الأحد، 26 أكتوبر 2014

سيف عبدالفتاح: الفراغ والتفريغ والعزل.. سياسة الانقلاب التي قتلت الجنود

سيف عبدالفتاح: الفراغ والتفريغ والعزل.. سياسة الانقلاب التي قتلت الجنود

د. سيف الدين عبد الفتاح
26/10/2014
قال الدكتور "سيف الدين عبدالفتاح" أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن الخطاب الذي يقال عقب كل حادث في سيناء بات مكرراً بل محفوظاً.
وكتب في مقالة له بعنوان" سيناء مجدداً " نشرت بموقع "مصر العربية":" كتبت مقالة سابقة في الأسبوع الماضي حول "تناقض قاتل واتهام باطل"، وقبيل الحادث الجلل الذي وقع مؤخرا في سيناء (الشيخ زويد) أشرت في فقرتين إلى أمور لعلها تباشر تحليلا مسبقا لذلك الحدث ويجعلنا نتوقف أكثر من مرة حيال قضية سيناء والنظر إليها وفق منظورات متعددة بدت كلها تختط مسارا أمنيا في التعامل مع أهالي سيناء ، "إلا أنه من غير أن يدري- النظام الانقلابي- أو يدري جعل الأمر ينال من صورة الاستقرار في الداخل والخارج خاصة مع تلك الأحداث التي تتوالى في إطار عمليات طالت أرض سيناء لا يعرف لها من نتائج حقيقية يمكن أن توفر معنى الأمن والأمان ، مع وعود متكررة كاذبة بأنه سيتم القضاء على كل ما يهدد الاستقرار في سيناء.
وأضاف قائلاً:"بعد مرور أيام من كل تصريح تأتي عملية استهداف خطيرة للجنود على أرض سيناء وفي كل مرة يأتي الخطاب مكرورا معادا حتى صار محفوظا "من أن هذا الحادث أو ذاك لن يمر بدون ثأر أو انتقام".. "وفي كل تلك الصور التي تحمل تزييفا للخطر يغيب الخطر الحقيقي الذي تمثله إسرائيل وانتهاكاتها المتكررة واقتحاماتها لباحات المسجد الأقصى من دون أن تنطق مصر الرسمية بأي بيان أو تصريح حول هذا الشأن وكأنهم يستبدلون هذا الخطر الحقيقي بخطر واهم زائف مصطنع على نحو متعمد".
وتابع :" سيناء ليست جزءا جغرافيا فقط رغم أهمية هذا الجانب كما أوضحه جمال حمدان حيث تبلغ مساحة سيناء 6% من مساحة مصر، نحو ثلاثة أمثال مساحة الدلتا، كما أنها تمتد في العمق المصري لما يقرب من الثلث، وتعد إقليما فريدا بين أقاليم مصر في وضعيتها الطبيعية فهي تشبه الجزيرة الكبيرة المتفردة الوحيدة في يابس مصر القاري المندمج الرصيف المتصل بلا انقطاع، وهي أكثر منطقة في مصر يتداخل فيها اليابس والماء بشدة على التقاطع وفي أكثر من اتجاه، فلسيناء أطول ساحل بالنسبة إلى مساحتها في مصر، وليس في سيناء نقطة تبعد عن البحر إلا قليلا".
وأكمل قائلاً:"لقد فتحت هذه القضية واسعا المسائل التي تتعلق بمفهوم "الأمن القومي" ومفهوم "الوطن والشعب" ومفهوم "الجماعة الوطنية" بما يعبر عن مثلث لا يمكن التهاون فيه أو العبث به، يعبر عن حقائق ثابتة ثبات الجغرافيا في سيناء، وحركة حوادث التاريخ على أراضيها باعتبارها كما تشكل فاصلة جغرافية فهي واصلة استراتيجية؛ إذ تعبر سيناء عن معمل تجريب لإعمال مفهوم الأمن القومي لمصر وفي سياق يتعرف على هذا الأمن في حماية الحدود والحفاظ على الوجود".
وأوضح عبدالفتاح انه :"على هذا تبدو المسألة التي تتعلق بتكرار حوادث قتل الجنود على أرض سيناء من دون عمل جوهري يكشف الستار عن حقيقة الواقع المتشابك في سيناء تجتمع فيه عناصر لتفاعل البشر والجغرافيا والاجتماع والموارد والذاكرة التاريخية لتعبر بذلك عن تشكيل من ثوابت الأمن القومي المصري يجب أن يتحرك فيها وعليها صانع القرار من غير مزيد من تزيد أو محاولة حرف وجهة الأمن القومي عن ثوابتها الأساسية ومساراتها الكلية"..
وأردف :" إذا كان "جمال حمدان" قد تحدث عن التمييز بين الموقع والموضع بالنسبة لمصر وسيناء على وجه الخصوص فإن استلهام هذا المعنى يؤكد أن الأبعاد الاستراتيجية والمستقبلية بالنسبة لسيناء غير قابلة للجدل كما أنها لا تحتمل النفاق السياسي أو أساليب الجوقة الإعلامية في المزايدات أو اجتهادات المراهقين التي يمثلها الخبراء الاستراتيجيون (الخوابير الاستراتيجيون) الذين يدقون أسافين في جوهر الأمن القومي المصري في مصر وسيناء لينقضوه أو يبددوه".
وأستطرد عبدالفتاح قائلاً:"الحديث عن الأمن القومي في سيناء ليس حديثا إعلاميا أو دعائيا ولكنه من ضرورات الأمن القومي المصري تحدد العدو في بوابة مصر الشرقية التي تشكل ساحة ومساحة لكثير من المعارك العسكرية والميدانية، ولا يجدي في ذلك أي أمر بالحديث عن مؤامرة من الخارج، أو فكرة صناعة المخاطر، أو عمليات التأزيم السياسي المتكرر، أو كل ما يتعلق بفزاعة الإرهاب التي تشكل في حقيقة أمرها فزاعة حاجبة وليست كاشفة، فمن اليسير أن تتحدث عن محاربة إرهاب في سيناء".
وقال :من العجيب حقا أن تقر أمرا يتعلق بالفراغ السيناوي الذي نتج عن أمور موروثة وكرستها حروب مصر أعوام 1948، 1956، 1967، 1973، تكرّس ذلك وتُوج بعد ذلك باتفاقية كامب ديفيد التي حافظت على هذا الفراغ والتفريغ وجعلت منه قاعدة حياتية ومعطى سياسيا أسهم في النظرة السلبية لسيناء وموقعها الجغرافي واعتباراتها الاستراتيجية.
وأكد أن كل ذلك شكل بيئة خطيرة جعلت التعامل مع الملف السيناوي كملف أمني، قائلاً وللأسف الشديد كان عنوانه التدمير في إطار إنكار الحالة الواصلة بين سيناء ومحيطها الجغرافي خاصة في امتداده العربي، فكان وجود الكيان الصهيوني من العوامل التي تحكمت في القضية السيناوية ودشنت لها المسار وكادت أن تحدد فيها الخيار والقرار، إلا أن الملف السيناوي في حقيقته هو ملف تنموي تعميري يقوم على قاعدة الملء لا التفريغ ،أي تكثيف الوجود السكاني والبشري كتأمين إنساني لجغرافيا سيناء وامتدادها في مواجهة الخصوم والأعداء والأطماع المتعلقة بها.
وأضاف:" لكنه للأسف الشديد بدت هذه الرؤية بأبجدياتها البدهية موضع تشكيك وخلاف فصارت الخطط على طريق التفريغ وعلى طريق العزل والمعازل مما يجعل سيناء موضعا لطمع الأعداء، ومن المؤسف حقا أن يُستبدل العدو الصهيوني بكل أطماعه وترسانة أسلحته والتحكم في تلك البوابة الشرقية، فتجعل من غزة وحماس "العدو البديل" والخصم الأكيد- في عرف هؤلاء- للبوابة المصرية واعتبار أن ذلك يشكل تهديدا للأمن القومي المصري بينما الكيان الصهيوني لا يمثل ذلك من قريب أو بعيد".
وأوضح عبد الفتاح أن القاعدة السياسية وكذا الرؤية الاستراتيجية تقوم على أساس من أن "الفراغ لابد وأن يملأ"، و"الفراغ يُملأ بك أو بغيرك"، مشيراً إلى أن اتخاذ الفراغ والتفريغ والعزل سياسة ومسارا هو ما جعل هذا الاتساع الجغرافي مع محدودية القوات التي تحددها اتفاقيات كامب ديفيد الظالمة والمتحكمة مكانا والحال هذه غير محكم السيطرة والتأمين، فقامت إسرائيل بإنذارها لمصر من أن تحرك قوات داخل سيناء وجعل ذلك حقا لها ،نفيا ونسخا لحقوقنا التأسيسية في الدفاع عن أمننا القومي في سيناء إذ يشكل ذلك تنازلا مريعا لا يمكن قبوله من أي نظام في السلطة كائنا من كان ،لأنه لا يفرط فقط في السيادة المصرية ولكنه يفرط فيما من شأنه أن يقوض الأمن القومي المصري والإضرار المباشر بمصالح مصر الحيوية والثابتة.
ولفت قائلا:" من المهم في هذا المقام ألا نقف أمام كل هذه الأمور في سياقات التعتيم والتعويم والتأزيم كما هو حال السلطة الانقلابية في مصر، وجعل ذلك ضمن مساحات الصراع السياسي بين أطراف مختلفة داخل الوطن تحت دعوى الإرهاب المحتمل أو المفتعل أو المصطنع".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق