الانهيار قادم.. قادم
بقلم: عامر شماخ
لست من المتشائمين، ولا أدعو إلى التشاؤم، ولست من الذين تستعبدهم
العاطفة فيهرفون بما لا يعرفون، بل أزعم أننى من دعاة الموضوعية والعدل..
أقول قولى هذا لما قد يوحى به هذا العنوان من إحباط، وتحامل على النظام
الفاشى القائم، أبدًا والله، لا هذا ولا ذاك، إنما هو واقع أدق به جرس
إنذار؛ كى ينتبه الغافلون، ويجدّ المخلصون؛ ولإنقاذ البلد قبل أن يتحول
-على يد العسكر- إلى (سوريا والعراق)، ونرى -لا قدر الله- المصريين لاجئين
كما رأينا أحفاد الأمويين يطوفون على بلدان الشمال راجين قبولهم على
أراضيهم حتى لو عملوا لديهم خدمًا، أو حتى لو تنصّروا وصاروا أتباعًا
للصليب.
إن الواقع مؤلم، على المستويات كافة، ووعود العسكر تبخّرت بعدما قضوا
شهوتهم وأحكموا قبضتهم على السلطة، وأحوالنا تزداد سوءًا يومًا بعد يوم،
نؤكد أنها ليست كيوم استلموا الحكم، بل الاقتصاد -على سبيل المثال- يتجه
نحو الانهيار بصورة سريعة ومخيفة، والغلاء يضرب المجتمع ضربًا، والبطالة
مستشرية بعد تعطل المصانع والشركات، وبعد انسحاب المستثمرين وهروب رءوس
الأموال.. ولا شيء فى الأفق يبشر بتوقف ذلك الانهيار المتسارع.
أين أموال الخليج (اللى زى الرز)؟، أين أموال القناتين، الجديدة
والقديمة؟!، أين أموال الكهرباء والمياه التى زادت أضعافًا مضاعفة؟! أين
جبايات الطرق والشهر العقارى وبنوك التسليف؟، أين أموال الضرائب؟!، أين
أموال الدمغات التى صارت تفرض على كل شيء؟ أين أموال الوقود والغاز بعد رفع
أسعارهما؟ أين أموال الخبز بعد قصره على أصحاب البطاقات وحاملى الكروت؟!..
أين وأين وأين؟!...
وفى مقابل ذلك، ماذا استفاد المصرى المطحون الذى يمثل غالبية الشعب
المصري؟.. إنه يعانى انقطاع الكهرباء، والمياه، ويعانى الشلل المروري،
وجبال القمامة فى الشوارع؛ ويرى الطرق بائسة، وما يدفن تحتها من شبكات
وخدمات قد عفا عليها الزمن وصارت تخرج مصائبها إلى سطح الأرض فتقتل طفله
وتدمر سيارته وتلحق الأذى بمن حوله..
قـد يصبـر المصـرى على كل هذا -فإنه اعتاد هذا الهوان المعيشى منذ أن
بشّر بحكم العسكر فى أوائل خمسينيات القرن الماضي- لكنه ابتلى بما هو أنكى
من تلك العيشة النكد التى لا تليق بإنسان، ابتلى بالاستبداد والظلم والقهر،
ابتلى بمن اغتصب حريته، وسجنه فى وطن كبير لا يستطيع منه فكاكًا، وقد مُنع
الكلام، وحرم إبداء الرأي، وقيل له أنت العبد ونحن الأسياد، أنت تعمل ونحن
نأكل رزقك، أنت تشقى ونحن نتنعم بخيرات بلدك، ولو جرؤ على المعارضة يكون
جزاؤه القتل، والسجن، والمطاردة، وتصادر أمواله، وتكشف عوراته ويصير
-بقانون هؤلاء المجرمين- خارجًا على (القانون) داعيًا إلى الإرهاب، لا يجد
أرضًا تقله ولا سماء تظله..
نقول: الانهيار قادم.. قادم؛ لأن تلك قاعدة فى البشر لم تتخلف يومًا،
شهدت الكتب السماوية بذلك، وكذلك شهد التاريخ، القريب والبعيد، فما من ظالم
إلا خاب سعيه، وأحبط عمله، وما من غاصب إلا أهلك بجرمه، ولو جعل رجليه
مكان رأسه وسار بالمقلوب.. فُعل هذا برئيس العسكر الهالك صاحب الهزائم
التاريخية (ناصر!!) الذى استلم البلاد وهى تدين بريطانيا التى كانت تحتل
نصف الكرة الأرضية بملايين الجنيهات الذهبية، وتركها صرعى ديونها، تتخبط فى
هزائمها، تعانى الكوارث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بعدما قسمها
إلى مصر والسودان، وبعدما سلم الجزء الشرقى من البلاد للصهاينة، وبعدما صار
المصريون شيعًا وأحزابًا، وبعدما حارب الإسلام حتى شاهدنا أجيالاً شائهة
الفكر والدين، ترى الأخلاق (موضة!!) عفا عليها الزمن.
لم أقابل مصريًا واحدًا خلال هذين العامين الأسودين، إلا وجدته غاضبًا
مغضبًا، محتقن الوجه، متجهمًا يشكو الهواء الذى يتنفسه، ويشكو الشجر
والحجر، الكل حزين، الكل خائف وقلق، ينظر إلى المستقبل بمنظار أسود، ويرى
فى الواقع الأليم سجنًا ضيقًا يكتم أنفاسه كأنما يصعد فى السماء.. ذهبت
بهجة المصريين، وغابت ابتساماتهم، ونكاتهم و(قفشاتهم)، وحل محلها الهم
والغم والنكد، وابتليت البيوت بالأوجاع والأمراض التى لم تكن فى أسلافنا.
ولا حل إلا بإزاحة العسكر عن المشهد السياسي، وإعادتهم لثكناتهم، وأن
تعود إلى الشعب ديمقراطيته التى انتزعها فى ثورته المجيدة، وأن يعيش الناس
أحرارًا متحابين، وأن يعاقب المحرضون على تقسيمه الساعون لتحطيمه، نقول لا
حل إلا هذا الحل.. وإلا فانتظروا -لا قدر الله- المصريين لاجئين يطوفون على
دول الشمال ليستقبلوهم كما يطوف السوريون عليها الآن..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق