جعفر الطلحاوي
إيذاء بعض المُصلِّين جيرانهم في الصف بتركيب أقدامهم على أقدامهم
س: أري بعض المصلين في أثناء الصلاة يقومون بفرد أقدامهم
وامتدادها حتى يتأذي منهم جيرانهم وفيهم الكبير والضعيف والمريض ومن لا قوة
لهم على تحمل ذلك فما المراد بتسوية الصفوف في الصلاة وكيف تكون إقامتها
وما معنى المحاذاة الواردة في أحاديث الصلاة؟
ج :أقول بعد حمد الله تعالى والصلاة والسلام على نبيه ورد في الجامع الصغير.للسيوطي {رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق فو الذي نفسي بيده، إني لأرى الشيطان يدخل من خلال الصف كأنها الحذف} المعنى صِلوا الصفوف بتواصل المناكب وقاربوا بينها بحيث لا يسع مكان بين كل صفين لصف آخر وحتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم ويصير تقارب أشباحكم سبباً لتعاضد أرواحكم وحاذوا بالأعناق بأن يكون عنق كل منكم على سمت عنق الآخر يُقال حذوت النعل بالنعل إذا حاذيته به وحذاء الشيء إزاؤه يعني لا يرتفع بعضكم على بعض ولا عبرة بالأعناق ذاتها إذ ليس على الطويل ولا له أن ينحني حتى يحاذى عنقه عنق القصير الذي بجنبه، ذكره القاضي _وفي الأمر بإقامة الصفوف وتسويتها قال تعالى {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} البقرة /43 وفي الصحيح عند مسلم كتاب الصلاة. باب تسوية الصفوف وإِقامتها وفضل الأول فالأول منها، والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها، وتقديم أولى الفضل وتقريبهم من الإمام.
من حديث أبي مسعود رَضِيَ الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول (استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) قال أبو مسعود (فأنتم اليوم أشد اختلافا). زاد من حديث عبد الله (وإياكم وهيشات الأسواق) وقوله (استووا) أمر بتسوية الصفوف أقول – وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل : المراد بالمسح كونه من الأمام بحيث لا يترك متقدما ولا متأخرا فكلاهما من مظاهر اختلاف واعوجاج الصف. وليس بالضرورة أن يكون المسح رأسيا بحيث تكون كل المناكب في مسطح واحد لاستحالة ذلك ففي الناس القصير والطويل ومن بين ذلك - ومما يرشح هذا المعنى ما قد ورد في كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 205) . لابن الجوزي – رحمه الله تعالى- الْمعْنَى أَنه كَانَ يسويهم فِي الْوُقُوف، فَيرد الْخَارِج ليَقَع الاسْتوَاء.وكذلك رواية النسائي - في سننه كتاب الإمامة/كيف يقوم الإمام الصفوف - عن البراء بن عازب رَضِيَ الله عنه -قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصفوف.
من ناحية إلى ناحية يمسح مناكبنا وصدورنا ويقول: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وكان يقول إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المتقدمة.- ويشهد له كذلك ما في النيل للشوكاني في / أبواب موقف الإمام والمأموم وأحكام الصفوف/باب الحث على تسوية الصفوف ورصها وسد خللها./عن النعمان بن بشير رَضِيَ الله عنهما قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسوي صفوفنا كأنما يسوي به القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوماً فقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف فقال: عباد اللَّه لتسون صفوفكم أو ليخالفن اللَّه بين وجوهكم).رواه الجماعة إلا البخاري _ كما يشهد لهذا المعنى ما روى ابن أبي حاتم من رواية أبي نضرة، قالَ: كانَ ابن عمر إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه، ثم قالَ: أقيموا صفوفكم، استووا قياما، يريد الله بكم هدي الملائكة. ثم يقول: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [الصافات:165]، تأخرْ فلان، تقدمْ فلان، ثم يتقدم فيكبر. فتح الباري لابن رجب (6/ 269)، ويشهد له ما ورد عَن الْبَراء بن عَازِب – رضي الله عنهما - (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَخَلَّل الصَّفّ من نَاحيَة إِلَى نَاحيَة يمسح صدورنا ومناكبنا .." وَفِي لفظ: (كَانَ يَأْتِي من نَاحيَة الصَّفّ إِلَى ناحيته القصوى بَين صُدُور الْقَوْم ومناكبهم) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (5/ 259) ويشهد له أيضا – ما في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 849)( يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا) أَيْ: يَضَعُ يَدَهُ عَلَى أَعْطَافِنَا حَتَّى لَا نَتَقَدَّمَ وَلَا نَتَأَخَّرَ، وفي دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 206) ( يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا) أي يسويّها بيده الكريمة حتى لا يخرج بعضها عن بعض ، وفي موضع آخر (حتى لا يخرج بعض الصف عن بعضه) وعليه فيشهد لهذا المعنى فهم علماء الأمة أن المراد بالتسوية أن يكون المصلُّون في الصف على سمت واحد وهيئة واحدة بلا تقدم ولا تأخر فعند القرطبي المحدث - معنى التهديد والوعيد الوارد في الحديث الشريف عند عدم التسوية قال القرطبي: معناه تفترقون فيأخذ كل واحد وجهاً غير الذي يأخذه صاحبه لأن تقدم الشخص على غيره مظنة للتكبر المفسد للقلب الداعي إلى القطيعة.ومعنى (الحذف) التي تتخلل الفرج بين الصفوف: غنم سود صغار. فكأن الشيطان يتصاغر حتى يدخل ويندس كالغنم الصغار في تضاعيف الصف وبتعيينه صلى الله عليه وسلم الأعناق لا يبقى شك في أن معنى المحاذاة الواردة في أحاديث رص الصفوف إنما هو كما فسره العلماء، ومنهم الإمام المناوي في فيض القدير جعلها على سمت وخط واحد، ومن الشواهد - ما ورد عن عمرو بن ميمون شهدت عمر يوم طعن، فما منعني أن أكون في الصف الأول إلا هيبته، وكان رجلا مهيبا، وكنت في الصف الذي يليه، وكان عمر لا يكبر حتى يستقبل الصف المقدم بوجهه، فإن رأى رجلا متقدما من الصف أو متأخرا ضربه بالدرة، فذلك الذي منعني منه".وعلى هذا فليس المراد "إلصاقها" ببعض إذ يستحيل ذلك بالأعناق. هذا ومع أنه لم يرد الأمر، لا من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من الخلفاء الراشدين، ولا من الأئمة المجتهدين، "بإلصاق" الأقدام، فلا ينتهي عجبك ممن يأمر الناس بذلك عند تسوية الصفوف. ورغم حسن النية عند البعض، فلا يخفى ما في عملهم من المساوئ بسبب عدم الإدراك الدقيق لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبسبب عدم رجوعهم إلى أولي العلم وأهل الذكر في شروح الحديث ولا إلى أقوال الصحابة والأئمة المجتهدين – رضي الله عنهم أجمعين - فمن تلك المساوئ
1- الاشتغال عن تطبيق السنة المذكورة المنصوص عليها، وهي المحاذاة بالمناكب والأعناق.
2- ومنها أنهم ينحنون، وبذلك يتعذر تطبيق تلك السنة على غيرهم كذلك.
3- ومنها أن المبالغين منهم يعتدون أثناء الصلاة فلا يزالون يمدون أقدامهم ليلصقونها بأقدام رفاقهم في الصف، حتى تصل أقدامهم إلى مكان جارهم أو تحت كتفه أو أكثر، ولا يخفى ما في ذلك من الانشغال عن التدبر في صلاتهم وما يتلي فيها من القرآن الكريم، وتشويشهم على الغير.
4- ومنها أن وقفتهم لا تخلو من تفريج القدمين وهو تصنع وتفعل مخالف للسنة والفطرة حيث ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان "كما وقف كبر؟؟" أي بدون تفعُّل وتصنُّع في جميع ما يتعلق بوقفته.
5- ومنها أن الوقفة مع تفريج القدمين إنما هي وِقفة التكبر والتحدي، وليست وقفة العبد المتذلل لربه.- وقد راجعت كثيرا في عدَّة كتب من مصادر ومراجع الحديث النبوي ولم أعثر فيها على الأمر النبوي الصريح الصحيح بالمحاذاة بين الأقدام. وإنما وجدت كلمة "حاذوا" في مثل الحديث: "أقيموا الصفوف، وحاذوا بالمناكب،وحديث "أقيموا الصفوف، فإنما تصفون بصفوف الملائكة، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل..." ولم يرد في أيها الأمر بالمحاذاة بين الأقدام، وإن فُرض وجود الأمر "بالمحاذاة" بين "الأقدام"،فيما وقفت عليه فيما أخرجه ابن مردويه من حديث البراء بن عازب رَضِيَ الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة يمسح مناكبنا وصدورنا، ويقول: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول، وصِلوا المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام، فإن الله يحب في الصلاة ما يحب في القتال {صفا كأنهم بنيان مرصوص} ". فتكون _ أي المحاذاة بين الأقدام _ كالمحاذاة بين الأعناق المذكورة في الأحاديث، والمعنى جعلها على سمت وخط واحد كما تم تفصيله أعلاه. قلت ومن النصوص النبوية ما في الجامع الصغير.لجلال الدين السيوطي أقيموا الصفوف، فإنما تصفون بصفوف الملائكة، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله عز وجل "رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق".)] - وعزاه إلى أحمد في مسنده وأبي داود والطبراني في الكبير عن ابن عمر رَضِيَ الله عنهما وفي حاشية السندي على النسائي، كتاب الإمامة. باب حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بـينها. من حديث أَنَسٌ رَضِيَ الله عنه : أَنّ نَبِـيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَاصّوا صُفُوفَكُمْ وَقَارِبُوا بَـيْنَهَا وَحَاذُوا بِالأَعْنَاقِ فَوَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِـيَدِهِ إنّي لأَرَى الشّيَاطِينَ تَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصّفّ كَأَنّهَا الْحَذَفُ".قال السندي:قوله:"رصوا صفوفكم" أي بانضمام بعضكم إلى بعض على السواء "وقاربوا بـينها" أي اجعلوا ما بـين كل صفين من الفصل قليلاً بحيث يقرب بعض الصفوف إلى بعض "وحاذوا بالأعناق" والمعنى اجعلوا بعض الأعناق في مقابلة بعض وفي [موطأ الإمام مالك] أبواب الصلاة/باب تسوية الصف.وقد ورد أن عثمان بن عفَّان رَضِيَ الله عنه كان يقول في خُطبته: إذا قامت الصلاةُ، فاعْدِلُوا الصفُوفَ، وحَاذُوا بالمَناكِب، فإنَّ اعتدال الصفوف من تمام الصلاة. ثم لا يكبِّر حتى يأتيه رجال قد وكَّلهم بتسوية الصفوف، فيخبرونه أن قد استوتْ فيكبِّر. -).والمعنى لقوله: حاذُوا، أي: قابلوا المناكب بأن لا يكون بعضُها متقدِّماً وبعضُها متأخِّراً، وهو المراد بقول أنس رَضِيَ الله عنه:(كان أحدُنا يُلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه)، وقول النعمان بن بشير: (رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه) (وليس الأمر على ظاهره بل المراد بذلك مبالغة الراوي في تعديل الصف، وسدّ الخلل كما في فتح الباري، 2/176، والعمدة 2/294. وهذا يردّ على الذين يُبالغون في إلزاق كعابهم بكعاب القائمين في الصف ويفرجون جداً للتفريج بين قدميهم مما يؤدي إلى تكلّف وتصنُّع، وقد وقعوا فيه لعدم تنبُّههم للغرض، ولجمودهم على ظاهر الألفاظ،(معارف السنن) 1/292)، والنص عند أبي داود في سننه كما في تهذيب سنن أبي داود، لابن القيم في - كتاب الصلاة- باب تسوية الصفوف.
"أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: أَقِيمُوا الصّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ المَنَاكِبِ وَسُدّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُم وَلاَ تَذَرُوا فَرُجَاتٍ لِلشّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفّا وَصَلَهُ الله وَمَنْ قَطَعَ صَفّا قَطَعَهُ الله". وقد ورد في شرح هذا الحديث في عون المعبود وحاذوا بين المناكب): أي اجعلوا بعضها حذاء بعض بحيث يكون منكب كل واحد من المصلين موازياً لمنكب الآخر ومسامتاً له فتكون المناكب والأعناق والأقدام على سمت واحد ، وعلى خطٍ واحد مستوٍ، وبنفس المعنى قال الشوكاني في نيله أي اجعلوا بعضها حذاء بعض بحيث يكون منكب كل واحد من المصلين موازياً لمنكب الآخر ومسامتاً له فتكون المناكب والأعناق والأقدام على سمت واحد. وفي الأمر بتسوية الصفوف قال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم (لتسون صفوفكم) والمراد بتسوية الصفوف اعتدال القائمين بها على سمت واحد أو يراد بها سد الخلل الذي في الصف قاله في فتح الباري في كِتَاب الْأَذَانِ. باب تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ وَبَعْدَهَا. عند شرح حديث النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ الله عنهما قال قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ وقال المناوي في فيض القدير المراد بتسويتها إتمام الأول فالأول وسد الفرج وتحري القائمين فيها بحيث لا يتقدم صدر واحد ولا شيء منه على من هو بجنبه. وفي النهي عن الاختلاف في قوله (لا تختلفوا): أي بالتقدم والتأخر في الصفوف ، راجع : مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 8).
كَمَا يدل عَلَيْهِ رِوَايَات الحَدِيث راجع : حاشية السندي على سنن النسائي (2/ 87). والحديث عند أحمد في المسند - وعند البخاري / كِتَاب الْأَذَانِ. باب إِلْزَاقِ الْمَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ فِي الصَّفِّ. وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ جاء في فتح الباري، شرح صحيح البخاري، للإمام ابن حجر العسقلاني في المراد بقول النعمان رَضِيَ الله عنه - رأيت الرجل منا يلزق …)قال ابن حجر- المراد- المبالغة في تعديل الصف وسد خلله، قلت: ومما يدل على أن المراد المبالغة في المتابعة لصفوف الملائكة في التسوية والاصطفاف أن المقصود بالكعب في الشرع هو العظمة الناتئة على جانبي القدم وهذه لا يستوى معها مرادهم إذ لا تبقي ملتصقة مع بعضها عند الاستمرار في الخشوع والتدبر ومباشرة أعمال الصلاة . وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كثيرة أجمعها حديث ابن عمر عند أبي داود وصححه ابن خزيمة والحاكم ولفظه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله".
واستدل بحديث النعمان هذا على أن المراد بالكعب في آية الوضوء العظم الناتئ في جانبي الرجل - وهو عند ملتقى الساق والقدم - وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه، خلافا لمن ذهب أن المراد بالكعب مؤخر القدم، وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم، راجع فتح الباري لابن حجر (2/ 211). وأنكر الأصمعي قول من زعم أن الكعب في ظهر القدم. والمراد من التسوية للصفوف كما في الجامع الصغير. لجلال الدين السيوطي ((سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف [وفي رواية: "الصف"]ـ من إقامة الصلاة ["سووا صفوفكم": أي اعتدلوا فيها على سمت واحد، وسدوا فرجها.
والسر في تسويتها مبالغة المتابعة (للملائكة)، فقد روى مسلم من حديث جابر بن سمرة: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قلنا: وكيف تصف عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف، الأول، ويتراصون في الصف. والمطلوب من تسويتها محبة الله لعباده.]ـ وعزاه إلى أحمد في مسنده وقد أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن أنس رَضِيَ الله عنه قلت هذا موافق لقوله تعالى (( إن الله يُحب الذين يُقاتلون في سبيله صفًّا كأنهم بنيان مرصوص)) والأمر بالتسوية للندب لا للوجوب و حكمة التسوية أن التسوية للصفوف من شأن الملائكة، ولأن تقدم البعض ربما أوغر صدور الباقين وشوش خشوعهم كما أشار إليه بقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم (ولا تختلفوا) أي لا يتقدم بعضكم على بعض في الصفوف (فتختلف قلوبكم) وفي رواية صدوركم.
أقول: من مجموع هذه النقول للنصوص النبوية وشروحها الكثيرة يتبيَّن لنا أن المراد بتسوية الصفوف على الذي قال به العلماء كابن حجر في الفتح- ولا هجرة بعد الفتح - وكذا قول السندي في شرحه للنسائي وكذا الشوكاني في نيله وما ورد في موطأ مالك رحمه الله تعالى وفي شرح الجامع الصغير للإمام المناوي وكذا في سنن أبي داود وشرحها في كتاب عون المعبود وتهذيبها لابن القيم كل هذه المراجع والمصادر وغيرها ، المعنى فيها أن تكون الأعناق والمناكب والأقدام على خط واحد وسمت واحد وهيئة واحدة وإنما يُحمل ما ورد عن النعمان وغيره على المبالغة في التسوية ومن المعلوم التفاوت بين الناس في المناكب ارتفاعا وانخفاضا أو طولا وقصرا ويتبع ذلك الأعناق وعليه فالمحاذاة تعني - ما ذهبنا إليه مما قرره أهل العلم سلفا ممن ذكرنا أسماءهم وأقوالهم المنقولة في آثارهم _ أن تكون على سمت واحد وخط واحد.
أمَّا الأقدام فلم يرد في لزقها أمر صريح صحيح من النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ومحاولة لزقها لا يتأتي إلاّ بتكلف ومشقة وتترتب عليه مفاسد جمَّة أشرنا إليها من قبل فنسأل الله تعالى أن يوفقنا لفهم واتباع السنة كما وردت، غير مبدلين ولا مغيرين ولا مفرِّطين ولا مُفْرطين والله ولي التوفيق.
ج :أقول بعد حمد الله تعالى والصلاة والسلام على نبيه ورد في الجامع الصغير.للسيوطي {رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق فو الذي نفسي بيده، إني لأرى الشيطان يدخل من خلال الصف كأنها الحذف} المعنى صِلوا الصفوف بتواصل المناكب وقاربوا بينها بحيث لا يسع مكان بين كل صفين لصف آخر وحتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم ويصير تقارب أشباحكم سبباً لتعاضد أرواحكم وحاذوا بالأعناق بأن يكون عنق كل منكم على سمت عنق الآخر يُقال حذوت النعل بالنعل إذا حاذيته به وحذاء الشيء إزاؤه يعني لا يرتفع بعضكم على بعض ولا عبرة بالأعناق ذاتها إذ ليس على الطويل ولا له أن ينحني حتى يحاذى عنقه عنق القصير الذي بجنبه، ذكره القاضي _وفي الأمر بإقامة الصفوف وتسويتها قال تعالى {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} البقرة /43 وفي الصحيح عند مسلم كتاب الصلاة. باب تسوية الصفوف وإِقامتها وفضل الأول فالأول منها، والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها، وتقديم أولى الفضل وتقريبهم من الإمام.
من حديث أبي مسعود رَضِيَ الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول (استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) قال أبو مسعود (فأنتم اليوم أشد اختلافا). زاد من حديث عبد الله (وإياكم وهيشات الأسواق) وقوله (استووا) أمر بتسوية الصفوف أقول – وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل : المراد بالمسح كونه من الأمام بحيث لا يترك متقدما ولا متأخرا فكلاهما من مظاهر اختلاف واعوجاج الصف. وليس بالضرورة أن يكون المسح رأسيا بحيث تكون كل المناكب في مسطح واحد لاستحالة ذلك ففي الناس القصير والطويل ومن بين ذلك - ومما يرشح هذا المعنى ما قد ورد في كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 205) . لابن الجوزي – رحمه الله تعالى- الْمعْنَى أَنه كَانَ يسويهم فِي الْوُقُوف، فَيرد الْخَارِج ليَقَع الاسْتوَاء.وكذلك رواية النسائي - في سننه كتاب الإمامة/كيف يقوم الإمام الصفوف - عن البراء بن عازب رَضِيَ الله عنه -قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصفوف.
من ناحية إلى ناحية يمسح مناكبنا وصدورنا ويقول: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وكان يقول إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المتقدمة.- ويشهد له كذلك ما في النيل للشوكاني في / أبواب موقف الإمام والمأموم وأحكام الصفوف/باب الحث على تسوية الصفوف ورصها وسد خللها./عن النعمان بن بشير رَضِيَ الله عنهما قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسوي صفوفنا كأنما يسوي به القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوماً فقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف فقال: عباد اللَّه لتسون صفوفكم أو ليخالفن اللَّه بين وجوهكم).رواه الجماعة إلا البخاري _ كما يشهد لهذا المعنى ما روى ابن أبي حاتم من رواية أبي نضرة، قالَ: كانَ ابن عمر إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه، ثم قالَ: أقيموا صفوفكم، استووا قياما، يريد الله بكم هدي الملائكة. ثم يقول: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [الصافات:165]، تأخرْ فلان، تقدمْ فلان، ثم يتقدم فيكبر. فتح الباري لابن رجب (6/ 269)، ويشهد له ما ورد عَن الْبَراء بن عَازِب – رضي الله عنهما - (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَخَلَّل الصَّفّ من نَاحيَة إِلَى نَاحيَة يمسح صدورنا ومناكبنا .." وَفِي لفظ: (كَانَ يَأْتِي من نَاحيَة الصَّفّ إِلَى ناحيته القصوى بَين صُدُور الْقَوْم ومناكبهم) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (5/ 259) ويشهد له أيضا – ما في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 849)( يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا) أَيْ: يَضَعُ يَدَهُ عَلَى أَعْطَافِنَا حَتَّى لَا نَتَقَدَّمَ وَلَا نَتَأَخَّرَ، وفي دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 206) ( يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا) أي يسويّها بيده الكريمة حتى لا يخرج بعضها عن بعض ، وفي موضع آخر (حتى لا يخرج بعض الصف عن بعضه) وعليه فيشهد لهذا المعنى فهم علماء الأمة أن المراد بالتسوية أن يكون المصلُّون في الصف على سمت واحد وهيئة واحدة بلا تقدم ولا تأخر فعند القرطبي المحدث - معنى التهديد والوعيد الوارد في الحديث الشريف عند عدم التسوية قال القرطبي: معناه تفترقون فيأخذ كل واحد وجهاً غير الذي يأخذه صاحبه لأن تقدم الشخص على غيره مظنة للتكبر المفسد للقلب الداعي إلى القطيعة.ومعنى (الحذف) التي تتخلل الفرج بين الصفوف: غنم سود صغار. فكأن الشيطان يتصاغر حتى يدخل ويندس كالغنم الصغار في تضاعيف الصف وبتعيينه صلى الله عليه وسلم الأعناق لا يبقى شك في أن معنى المحاذاة الواردة في أحاديث رص الصفوف إنما هو كما فسره العلماء، ومنهم الإمام المناوي في فيض القدير جعلها على سمت وخط واحد، ومن الشواهد - ما ورد عن عمرو بن ميمون شهدت عمر يوم طعن، فما منعني أن أكون في الصف الأول إلا هيبته، وكان رجلا مهيبا، وكنت في الصف الذي يليه، وكان عمر لا يكبر حتى يستقبل الصف المقدم بوجهه، فإن رأى رجلا متقدما من الصف أو متأخرا ضربه بالدرة، فذلك الذي منعني منه".وعلى هذا فليس المراد "إلصاقها" ببعض إذ يستحيل ذلك بالأعناق. هذا ومع أنه لم يرد الأمر، لا من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من الخلفاء الراشدين، ولا من الأئمة المجتهدين، "بإلصاق" الأقدام، فلا ينتهي عجبك ممن يأمر الناس بذلك عند تسوية الصفوف. ورغم حسن النية عند البعض، فلا يخفى ما في عملهم من المساوئ بسبب عدم الإدراك الدقيق لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبسبب عدم رجوعهم إلى أولي العلم وأهل الذكر في شروح الحديث ولا إلى أقوال الصحابة والأئمة المجتهدين – رضي الله عنهم أجمعين - فمن تلك المساوئ
1- الاشتغال عن تطبيق السنة المذكورة المنصوص عليها، وهي المحاذاة بالمناكب والأعناق.
2- ومنها أنهم ينحنون، وبذلك يتعذر تطبيق تلك السنة على غيرهم كذلك.
3- ومنها أن المبالغين منهم يعتدون أثناء الصلاة فلا يزالون يمدون أقدامهم ليلصقونها بأقدام رفاقهم في الصف، حتى تصل أقدامهم إلى مكان جارهم أو تحت كتفه أو أكثر، ولا يخفى ما في ذلك من الانشغال عن التدبر في صلاتهم وما يتلي فيها من القرآن الكريم، وتشويشهم على الغير.
4- ومنها أن وقفتهم لا تخلو من تفريج القدمين وهو تصنع وتفعل مخالف للسنة والفطرة حيث ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان "كما وقف كبر؟؟" أي بدون تفعُّل وتصنُّع في جميع ما يتعلق بوقفته.
5- ومنها أن الوقفة مع تفريج القدمين إنما هي وِقفة التكبر والتحدي، وليست وقفة العبد المتذلل لربه.- وقد راجعت كثيرا في عدَّة كتب من مصادر ومراجع الحديث النبوي ولم أعثر فيها على الأمر النبوي الصريح الصحيح بالمحاذاة بين الأقدام. وإنما وجدت كلمة "حاذوا" في مثل الحديث: "أقيموا الصفوف، وحاذوا بالمناكب،وحديث "أقيموا الصفوف، فإنما تصفون بصفوف الملائكة، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل..." ولم يرد في أيها الأمر بالمحاذاة بين الأقدام، وإن فُرض وجود الأمر "بالمحاذاة" بين "الأقدام"،فيما وقفت عليه فيما أخرجه ابن مردويه من حديث البراء بن عازب رَضِيَ الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة يمسح مناكبنا وصدورنا، ويقول: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول، وصِلوا المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام، فإن الله يحب في الصلاة ما يحب في القتال {صفا كأنهم بنيان مرصوص} ". فتكون _ أي المحاذاة بين الأقدام _ كالمحاذاة بين الأعناق المذكورة في الأحاديث، والمعنى جعلها على سمت وخط واحد كما تم تفصيله أعلاه. قلت ومن النصوص النبوية ما في الجامع الصغير.لجلال الدين السيوطي أقيموا الصفوف، فإنما تصفون بصفوف الملائكة، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله عز وجل "رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق".)] - وعزاه إلى أحمد في مسنده وأبي داود والطبراني في الكبير عن ابن عمر رَضِيَ الله عنهما وفي حاشية السندي على النسائي، كتاب الإمامة. باب حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بـينها. من حديث أَنَسٌ رَضِيَ الله عنه : أَنّ نَبِـيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَاصّوا صُفُوفَكُمْ وَقَارِبُوا بَـيْنَهَا وَحَاذُوا بِالأَعْنَاقِ فَوَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِـيَدِهِ إنّي لأَرَى الشّيَاطِينَ تَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصّفّ كَأَنّهَا الْحَذَفُ".قال السندي:قوله:"رصوا صفوفكم" أي بانضمام بعضكم إلى بعض على السواء "وقاربوا بـينها" أي اجعلوا ما بـين كل صفين من الفصل قليلاً بحيث يقرب بعض الصفوف إلى بعض "وحاذوا بالأعناق" والمعنى اجعلوا بعض الأعناق في مقابلة بعض وفي [موطأ الإمام مالك] أبواب الصلاة/باب تسوية الصف.وقد ورد أن عثمان بن عفَّان رَضِيَ الله عنه كان يقول في خُطبته: إذا قامت الصلاةُ، فاعْدِلُوا الصفُوفَ، وحَاذُوا بالمَناكِب، فإنَّ اعتدال الصفوف من تمام الصلاة. ثم لا يكبِّر حتى يأتيه رجال قد وكَّلهم بتسوية الصفوف، فيخبرونه أن قد استوتْ فيكبِّر. -).والمعنى لقوله: حاذُوا، أي: قابلوا المناكب بأن لا يكون بعضُها متقدِّماً وبعضُها متأخِّراً، وهو المراد بقول أنس رَضِيَ الله عنه:(كان أحدُنا يُلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه)، وقول النعمان بن بشير: (رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه) (وليس الأمر على ظاهره بل المراد بذلك مبالغة الراوي في تعديل الصف، وسدّ الخلل كما في فتح الباري، 2/176، والعمدة 2/294. وهذا يردّ على الذين يُبالغون في إلزاق كعابهم بكعاب القائمين في الصف ويفرجون جداً للتفريج بين قدميهم مما يؤدي إلى تكلّف وتصنُّع، وقد وقعوا فيه لعدم تنبُّههم للغرض، ولجمودهم على ظاهر الألفاظ،(معارف السنن) 1/292)، والنص عند أبي داود في سننه كما في تهذيب سنن أبي داود، لابن القيم في - كتاب الصلاة- باب تسوية الصفوف.
"أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: أَقِيمُوا الصّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ المَنَاكِبِ وَسُدّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُم وَلاَ تَذَرُوا فَرُجَاتٍ لِلشّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفّا وَصَلَهُ الله وَمَنْ قَطَعَ صَفّا قَطَعَهُ الله". وقد ورد في شرح هذا الحديث في عون المعبود وحاذوا بين المناكب): أي اجعلوا بعضها حذاء بعض بحيث يكون منكب كل واحد من المصلين موازياً لمنكب الآخر ومسامتاً له فتكون المناكب والأعناق والأقدام على سمت واحد ، وعلى خطٍ واحد مستوٍ، وبنفس المعنى قال الشوكاني في نيله أي اجعلوا بعضها حذاء بعض بحيث يكون منكب كل واحد من المصلين موازياً لمنكب الآخر ومسامتاً له فتكون المناكب والأعناق والأقدام على سمت واحد. وفي الأمر بتسوية الصفوف قال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم (لتسون صفوفكم) والمراد بتسوية الصفوف اعتدال القائمين بها على سمت واحد أو يراد بها سد الخلل الذي في الصف قاله في فتح الباري في كِتَاب الْأَذَانِ. باب تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ وَبَعْدَهَا. عند شرح حديث النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ الله عنهما قال قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ وقال المناوي في فيض القدير المراد بتسويتها إتمام الأول فالأول وسد الفرج وتحري القائمين فيها بحيث لا يتقدم صدر واحد ولا شيء منه على من هو بجنبه. وفي النهي عن الاختلاف في قوله (لا تختلفوا): أي بالتقدم والتأخر في الصفوف ، راجع : مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 8).
كَمَا يدل عَلَيْهِ رِوَايَات الحَدِيث راجع : حاشية السندي على سنن النسائي (2/ 87). والحديث عند أحمد في المسند - وعند البخاري / كِتَاب الْأَذَانِ. باب إِلْزَاقِ الْمَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ فِي الصَّفِّ. وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ جاء في فتح الباري، شرح صحيح البخاري، للإمام ابن حجر العسقلاني في المراد بقول النعمان رَضِيَ الله عنه - رأيت الرجل منا يلزق …)قال ابن حجر- المراد- المبالغة في تعديل الصف وسد خلله، قلت: ومما يدل على أن المراد المبالغة في المتابعة لصفوف الملائكة في التسوية والاصطفاف أن المقصود بالكعب في الشرع هو العظمة الناتئة على جانبي القدم وهذه لا يستوى معها مرادهم إذ لا تبقي ملتصقة مع بعضها عند الاستمرار في الخشوع والتدبر ومباشرة أعمال الصلاة . وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كثيرة أجمعها حديث ابن عمر عند أبي داود وصححه ابن خزيمة والحاكم ولفظه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله".
واستدل بحديث النعمان هذا على أن المراد بالكعب في آية الوضوء العظم الناتئ في جانبي الرجل - وهو عند ملتقى الساق والقدم - وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه، خلافا لمن ذهب أن المراد بالكعب مؤخر القدم، وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم، راجع فتح الباري لابن حجر (2/ 211). وأنكر الأصمعي قول من زعم أن الكعب في ظهر القدم. والمراد من التسوية للصفوف كما في الجامع الصغير. لجلال الدين السيوطي ((سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف [وفي رواية: "الصف"]ـ من إقامة الصلاة ["سووا صفوفكم": أي اعتدلوا فيها على سمت واحد، وسدوا فرجها.
والسر في تسويتها مبالغة المتابعة (للملائكة)، فقد روى مسلم من حديث جابر بن سمرة: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قلنا: وكيف تصف عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف، الأول، ويتراصون في الصف. والمطلوب من تسويتها محبة الله لعباده.]ـ وعزاه إلى أحمد في مسنده وقد أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن أنس رَضِيَ الله عنه قلت هذا موافق لقوله تعالى (( إن الله يُحب الذين يُقاتلون في سبيله صفًّا كأنهم بنيان مرصوص)) والأمر بالتسوية للندب لا للوجوب و حكمة التسوية أن التسوية للصفوف من شأن الملائكة، ولأن تقدم البعض ربما أوغر صدور الباقين وشوش خشوعهم كما أشار إليه بقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم (ولا تختلفوا) أي لا يتقدم بعضكم على بعض في الصفوف (فتختلف قلوبكم) وفي رواية صدوركم.
أقول: من مجموع هذه النقول للنصوص النبوية وشروحها الكثيرة يتبيَّن لنا أن المراد بتسوية الصفوف على الذي قال به العلماء كابن حجر في الفتح- ولا هجرة بعد الفتح - وكذا قول السندي في شرحه للنسائي وكذا الشوكاني في نيله وما ورد في موطأ مالك رحمه الله تعالى وفي شرح الجامع الصغير للإمام المناوي وكذا في سنن أبي داود وشرحها في كتاب عون المعبود وتهذيبها لابن القيم كل هذه المراجع والمصادر وغيرها ، المعنى فيها أن تكون الأعناق والمناكب والأقدام على خط واحد وسمت واحد وهيئة واحدة وإنما يُحمل ما ورد عن النعمان وغيره على المبالغة في التسوية ومن المعلوم التفاوت بين الناس في المناكب ارتفاعا وانخفاضا أو طولا وقصرا ويتبع ذلك الأعناق وعليه فالمحاذاة تعني - ما ذهبنا إليه مما قرره أهل العلم سلفا ممن ذكرنا أسماءهم وأقوالهم المنقولة في آثارهم _ أن تكون على سمت واحد وخط واحد.
أمَّا الأقدام فلم يرد في لزقها أمر صريح صحيح من النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ومحاولة لزقها لا يتأتي إلاّ بتكلف ومشقة وتترتب عليه مفاسد جمَّة أشرنا إليها من قبل فنسأل الله تعالى أن يوفقنا لفهم واتباع السنة كما وردت، غير مبدلين ولا مغيرين ولا مفرِّطين ولا مُفْرطين والله ولي التوفيق.
( جعفر الطلحاوي )
البريد الاليكترونى:
sh_ga3far@hotmail.com
البريد الاليكترونى:
sh_ga3far@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق