أبعاد الدولة العميقة وقوى الشر الأعمق...
بقلم: د.محمد باسم ابوالحسن
ما من حاكم يحكم ويكون له نفوذ وسطوة الا كان ذلك من خلال قوة يرتكن اليها
ويستمد منها ذلك وهذه القوة لاتخلو من ان تكون واحدة من اربع
1-قوة الايمان الحى الساكن فى وجدان الرعية وهذه القوة ارسى النبى صلى الله عليه وسلم قواعدها بعد موعظة مودع له بليغه وجلت منها قلوب اصحابه وذرفت لها عيونهم فاستوصوه فأوصاهم بقوله(عليكم بالسمع والطاعه ولو تأمر عليكم عبد....)فشكل الحاكم وكذلك نسبه لا شآن له فى شئ اذ المهم والاهم بما يحكم .انما الطاعة فى المعروف.
2-قوة الشخصية :فقد يكون الحاكم فى اقصى الارض يمينا والمحكوم فى اقصاها الاخر ويأتيه الامر من الحاكم فلا يسعه الا الاذعان له لما وقر فى نفسه من هيبة الحاكم والخوف منه وقد يكون ذلك بدافع الايمان والخوف معا
3-قوة السلاح:فيسوق الحاكم شعبه كما يسوق الراعى غنمه وتكون العصا جزاءا لمن عصى
4-قوة الوهم:حيث يستمر الحاكم فى الحكم اطول فترة ممكنة من خلال اشاعة الفتن ونشر الاكاذيب وصناعة الفوضى والملهيات من آن لاخر حسب الاحتياج لها ومن كثرة ممارسة هذه الامور تصبح الشعوب وقد تعذر عليها الاستغناء عنها فقد وصلت معها الى حد الادمان فقد جرت هذه الامور فى امزجتها مجرى الدم فى العروق ولا تكون هذه الصناعة وقفا على الاجهزة الامنية والخفية والمعلوماتية بل يباشرها ويشارك فيها كثير ممن يعمل داخل النظم الاستبدادية ..
من الثالثة والرابعة استمد النظام السلطوى الذى تأسس عقب انقلاب52نفوذه وسطوته حتى صار الامر الى مبارك فتحكم فى هذا النظام تحكما فاق به اسلافه وتلافى اخطاءهم التى اودت بحياتهم ودانت له اجهزة الدولة ادانة مطلقة وبشكل غير مسبوق حتى صار وحده هو النظام
نعم كان مبارك وحده هو النظام لايشاركه ولا ينازعه فى ذلك احد.
فقد رأينا كيف استبدل مبارك ابو غزالة من وزارة الدفاع بصبرى ابوطالب ثم استبدل صبرى ابوطالب بطنطاوى وكيف مضى الجيش كأن شيئا لم يكن!رغم اننى فى الثمانينات كنت امشى فى الشارع فلا اسمع الا سيرة ابو غزالة ولايكاد مبارك يذكر بجانبه وحينما عزله مبارك مضى الناس فى طريقهم ومضى مبارك فى حكمه وتحكمه
وقد رأينا كيف تعاقب على طنطاوى وحده فى رئاسة الاركان صلاح حلبى وحتاتة ووهيبة وعنان وكلنا فى ذلك الوقت كان يعلم ان اقصى امنية لضابط الجيش بعد تقاعده ان يشغل منصب محافظ وحينما تكون بايضة فى القفص يكون سفيرا كما كان مبارك نفسه يتمنى
نعم كان مبارك وحده هو النظام لايشاركه ولا ينازعه فى ذلك احد.
فقد رأينا كيف تعاقب عليه فى مجلس الوزراء فؤاد محى الدين وكمال حسن على وعلى لطفى وعاطف صدقى والجنزورى وعبيد ونظيف ثم شفيق فى الوقت الضائع
وقد رأينا كيف تعاقب عليه فى الداخلية احمد رشدى وزكى بدر وعبدالحليم موسى وحسن الالفى والعادلى
وقد رأينا كيف تعاقب عليه فى الاهرام ابراهيم نافع ومرسى عطالله وعبدالمنعم سعيد
وقد رأينا كيف تعاقب عليه فى الاهلى عبده صالح الوحش وصالح سليم وحسن حمدى
وكذلك تعاقب عليه كثر فى الاجهزة السرية والمعلوماتية حتى فى حرسه الجمهورى
كانت اقصى امانى من عمل مع مبارك بدءا من رئيس الوزراء حتى اصغر عامل فى اقصى ضاحية من البلد ان يرضى مبارك عليه ليمد له فى خدمته عام او اكثر او يحظى بالقرب منه وكانوا جميعا جادون حينما كانوا يداعبونه او ينافقونه بأن السير على شخبطة اولاده هى مستقبلهم المأمول!
وقد ساعد مبارك على ذلك طول بقاءه وازاحة كل اقرانه والطامعين فى الحكم بذكاء بالغ لا يكاد يشعر به احد
واعتمد على عاطفة احترام الكبير (الفارق العمرى بينه وبين نظيف مثلا24عاما!) وبأن القادم من المنطقة الخلفية لايعلم عن دائرة الحكم الا ما يعلمه هو اياه فضلا على ان القادم من المنطقة الخلفية الى دائرة الحكم كان لا يقدم عليها الا بعد غربلة امنية لاتخر الماء
فلما وقع زلزال يناير وما حدث فى يناير ثورة وليس مؤامرة داخلية او خارجية يعزى الفضل فى نجاحها فى بادئ الامر الى موقف رشيد عمار قائد اركان الجيش التونسى فهذا هو الذى حد من موقف الجيش فى مصر من الثورة حتى ولو فى الظاهر والا فقد كان الجيش ومعه باقى اجهزة الدولة حريصون على بقاء مبارك يشهد لذلك حماية الجيش لموقعة الجمل وحوار مدير المخابرات الحربية مع البلتاجى وغير ذلك مما يعرفه الجميع ولم يتدخل الجيش للضغط على مبارك الا بعد ان بلغت الثورة ذراها ودنت من الانفجار!وسقط مبارك
ولآن الثورة كانت حقيقية وجادة اسلمت اجهزة الدولة زمامها للجيش يتصرف فيها كما كان مبارك يتصرف فلم يكن امامها خيار سوى ذلك ولعلمها ان الكفة التى فيها الجيش هى الراجحة فالبقاء فى صراع القوة للاقوى والاوعى هذا من جهة ومن جهة أخرى
هذه الاجهزة لم تكن مؤمنة بالثورة فقد تقاسم معهم مبارك الامر يورث ابنه الحكم فى مقابل ان تورث هذه الاجهزة ابناءها العمل فيها ومثل هذا الصنف ليست له دوافع للثورة بل يرى فى الثورة طائرا باغته وخطف رغيفه وينبغى عليه استرداد الرغيف بأى طريقة!
وفى الوقت الذى كان الجيش يرتب اوراقه كانت قوى الشر الحاكمة للعالم قد تمالآت مع اذنابها للالتفاف على الثورة والقضاء عليها وانتهت الى السيناريو الذى جرى تنفيذه حيث تكون من كافة اجهزة الدولة دولة عميقة تولت مسؤلية اجهاض الثورة ووأدها ونفذ كل جهاز دوره فى هذه الموامرة باتقان بالغ وكان رأس الحربة البارز فى هذه المؤامرة هو القضاء!ولم يكن دور الاجهزة الخفية بأقل من دور القضاء فى هذه المؤامرة فقد قامت بتأجيج نار الفرقة والبغض بين الثوار وقامت بالمجازر والازمات الخانقة المتلاحقة وأحالت حياة المصريين الى جحيم لايطاق فى سنة مرسى حتى كفر كثير من الشعب بالثورة بل ولعنها وتندم على ايام مبارك!وجرى ما جرى
كان لزاما على قوى الشر الاعمق التى تحكم العالم ان تسترد النظام فى مصر اذ السقوط الحقيقى للنظام فى مصر يستلزم بالضرورة سقوط الانظمة على الاقل فى المنطقة المحيطة وهذا فيه ما فيه من ازعاج قوى الشر فهى من زرع هذه الانظمة مثلما زرعت اسرائيل وبأمرها تتحرك وبأمرها تسكن وينبغى على الاقل ألا يأتى نظام يهدد اسرائيل بأى نوع من انواع التهديد حتى ولو على المدى البعيد لتبقى مصالحها ونفوذها فى المنطقة كما هى
ان الاشكال الان ليس مع الدولة العميقة بقدر ما هو قائم مع قوى الشر الاعمق اذ تستطيع هذه القوى كلما ذهبت دولة عميقة ان تأتى بأخرى فما اكثر جنودها واغراءتها واثوابها الزائفة وما اجذر تغلعلها فى منطقتنا على وجه الخصوص !
لذا فلن تجدى اى ثورة مالم تصل الى صيغة تفاهم حقيقية وتامة مع قوى الشر الاعمق .
ليس هذا تيئيسا من الثورة ولكنها نقطة ضوء ضرورية على الطريق حتى لا نرجع الى الوراء فى كل مرة ونندم
حيث لاينفع الندم!لايبغى للثورة ان تخمد بجال فحتما ستاتى الساعة التى تفرض فيها كلمتها ولن يكون ذلك الا بالاعداد الجيد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق