الفساد الكبير يلتهم الفساد الصغير
بقلم : وائل قنديل
9 سبتمبر 2015
وائل قنديل
ولمّا كان اليوم الخامس من سبتمبر/ أيلول الجاري، نشرت صحيفة الوطن السيسية ما يلي: قال الدكتور صلاح هلال، وزير الزراعة، لـ"الوطن" إنه سيكشف غداً عن قضية فساد كبرى فى أحد قطاعات الوزارة، فى إطار خطة مُحكَمة بالتعاون مع الأجهزة الرقابية. وإن هي إلا ساعات، حتى كان الوزير يتقدم باستقالته، وإن هي إلا دقائق بعدها، حتى كانت قوات الأمن تلقي القبض على الوزير في ميدان التحرير، وكأنها تمسك بلص أحذية في مسجد عمر مكرم، أو تصطاد بائعاً جائلاً، يستوقف المارة ليبيعهم مخدر البانجو.
قبل وزير الزراعة، كان اصطياد فخراني الثلاثين من يونيو، رئيس جمعية مكافحة الفساد، وقبله بقليل كان محمد فودة، طليق غادة عبد الرازق، والخارج من السجن بعد ثورة يناير، بعد حبسه في قضية الفساد الشهيرة في التسعينات، حين كان سكرتيرا لوزير الثقافة، فاروق حسني. وبعد كل هؤلاء طالت "المفرمة" رأس وزير الأوقاف مختار جمعة، ليواجه اتهاما بالفساد هو الآخر..
ماذا يحدث في مصر السيسية؟
يحلو لوسائل إعلام الجنرال أن تهرف: إنه التطهير.. إنها الحرب على الفساد.
ينسى هؤلاء الهارفون الظرفاء أن المرحلة برمتها ما كان لها أن تتأسس، لولا أفضال الفساد عليها، أو قل إن "30 يونيو" نفسها كانت بمثابة "ثورة رد الاعتبار للفساد"، وأحيلك، هنا، إلى شهادة واحد من واضعي سيناريوهات زمن السيسي، المؤلف الدرامي محمد العدل، الذي لخص المعادلة بالقول "ليس كل من مع السيسي فاسدين، لكن كل الفاسدين مع السيسي". صدق العدل وهو سياساوي.
فهل كان غير الفساد دينا وعقيدة لدولة الثلاثين من يونيو؟ هل كان غيره سلاحا ماضيا وحليفا استراتيجيا؟
فساد استراتيجي هو إذن، أو قل هي مدرسة "الفساد للفساد" على طريقة "الفن للفن"، فساد من الرأس حتى الذيل، بدأ بإغراق المجتمع في وطنية فاسدة وتمرد فاسد، واستمر الفساد ينمو وينتشر ويتوغل، حتى وصل إلى المفاصل والأعصاب الحساسة، في ظل تخصيبه وتسميده وتسمينه ورعايته بشكل كامل.
تمويلات تمرد فساد، وتسريبات الأرز فساد أكبر، وتزييف مقر اعتقال الرئيس محمد مرسي، كان عين الفساد، والتدخل، حسب التسريبات، من المؤسسة العسكرية في قضية سيارة ترحيلات معتقلي أبو زعبل، وقبلها تزوير ترجمة إجابات كاترين آشتون، في مؤتمرها الصحافي الشهير مع نائب رئيس الانقلاب في ذلك الوقت الدكتور محمد البرادعي، وتزوير تقرير "العفو الدولية" عن معتصمي رابعة، بواسطة أول وزير خارجية لدولة 30 يونيو، نبيل فهمي، والتزوير والتحريف والتشويه والتوظيف للنصوص الدينية والفتاوى والأحكام الشرعية، لصالح عبد الفتاح السيسي، وإرضاء لشبقه للعب دور الزعيم الديني المصلح المجدد.. أليست هذه صور شديدة الوضوح والنقاء للفساد؟
أرجوك، اختر اسماً مناسبا لما يلي: استدعاء البلطجية واللصوص وتمويلهم وتسليحهم، عن طريق نواب برلمان سابقين، وإطلاقهم على التظاهرات المعارضة للانقلاب، ثم مكافأتهم بإدماجهم في جهاز الدولة، باختراع ما تسمى "الشرطة المجتمعية"، والبطلان في الاتهامات والتحقيقات وأوامر الإحالة والمرافعات والأحكام القضائية التي تصد بإعدام شهداء راحلين، وقتل المعتلين بالتعذيب والإهمال، وحماية مغتصبي المعتقلات؟ هل غير الفساد، يصلح لتسمية كل ما سبق؟
نعم، يمكنك أن تضيف إلى الفساد، عبارة "قلة القيمة". نعم هذا النظام من أعلى رأسه هو الراعي لهذه" المفسدة" المترامية الأطراف، هو الحامي لزمن "قلة القيمة"، وهل أكثر "قلة قيمة" مما ورد في تسريبات الأرز، بصرت قادة المرحلة وهم يتضاحكون ويخططون لابتزاز تمويلات الخليج ومعوناته، ويتقاسمونها فيما بينهم، بعيداً عن الدولة، كمؤسسات تشريع ورقابة وبرلمان وحكومة"
هل هناك أكثر انحطاطا من أن ترتعد فرائص شيخ الأزهر، ويختبئ في جلده، غير قادر على الرد أو الاعتراض، على طليق غادة عبد الرازق، المحبوس الآن مجدداً في قضية فساد جديد، وهو يكتب له في "اليوم السابع"، يعنفه ويؤدبه ويربيه ويهدده بوضع وزير الأوقاف محله في المشيخة معلنا "عفوا شيخ الأزهر رصيدكم نفذ"، لأن الأخير غير متفاعل بالشكل الكافي مع تجديد الخطاب الديني وتطويره، بما يلائم أمزجة محمد فودة و "رموز دولة الميزو"؟
انظر في طريقتهم في اختيار الوزراء والمسؤولين، لتجدهم وكأنهم يرفعون شعار "البقاء للأفسد لأنه الأسهل في الإزاحة وقت اللزوم"، وسيدهشك أنهم لم يجدوا من يصلح رئيساً للحكومة، إلا هذا الذي ارتبط اسمه بقضية فساد قصور وفيللات عائلة حسني مبارك، ولم يجدوا وزيراً للعدل إلا هذا الذي نشرت "الأهرام الحكومية" أدلة اتهامه بالفساد في قضية أرض بورسعيد، وغيرهما ممن تتردد أسماؤهم الآن، مرشحين لقطع الرؤوس في حملة الإزاحة والإحلال والتجديد، للتخلص من حمولة زائدة في قطار الفساد.
---------------------
العربي الجديد
بقلم : وائل قنديل
9 سبتمبر 2015
وائل قنديل
ولمّا كان اليوم الخامس من سبتمبر/ أيلول الجاري، نشرت صحيفة الوطن السيسية ما يلي: قال الدكتور صلاح هلال، وزير الزراعة، لـ"الوطن" إنه سيكشف غداً عن قضية فساد كبرى فى أحد قطاعات الوزارة، فى إطار خطة مُحكَمة بالتعاون مع الأجهزة الرقابية. وإن هي إلا ساعات، حتى كان الوزير يتقدم باستقالته، وإن هي إلا دقائق بعدها، حتى كانت قوات الأمن تلقي القبض على الوزير في ميدان التحرير، وكأنها تمسك بلص أحذية في مسجد عمر مكرم، أو تصطاد بائعاً جائلاً، يستوقف المارة ليبيعهم مخدر البانجو.
قبل وزير الزراعة، كان اصطياد فخراني الثلاثين من يونيو، رئيس جمعية مكافحة الفساد، وقبله بقليل كان محمد فودة، طليق غادة عبد الرازق، والخارج من السجن بعد ثورة يناير، بعد حبسه في قضية الفساد الشهيرة في التسعينات، حين كان سكرتيرا لوزير الثقافة، فاروق حسني. وبعد كل هؤلاء طالت "المفرمة" رأس وزير الأوقاف مختار جمعة، ليواجه اتهاما بالفساد هو الآخر..
ماذا يحدث في مصر السيسية؟
يحلو لوسائل إعلام الجنرال أن تهرف: إنه التطهير.. إنها الحرب على الفساد.
ينسى هؤلاء الهارفون الظرفاء أن المرحلة برمتها ما كان لها أن تتأسس، لولا أفضال الفساد عليها، أو قل إن "30 يونيو" نفسها كانت بمثابة "ثورة رد الاعتبار للفساد"، وأحيلك، هنا، إلى شهادة واحد من واضعي سيناريوهات زمن السيسي، المؤلف الدرامي محمد العدل، الذي لخص المعادلة بالقول "ليس كل من مع السيسي فاسدين، لكن كل الفاسدين مع السيسي". صدق العدل وهو سياساوي.
فهل كان غير الفساد دينا وعقيدة لدولة الثلاثين من يونيو؟ هل كان غيره سلاحا ماضيا وحليفا استراتيجيا؟
فساد استراتيجي هو إذن، أو قل هي مدرسة "الفساد للفساد" على طريقة "الفن للفن"، فساد من الرأس حتى الذيل، بدأ بإغراق المجتمع في وطنية فاسدة وتمرد فاسد، واستمر الفساد ينمو وينتشر ويتوغل، حتى وصل إلى المفاصل والأعصاب الحساسة، في ظل تخصيبه وتسميده وتسمينه ورعايته بشكل كامل.
تمويلات تمرد فساد، وتسريبات الأرز فساد أكبر، وتزييف مقر اعتقال الرئيس محمد مرسي، كان عين الفساد، والتدخل، حسب التسريبات، من المؤسسة العسكرية في قضية سيارة ترحيلات معتقلي أبو زعبل، وقبلها تزوير ترجمة إجابات كاترين آشتون، في مؤتمرها الصحافي الشهير مع نائب رئيس الانقلاب في ذلك الوقت الدكتور محمد البرادعي، وتزوير تقرير "العفو الدولية" عن معتصمي رابعة، بواسطة أول وزير خارجية لدولة 30 يونيو، نبيل فهمي، والتزوير والتحريف والتشويه والتوظيف للنصوص الدينية والفتاوى والأحكام الشرعية، لصالح عبد الفتاح السيسي، وإرضاء لشبقه للعب دور الزعيم الديني المصلح المجدد.. أليست هذه صور شديدة الوضوح والنقاء للفساد؟
أرجوك، اختر اسماً مناسبا لما يلي: استدعاء البلطجية واللصوص وتمويلهم وتسليحهم، عن طريق نواب برلمان سابقين، وإطلاقهم على التظاهرات المعارضة للانقلاب، ثم مكافأتهم بإدماجهم في جهاز الدولة، باختراع ما تسمى "الشرطة المجتمعية"، والبطلان في الاتهامات والتحقيقات وأوامر الإحالة والمرافعات والأحكام القضائية التي تصد بإعدام شهداء راحلين، وقتل المعتلين بالتعذيب والإهمال، وحماية مغتصبي المعتقلات؟ هل غير الفساد، يصلح لتسمية كل ما سبق؟
نعم، يمكنك أن تضيف إلى الفساد، عبارة "قلة القيمة". نعم هذا النظام من أعلى رأسه هو الراعي لهذه" المفسدة" المترامية الأطراف، هو الحامي لزمن "قلة القيمة"، وهل أكثر "قلة قيمة" مما ورد في تسريبات الأرز، بصرت قادة المرحلة وهم يتضاحكون ويخططون لابتزاز تمويلات الخليج ومعوناته، ويتقاسمونها فيما بينهم، بعيداً عن الدولة، كمؤسسات تشريع ورقابة وبرلمان وحكومة"
هل هناك أكثر انحطاطا من أن ترتعد فرائص شيخ الأزهر، ويختبئ في جلده، غير قادر على الرد أو الاعتراض، على طليق غادة عبد الرازق، المحبوس الآن مجدداً في قضية فساد جديد، وهو يكتب له في "اليوم السابع"، يعنفه ويؤدبه ويربيه ويهدده بوضع وزير الأوقاف محله في المشيخة معلنا "عفوا شيخ الأزهر رصيدكم نفذ"، لأن الأخير غير متفاعل بالشكل الكافي مع تجديد الخطاب الديني وتطويره، بما يلائم أمزجة محمد فودة و "رموز دولة الميزو"؟
انظر في طريقتهم في اختيار الوزراء والمسؤولين، لتجدهم وكأنهم يرفعون شعار "البقاء للأفسد لأنه الأسهل في الإزاحة وقت اللزوم"، وسيدهشك أنهم لم يجدوا من يصلح رئيساً للحكومة، إلا هذا الذي ارتبط اسمه بقضية فساد قصور وفيللات عائلة حسني مبارك، ولم يجدوا وزيراً للعدل إلا هذا الذي نشرت "الأهرام الحكومية" أدلة اتهامه بالفساد في قضية أرض بورسعيد، وغيرهما ممن تتردد أسماؤهم الآن، مرشحين لقطع الرؤوس في حملة الإزاحة والإحلال والتجديد، للتخلص من حمولة زائدة في قطار الفساد.
---------------------
العربي الجديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق