زمن الفساد الجميل
بقلم: وائل قنديل
كمية النكات والإيفيهات التي أطلقت لمناسبة
وقوع عبد الفتاح السيسي على اسم رئيس حكومته الجديد لو ألقيت في مياه
التفريعة الجديدة لقناة السويس لجفّفتها، وأحالتها إلى يابسة. عملية
التنكيت لم تتوقف على المعسكر المعارض فقط، وإنما شملت أصواتاً من رجال
السيسي في وسائل الإعلام، ليتفق الطرفان، في لحظة نادرة، على رأي واحد في
وزير البترول الذي جرى تصعيده لخلافة رئيس الحكومة المقال.
ما معنى أن يتّحد معارضون وموافقون في رفض
الاختيار، واتهامه بالفساد، الوظيفي والسياسي؟ ألم يكن عبد الفتاح السيسي
وأجهزته يعلمون، منذ البداية، من هو وزير البترول المكلف بتشكيل الحكومة
الجديدة؟ هل فات على السيسي، مدير المخابرات الحربية السابق، أن يقلّب في
ملفاته ليتعرّف على شخصية المرشح؟
بالتأكيد، هم يعلمون من هو، ويدركون، أيضاً،
ردود الأفعال على اختياره، والأهم من ذلك يعرفون جيداً أن حكومة جديدة لا
بد أن تتشكل بعد شهرين، حال إجراء الانتخابات النيابية، فلماذا هذا
الاختيار؟ يتهم رجال السيسي الرجل الذي اختاره بالفساد، فهل أراد رئيس سلطة
الانقلاب أن يوجّه رسالة إلى الجميع، يقول فيها إنه يحب الفساد، ويشجع
الفاسدين ويرقّيهم؟ هذا احتمال بعيد، وخصوصاً أنه يحاول أن يمثل دور
المحارب ضد الفساد، على نحو فج، فيها من الادعاء والتصنّع ما يجعل الأمر
برمته مزحة جديدة، تضاف إلى قائمة المساخر في سلطة الانقلاب. غرق الرافضون
للانقلاب في مياه السخرية والتنكيت على اختيار من أطلق عليه وصف "الصايع
الضايع" حتى أذقانهم، بشكل طغى على أحداث أخرى مهمة، مرت من دون أن تحظى
بالقدر الكافي من الاهتمام، مثل التظاهرة التي دعا لها الموظفون من أجل
إسقاط قانون الخدمة المدنية، والمذابح التي تدور ضد أهالي سيناء لليوم
السادس على التوالي، حتى وصلت إلى تصفية المعتقلين داخل محابسهم، شقيق
الناشط السيناوي، عيد المرزوقي، نموذجاً.
فهل عاد نظام السيسي إلى ممارسة اللعبة
القديمة التي عبّر عنها أحد أعضاء المجلس العسكري بالقول إنهم كانوا
يتحكّمون في درجة حرارة الغضب والاحتجاج في الميادين، من خلال إشاعة أخبار
بعينها لإلهاء الجماهير، والتحكّم في مسارات غضبها واهتمامها؟ أظن، وليس
كلُّ الظن إثماً، أن اختيار وزير البترول لتشكيل الحكومة ليس إلا تمهيداً،
أو توطئة، لتمرير رئيس حكومة عسكري، أغلب الظن أنه لن يخرج عن شريك السيسي
في صناعة وهم القناة الجديدة، مهاب مميش، عملاً بقاعدة طرح السلعة الأردأ
في السوق، ما يفجّر دوائر من الرفض والاحتجاج، تظل تتسع وتمتد حتى يصل
الأمر بالناس إلى قبول أي بديل لها. وفي الغالب، تتجمع في شخصية وزير
البترول المكلف بتشكيل الحكومة كل عناصر الاحتراق السريع والسقوط في زمن
قياسي، فهو الموصوف في تسريبات الأرز الخليجي بعبارات، إنْ قيلت على لاعب
احتياط في فريق درجة ثالثة، فإنها كفيلة بإخراجه من قائمة اللاعبين، فما
بالك حين تطلق على رئيس وزراء محتمل؟ وهو أيضاً المتهم، حسب الوثائق وملفات
القضاء، بالضلوع في فضيحة تصدير الغاز للعدو الصهيوني، وتبرئة المتورطين
فيها، بشهادة منه.
وهو الذي قيل فيه وفي عائلته، في شركة "إنبي
للبترول"، ما قيل في توفيق عبد الحي ورشاد عثمان، أيام أنور السادات.
وكذلك هو الوجه الصريح من وجوه نظام حسني مبارك، فيما تعزف جوقة السيسي
الإعلامية، هذه الأيام، لحناً جديداً، لنص جديد يقول "متى يتخلّص السيسي من
رجال مبارك ويأتي برجاله".
يلفت النظر أيضاً أنه قبل الإعلان عن اسم
الرجل، كانت بورصة التسريبات والتكهنات والأمنيات الإعلامية ترجّح سهم
الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، الرجل الذي اكتشف جنس الكائن
المدني على أرض مصر، ورأى الملائكة تسير معه وحوله على شاطئ القناة، وأزعم
أن هذه مواصفات ومسوغات للغاية عند اختيار مسؤول في نظام سياسي يحكم شعبه
بالسلاح والخرافة، فما الذي يدفع السيسي إلى اختيار اسم تحيط به كل هذه
الشبهات والاتهامات؟ ربما كانت هذه الشبهات والاتهامات مبررات الاختيار، مع
تركه وحيداً في مواجهة "إفيهات المعارضين" وطلقات المؤيدين، وبينما الحريق
مشتعل، يتم طرح اسم مهاب مميش، فيهتف الهاتفون ويصفّق المصفقون لاستجابة
رجل الأرز المستحيل، وتحكِم المؤسسة العسكرية هيمنتها على قمة السلطة
التنفيذية، ويصعد رجال السيسي الحلبة، بعد إنزال رجال مبارك، نزولاً عند
رغبة الجماهير.
ويبقى أن تدرك أن إبراهيم محلب هو شريف
إسماعيل، لا فرق بينهما، كما أن فساد العصر كلّه لم يعد بحاجة لإثباته، فلا
تشغلوا أنفسكم بتأكيد المؤكد وإثبات الثابت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق