وائل قنديل :
أيهما أكبر: صفر مريم أم صفر أحمد؟
وائل قنديل
مريم ملاك
تكون طالبة الثانوية العامة، مريم ملاك، صاحبة الصفر الشهير، قد أحسنت صنعاً، هي وأسرتها، باعتذارها عن عدم تلبية دعوة للقاء مع بطريرك الكنيسة لبحث أزمتها، حسبما تناقلت المواقع الإلكترونية.
ولو صح أن سبب الاعتذار عدم إضفاء بعد طائفي على مأساة "تصفير نتيجة مريم"، فإننا نكون بصدد درس شديد الأهمية والبساطة، معا، في معنى المواطنة، تعطيه هذه الصغيرة، بعفويتها، للجميع، حكومة ومؤسسة دينية ومجتمعا، وتمنحنا الأمل في مستقبل مختلف. والشاهد أن مجرد اقتراب الكنيسة من هذه الأزمة، ولو من باب مواساة واحدة من رعاياها، تصرف يشتمل على قدر من الفجاجة، وعدم اللياقة، السياسية والاجتماعية، خصوصاً مع هذا الاحتقان المجتمعي، الذي يدفع الناس لعقد المقارنات بين هذا وذاك.
إن حالات عديدة مماثلة لكارثة صفر مريم لا تجد من يحنو عليها، فلا استقبلها رئيس الحكومة، الذي تحشرج صوته ولمعت عيناه بالدموع، وهو يقول لمريم "لن أنام حتى يعود حقك"، ولا دعاها بطريرك، أو إمام أكبر، للمواساة، أو تخفيف الألم، أو حتى من باب استعراض النفوذ، وممارسة سلطة روحية في قضية علمية بالأساس.
تناقلت مواقع صحفية، على استحياء، حكاية الطالبة رضوى التي تكاد قصتها تتطابق مع موضوع مريم، وكذلك الطالب أحمد، وكل يوم تتكشف كارثة جديدة في ملف التلاعب بنتائج الثانوية العامة، بتبديل أوراق الإجابات، من دون أن تغيب عن خلفية المشهد أشباح محاباة طبقية، من نوعية تلك التي تقرر تطبيقها بقرار رسمي، بشأن استثناء أبناء الكبار من التوزيع الجغرافي عند الالتحاق بالجامعة، وكذا منع أبناء الفلاحين، من طلاب الأقاليم، من الاقتراب من كليات الإعلام، والاقتصاد والعلوم السياسية.
وتبلغ الملهاة ذروتها حين يشهد شاهد من أهلها في مداخلة تلفزيونية على عمق المهزلة، إذ يفجر رئيس أمن كونترول الثانوية العامة سابقًا قنبلة مزوية بإعلانه أن نجل مساعد مدير أمن الدقهلية، تم تزوير نتيجة الثانوية العامة له العام الماضي، حتى يصبح الأول على الجمهورية.
لم تغرد "قبائل تويتر" بكثافة من أجل رضوى، أو أحمد، ولم تتهافت الفضائيات عليهما، ولم يقدم محمد صبحي واحداً من أدواره الركيكة، المصطنعة، ويعلن أنه متكفل بتعليم أحد في الخارج، ولم ترتعد فرائص إبراهيم محلب، ولم تسارع النيابة الإدارية لفتح تحقيق، ولم تقرر النيابة العامة إعادة التحقيق بمعرفة لجنة جديدة، تختلف عن السابقة. لذا، لم يكن أمام أبناء البطة السوداء سوى اللجوء للتظاهر أمام وزارة التربية والتعليم، عل أحدا يسمع أصواتهم.
وبالطبع، لا تقلل هذه الملاحظة من جسارة مريم وضربها المثل في التمسك بالحق، كمواطنة مصرية، فقط، الأمر الذي يجعل منها أيقونة حقيقية للنضال الشخصي من أجل ترسيخ قيمة وإرساء مبدأ، وكنا نتمنى لو أن أجهزة الدولة استوعبت الأمر، وتعلمت من مريم وأسرتها كيف تكون العدالة والمساواة والمواطنة، كما تتجلى في تصريحات شقيقها الأكبر بيشوي، والتي وجه من خلالها رسالة شديدة الوضوح لكل من يحاول الاصطياد في مياه الطائفية، وبتعبير بسيط "أقول لأقباط المهجر، والأقباط المهتمين بالقضية فى الخارج، شكرا لكم على المحبة والاهتمام، وأخص بالشكر أسقف أستراليا الأنبا سراتيونان. ولكن، إن أرادوا توجيه دعوة لمريم، أن يوجهوا الدعوة نفسها إلى الطالبة مروة عيسى التي تواجه مشكلة شقيقته نفسها، لأن مريم مصرية، ومش هنطلع نهين مصر".
قضية صفر مريم الشهير، مقابل الأصفار المغمورة لعشرات غيرها، صورة مصغرة من قضية التعامل مع السجناء والمعتقلين في مصر، حين تسلط الأضواء على مجموعة من الأسماء اللامعة، من بين أكثر من 60 ألف سجين ومعتقل، ظلما، فلا نكاد نسمع عن هؤلاء المجهولين، إلا عند الإعلان عن وفاة أحدهم داخل الزنزانة، إهمالا طبيا، أو بجرعة تعذيب زائدة.
---------------------
العربي الجديد
في 5 سبتمبر 2015
أيهما أكبر: صفر مريم أم صفر أحمد؟
وائل قنديل
مريم ملاك
تكون طالبة الثانوية العامة، مريم ملاك، صاحبة الصفر الشهير، قد أحسنت صنعاً، هي وأسرتها، باعتذارها عن عدم تلبية دعوة للقاء مع بطريرك الكنيسة لبحث أزمتها، حسبما تناقلت المواقع الإلكترونية.
ولو صح أن سبب الاعتذار عدم إضفاء بعد طائفي على مأساة "تصفير نتيجة مريم"، فإننا نكون بصدد درس شديد الأهمية والبساطة، معا، في معنى المواطنة، تعطيه هذه الصغيرة، بعفويتها، للجميع، حكومة ومؤسسة دينية ومجتمعا، وتمنحنا الأمل في مستقبل مختلف. والشاهد أن مجرد اقتراب الكنيسة من هذه الأزمة، ولو من باب مواساة واحدة من رعاياها، تصرف يشتمل على قدر من الفجاجة، وعدم اللياقة، السياسية والاجتماعية، خصوصاً مع هذا الاحتقان المجتمعي، الذي يدفع الناس لعقد المقارنات بين هذا وذاك.
إن حالات عديدة مماثلة لكارثة صفر مريم لا تجد من يحنو عليها، فلا استقبلها رئيس الحكومة، الذي تحشرج صوته ولمعت عيناه بالدموع، وهو يقول لمريم "لن أنام حتى يعود حقك"، ولا دعاها بطريرك، أو إمام أكبر، للمواساة، أو تخفيف الألم، أو حتى من باب استعراض النفوذ، وممارسة سلطة روحية في قضية علمية بالأساس.
تناقلت مواقع صحفية، على استحياء، حكاية الطالبة رضوى التي تكاد قصتها تتطابق مع موضوع مريم، وكذلك الطالب أحمد، وكل يوم تتكشف كارثة جديدة في ملف التلاعب بنتائج الثانوية العامة، بتبديل أوراق الإجابات، من دون أن تغيب عن خلفية المشهد أشباح محاباة طبقية، من نوعية تلك التي تقرر تطبيقها بقرار رسمي، بشأن استثناء أبناء الكبار من التوزيع الجغرافي عند الالتحاق بالجامعة، وكذا منع أبناء الفلاحين، من طلاب الأقاليم، من الاقتراب من كليات الإعلام، والاقتصاد والعلوم السياسية.
وتبلغ الملهاة ذروتها حين يشهد شاهد من أهلها في مداخلة تلفزيونية على عمق المهزلة، إذ يفجر رئيس أمن كونترول الثانوية العامة سابقًا قنبلة مزوية بإعلانه أن نجل مساعد مدير أمن الدقهلية، تم تزوير نتيجة الثانوية العامة له العام الماضي، حتى يصبح الأول على الجمهورية.
لم تغرد "قبائل تويتر" بكثافة من أجل رضوى، أو أحمد، ولم تتهافت الفضائيات عليهما، ولم يقدم محمد صبحي واحداً من أدواره الركيكة، المصطنعة، ويعلن أنه متكفل بتعليم أحد في الخارج، ولم ترتعد فرائص إبراهيم محلب، ولم تسارع النيابة الإدارية لفتح تحقيق، ولم تقرر النيابة العامة إعادة التحقيق بمعرفة لجنة جديدة، تختلف عن السابقة. لذا، لم يكن أمام أبناء البطة السوداء سوى اللجوء للتظاهر أمام وزارة التربية والتعليم، عل أحدا يسمع أصواتهم.
وبالطبع، لا تقلل هذه الملاحظة من جسارة مريم وضربها المثل في التمسك بالحق، كمواطنة مصرية، فقط، الأمر الذي يجعل منها أيقونة حقيقية للنضال الشخصي من أجل ترسيخ قيمة وإرساء مبدأ، وكنا نتمنى لو أن أجهزة الدولة استوعبت الأمر، وتعلمت من مريم وأسرتها كيف تكون العدالة والمساواة والمواطنة، كما تتجلى في تصريحات شقيقها الأكبر بيشوي، والتي وجه من خلالها رسالة شديدة الوضوح لكل من يحاول الاصطياد في مياه الطائفية، وبتعبير بسيط "أقول لأقباط المهجر، والأقباط المهتمين بالقضية فى الخارج، شكرا لكم على المحبة والاهتمام، وأخص بالشكر أسقف أستراليا الأنبا سراتيونان. ولكن، إن أرادوا توجيه دعوة لمريم، أن يوجهوا الدعوة نفسها إلى الطالبة مروة عيسى التي تواجه مشكلة شقيقته نفسها، لأن مريم مصرية، ومش هنطلع نهين مصر".
قضية صفر مريم الشهير، مقابل الأصفار المغمورة لعشرات غيرها، صورة مصغرة من قضية التعامل مع السجناء والمعتقلين في مصر، حين تسلط الأضواء على مجموعة من الأسماء اللامعة، من بين أكثر من 60 ألف سجين ومعتقل، ظلما، فلا نكاد نسمع عن هؤلاء المجهولين، إلا عند الإعلان عن وفاة أحدهم داخل الزنزانة، إهمالا طبيا، أو بجرعة تعذيب زائدة.
---------------------
العربي الجديد
في 5 سبتمبر 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق