الأحد، 26 أكتوبر 2014

أ. وائل قنديل يكتب: أين الأباتشي؟



أ. وائل قنديل يكتب: أين الأباتشي؟
 
ما جرى وسيجري في سيناء ليس تعبيرا عن فشل سياسي وأمني فقط، بل هو تجسيد لمعنى الانهيار الحضاري .. فأن تتصرف قيادة سياسية بمنطق أن "إحراق الجسد هو الحل الأسهل لتخليصه من المرض"؛ فهذا يعني باختصار أننا بصدد قيادة "نيرونية"عمياء لا تتورع عن قتل الجميع وحرقهم طلبا للدفء في بيت السلطة. 
لو عدت بالذاكرة إلى ما حدث في يوم 24 يوليو/تموز 2013 ستجد الفريق أول عبد الفتاح السيسي الحاكم العسكري لمصر، يطلب من المصريين النزول إلى الشوارع؛ لإعلان تأييدهم للجيش ويقول "أطلب من المصريين الشرفاء النزول يوم الجمعة القادم؛ لكي يعطوه تفويضا وأمرا لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل". 
بعد عشرين يوما وفي 14 أغسطس/آب الفريق الحاصل على التفويض، والأمر يأمر قواته بالإغارة على عشرات الآلاف من المعتصمين فيقتل أكثر من ثلاثة آلاف في خلال ساعتين. 
بعدها خرج الجنرال وإعلامه ليقول إنه كان لا بد من هذه الجريمة لكي يحمي الدولة من السقوط، وللقضاء على الإرهاب، ثم واصلوا اللعب بالتفويض والأمر في مقتلة لم تتوقف يوما واحدا في كل ربوع مصر، وبالأخص سيناء. 
وباسم "التفويض والأمر" كانت الشراكة بالصمت المتواطئ، والتحريض العلني أحيانا، في المجزرة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، حيث تم استثمار العدوان في ابتزاز المصريين أمنيا مرة أخرى، من خلال حملة مسعورة -دبلوماسيا وإعلاميا- تربط بين المقاومة الفلسطينية وما يدور على أرض سيناء. 
لقد كان العدوان على غزة فرصة للإدارة المصرية لكي تجدد نيتها في المضي قدما بتلك العلاقة الآثمة مع الكيان الصهيوني، والضغط على الإدارة الأميركية لكي تفرج عن طائرات الأباتشي المحتجزة والإفراج عن المعونات المتعثرة، والحجة "القضاء على العنف والإرهاب في سيناء". 
وانتهى العدوان الإسرائيلي على غزة وكانت تلك هي النتائج من واقع الصحافة الصهيونية: 
معاريف قالت: أهم نتيجة للحرب على حماس هي تعزيز الشراكة الإستراتيجية مع مصر". 
وأيضا: "مصر وإسرائيل تنسقان لليوم التالي للحرب، وستحرصان على عدم استفادة حماس من مشاريع إعادة إعمار غزة". 
وفي أمريكا قال إريك تراجر من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إن "السيسي يشارك وجهة النظر نفسها مع واشنطن وإسرائيل عن كون حماس منظمة إرهابية وتهديداً استراتيجيّاً، ويمكن لواشنطن الاعتماد على السيسي كشريك لعزل حماس". 
وبالفعل بدأ جني الثمار بعد العدوان مباشرة، إذ ذهب جنرال مصر إلى الولايات المتحدة واثقا من العودة بطائرات الأباتشي، كمكافأة على الموقف من العدوان الإسرائيلي حتى أن البنتاجون أعلن صراحة أن "سبب الإفراج عن طائرات الأباتشي لمصر، هو أنها ستساعد الحكومة المصرية في التصدي للمتطرفين الذين يهددون الأمن الأميركي والمصري والإسرائيلي". 
ولعلك تذكر العبارة الشهيرة لعبد الفتاح السيسي، حين سأله مذيع شبكة "cbs" عن دور مصر في الحرب على الإرهاب، فقال "ادونا الأباتشي الأول" وبالفعل لم تكذب واشنطن خبرا وعادت الأباتشي، الأمر الذي يحتم على "العسكري" الذي يحكم مصر أن يجيب عن سؤال: ماذا فعلت بالتفويض والأمر، وبالتشريعات المجففة للحياة الآدمية، وبالأباتشي وبمنع التظاهر وبقوانين الإرهاب؟ 
إن تهجير سيناء من البشر يحمل أخطارا كارثية على مصر كلها، غير أن الأخطر أن التربص بقطاع غزة كان أول ما لاح من رد الفعل الرسمي المصري، ولن يتوقف الأمر عند موضوع الأنفاق، بل يتجاوز ذلك إلى ما ينذر بحماقات قادمة لا تقل فداحة عن التورط في ليبيا.
**************
 "العربي الجديد".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق