الأحد، 19 أكتوبر 2014

الشاعر عبدالرحمن يوسف ثمن حكم العسكر


الشاعر

عبدالرحمن يوسف

ثمن حكم العسكر


(يسقط يسقط حكم العسكر) ليس شعارا معقدا، وليس شأنا خاصا بالمثقفين والبهوات، وليس ترفا بعيدا عن هموم الناس، بل هو جوهر الأزمة التي يمر بها الوطن، وسبب سائر مشاكل البسطاء.
كيف ذلك؟

دعني أحاول التوضيح ببعض الأمثلة :

هل تذكر حفيد الرئيس المخلوع مبارك الذي توفي في صيف عام 2009 رحمه الله (أعني الحفيد)؟

حفيد رئيس الجمهورية القابع على أنفاسنا منذ ربع قرن توفي، ولم يتمكن أحد من نجدته، وما أعرفه أن حالته كان من الممكن إنقاذها (حسب معلومات وصلتني من طبيب له علاقة بعائلة الرئيس المخلوع).

حكم العسكر يعني أن ينخر السوس في سائر المؤسسات بحيث لا تتمكن هذه المؤسسات من القيام بواجبها مهما فعلت، حتى لو كان هذا الواجب من أجل رئيس الجمهورية نفسه، إنه الثمن الباهظ الذي يدفعه الجميع جراء استمرار الحكم العسكري. 

مثال آخر : حكم العسكر في مصر تسبب في تبوير أكثر من مليوني فدان، وتراه في نفس الوقت استصلح ما يقرب من مليون ونصف فدان، ولكنه عاد وبَوَّرَ مئات الآلاف من الفدادين التي استصلحها للزراعة، وإذا أردت أن ترى ذلك فاذهب إلى طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، وشاهد المهزلة بعينيك، أراض صحراوية أنفقت الدولة مليارات لكي تحولها لأراض زراعية، ثم في نهاية الأمر تم تبويرها والبناء عليها !

لا توجد خطة في حكم العسكر، وإذا وجدت خطة (مثل استصلاح أراضي الصحراء) فإنها خطة على الورق، ولا يوجد أي ضمانة لتنفيذها، وإذا تم تنفيذها لا مانع من الانقلاب عليها، لا أحد يحاسًب في هذا النوع من الأنظمة.

إن حكم العسكر لا يعني مجرد مواد في الدستور تمكِّن المؤسسة العسكرية من حكم البلد، أو صلاحيات للجيش والشرطة، ولا حتى تخصيص المناصب الكبرى للعسكريين المتقاعدين، بل إنه يعني أسوأ من ذلك بكثير، فالعسكري بطبيعته لا يعبأ بما يسمى (الخسائر البشرية)، فالموت أمر طبيعي في أرض المعركة، بل إن هنالك نسبة وفيات في التدريبات والمناورات، وبالتالي (موت المواطن) بالنسبة له ليس أكثر من حدث طبيعي من أحداث الحياة، لا ينبغي الشكوى منه أصلا، وهو أمر لا يؤثر في نفسية العسكري على المستوى العاطفي أو المهني.

فإذا كان هذا رأيهم في موت المواطن، فتأكد أنهم لا يلقون بالا لما هو أقل !

الجهل سمة للأنظمة العسكرية، وثمن يدفعه المجتمع، وهذا ما نراه في مصر اليوم، انهارت جميع مؤسسات التعليم، لدرجة أن ثلث طلاب المدارس الإعدادية والثانوية لا يعرفون القراءة والكتابة أصلا !!!

مثال آخر : من أهم سمات الحكم العسكري التفريط في الثروات، سائر الثروات، فترى النظام الحالي قد فرّط في حقل غاز من الممكن أن يُدِرَّ مليارات الدولارات لخزينة الدولة، وترى نظام المخلوع فرَّط في غاز مصر وصدَّره لإسرائيل بعشر ثمنه، وغير ذلك من الفضائح المخزية.

مثال آخر : من ضمن ما فرَّط فيه العسكر (على سبيل المثال) ثروة مصر من الخيول العربية الأصيلة، وهي تراكم خبرات أكثر من قرن، فمزرعة الزهراء التي تعتبر من أقدم مرابط الخيل العربية في العالم أصبحت وكأنها (خرابة)، بعد أن كانت في العصر الملكي مهبط أفئدة مقتني خيول الجمال في العالم.

في الستينات فرَّطت مصر في ثروة من الخيول العربية لا تُقَدَّرُ بثمن، من أهمها الحصان الشهير (حليم شاه)، والفرسة الجميلة (منية النفوس) ، وما زالت سلالات هذا الحصان تباع حتى اليوم، وتربح مسابقات الجمال في العالم كله بعد أن باعته مصر بتراب الفلوس.
طبعا لن أحدثك عن ثروات مصر من الآثار، فهي تجارة علية القوم وكبار المسؤولين التي تدر عليهم مليارات الدولارات في سوق سوداء لا يسمح بدخولها إلا لأصحاب النفوذ.

خلاصة القول : الحكم العسكري يؤثر في سائر تفاصيل حياة الناس، وينعكس سلبا على سائر مؤسسات الدولة، وعلى جميع مصالح المواطنين، وأمنهم واستقرارهم، ولم يحدث في التاريخ الحديث أن تمكن حكم عسكري من التقدم بأمة من الأمم.

في الماضي كانت الدولة (أي دولة) تقوم وتزدهر بالجيش، واليوم اختلف الأمر، وأصبحت الدولة تملك المؤسسات، والمؤسسات يحكمها سياسيون منتخبون، والجيش مؤسسة من مؤسسات الدولة، تخضع لرأي الأمة عبر نوابها والمنتخبين، ولكن في مصر ما زال أهل الحكم مصرين على أن نعيش في زمن العصور الوسطى، وأن تظل مصر جيشا يتحكم في كل شيء، دون ضابط من دستور أو قانون.

إلى أن تتغير مصر وتصبح دولة مؤسسات، سنظل جميعا ندفع ثمن حكم العسكر !

أما إذا سألتني متى يحدث ذلك التغيير؟

فإن جوابي إن التغيير قد بدأ في الخامس والعشرين من يناير 2011، وبإمكانك أن تتابع الفصول القادمة قريبا بإذن الله.

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق