرتبة متقدمة في اهتمام توزيع
الاستثمارات الكلية في مصر، فمن بين 98 مليار جنيه مصري، رصدت كاستثمارات
منفذة خلال عام 2015/2016، استحوذ قطاع الصناعات التحويلية والمنتجات
البترولية على 10%، وفي حالة فصل المنتجات البترولية عن الصناعات التحويلية
الأخرى، يتضح أن نصيب الصناعات التحويلية شديد التواضع، وبما لا يزيد عن 5
– 6%. وفي الوقت الذي تحصل في الصناعات التحويلية والمنتجات البترولية على
10% من الاستثمارات الكلية المنفذة، نجد أن قطاع النقل والاتصالات استحوذ
على 23%، وقطاع الإسكان والأنشطة العقارية استحوذ على 20.3%.
ومن هنا نجد أن قدرة الصناعة المصرية على إحداث تغير في
واقع الاقتصاد المصري محدودة، كما أن قدرتها على خلق فرص عمل جديدة شديدة
المحدودية، وتأتي هذه النتائج المتواضعة لقطاع الصناعة بمصر، في ظل مجموعة
كبيرة من التحديات، أبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج، وافتقار مصر لإنتاج
تكنولوجيا الصناعة.
ويعكس الحقائق السابقة، ما ترصده إحصاءات قاعدة بيانات
البنك الدولي، حيث تظهر بيانات عام 2015، أن نصيب الصادرات عالية
التكنولوجيا لمصر تبلغ نسبة 0.78% من إجمالي صادرات السلع الصناعية، وبما
يعادل 88 مليونا و300 ألف دولار، في حين أن دولة مثل ماليزيا حققت وفق هذا
المؤشر 57 مليارا و200 مليون دولار.
في الختام، ستشهد مصر مزيدا من التخلف والتبعية في ظل
وجود حكومات الانقلاب العسكري، حيث يتم البعد عن المشروعات التنموية
الحقيقية، وبرامج الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي، التي يمكنها أن تساعد في
تغيير وجه مصر التنموي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق