ماذا فعل السيسي في شيخ الأزهر؟
بقلم : وائل قنديل
ماذا فعل شيخ الأزهر بنفسه، وماذا فعل بمقام المشيخة، ومكانة الإمام الأكبر للمسلمين، حين رضي للعمامة أن تكون مثل كرة، يركلها عبد الفتاح السيسي بقدمه، في الاتجاه الذي يريد، ويقذفها إلى الأعلى، ثم يسدّدها زاحفةً، ملتصقة بالأرض، في طريقه إلى تسجيل ما يشاء من أهداف، مشروعة وغير مشروعة؟!
ماذا قال شيخ الأزهر لنفسه، وهو يخلع عمامته، بعد عودته من احتفالية السيسي بعيد الشرطة، مسترجعاً ما جرى في سرادق الاحتفال، حيث الجنرال كان يقول للإمام الأكبر "تعبتني يا فضيلة الإمام"، بلهجة تليق بصاحب ورشة حياكة، يعاتب، أو يعنف "الصنايعية" عنده؟!
يقولون إن شيخ الأزهر لم يذهب إلى مكتبه في المشيخة، منذ أن تلاعب به السيسي، ساخراً، في حفل عيد الشرطة، لأن أداء الإمام ليس متسقاً مع إيقاع الجنرال، ولا يواكبه في السرعة، ولا يوافقه في الرغبة، في أمور كثيرة، مثل قضية "الطلاق الشفوي" الذي يريد السيسي إلغاءه، واستحداث فقه جديد، على هوى الزعيم.
لو صحّ ذلك، ولو صح، كذلك، أن هيئة كبار العلماء التي يرأسها شيخ الأزهر أقرّت وقوع الطلاق، شفاهة، على عكس رغبة عبد الفتاح السيسي، فإننا نكون بصدد حالة تمرّد من الإمام الأكبر على الوضعية، المتواضعة، التي حبسه عبد الفتاح السيسي فيها، أو هي لحظة تذكر لما يجب أن يكون عليه الإمام والإمامة، أو قل استعادة للوعي بأن المنصب أكبر من أن يكون وظيفة، لدى الحاكم، بل يتجاوز ذلك إلى كونه مكانةً روحيةً، تخص أكثر من مليار و600 مليون مسلم، يرى فيهم السيسي بضاعةً للبيع في سوق "الحرب على الإرهاب"، ومن المفترض أن يراهم الإمام الأكبر جمهوره ورعيته.
مسار العلاقة بين شيخ الأزهر وعبد الفتاح السيسي، منذ وقوف الأول بين يدي الثاني، فوق منصة الانقلاب 2013 كان ينطق بأننا بصدد وضعيةٍ بائسةٍ أضحت عليها مشيخة الأزهر الآن، بعد أن تحولت رسميا من كيانٍ أممي يعبر عن هموم وقضايا العالم الإسلامي كله، إلى مجرد إدارة حكومية مطيعة، تخضع، بشكل كامل، للسلطة في مصر، وتأتمر بأوامرها، وتشترك في تآمرها.
وأكرّر هنا أن التاريخ يقول إن الأزهر كان هيئة مستقلة، تدافع عن الإسلام وشعوبه وقضاياه، مظلة جامعة للشعوب، لا خادمة مائعة في بلاط الحكام والسلاطين، غير أن الواقع الحالي ينطق بأن شيخ الأزهر انتقل من كونه إماما أكبر للأمة إلى موظف صغير في جهاز الدولة، حتى وإن كان بدرجة نائب رئيس وزراء، وفقا للقانون.
أمّم السيسي مشيخة الأزهر لحسابه الشخصي، مبكراً، كما أمّم الكنيسة، ومنتخب كرة القدم، والتراب الوطني، ومضى يتصرف وكأنها من ممتلكاته الشخصية، يشغّلها بمعرفته، وكان مثيراً للأسى أن يستسلم الإمام الأكبر للأمر، ولا يُبدي أية ممانعةٍ، تحفظ للأزهر مكانته، ولمقام الشيخ المهابة.
أهين الأزهر، إمامةً وإماماً، حين نكلت السلطة بنائب شيخ الأزهر، السابق، الدكتور حسن الشافعي، وكان مشهداً مشيناً، حين تربّصت الشرطة المصرية بنائب شيخ الأزهر ورئيس مجمع اللغة العربية في مطار القاهرة، حين أنزلته وزوجته المريضة من فوق عربةٍ لنقل المرضى، لكي تأخذ مكانها خادمة رئيس نادي الزمالك، ولم يبد الإمام غضباً أو تعاطفاً مع نائبه الشيخ الجليل، وكل ما فعله أنه أقصى نائبه عن موقعه، وأطاحه خارج تشكيل هيئة الأزهر في أقرب فرصة، عقابا له على بيانه التاريخي بعد مجزرة سلطة الانقلاب، وشيخ الأزهر جزء منها، بحق المعتصمين.
وطوال الوقت كان شيخ الأزهر، أحمد الطيب، طيباً جداً، وبأكثر مما ينبغي، أو يليق بمكانته، وهو يرى ويسمع، من الجنرال عجباً فيما يخصّ تصوراته السقيمة لتجديد الخطاب الديني، أو ما يسميه "ثورة دينية" مع الوضع في الاعتبار أن مفهوم الثورة عنده يعني الانقلاب حرفياً، حتى ظننا أن المشيخة ألحقت بهيئة السيسي الهندسية.
وعلى ذلك، يصبح امتناع الشيخ عن الذهاب إلى مكتبه، منذ إهانة عيد الشرطة، ثم رفض "كبار العلماء" تعطيل وقوع الطلاق شفهياً، ضد رغبة السيسي، نوعاً من استعادة الوعي بمكانة الأزهر، والإحساس بكرامته.
هنا، حريٌّ بالدكتور أحمد الطيب أن يقرأ سيرة إمام أكبر، مر بحياتنا كالشهاب، اسمه الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، كان يستطيع أن يقول للحاكم الظالم لا، ولا يستجيب لرغباته في اللهو بثوابت الدين، كي توافق رغباته. فرفض أن يستخدم مبارك الأزهر مطيةً لفرض التطبيع مع العدو الصهيوني، أو أن يحلّل ويحرّم، وفقاً لما يرغبه الجنرال.
-------------------
العربي الجديد في 6 فبراير 2017
بقلم : وائل قنديل
ماذا فعل شيخ الأزهر بنفسه، وماذا فعل بمقام المشيخة، ومكانة الإمام الأكبر للمسلمين، حين رضي للعمامة أن تكون مثل كرة، يركلها عبد الفتاح السيسي بقدمه، في الاتجاه الذي يريد، ويقذفها إلى الأعلى، ثم يسدّدها زاحفةً، ملتصقة بالأرض، في طريقه إلى تسجيل ما يشاء من أهداف، مشروعة وغير مشروعة؟!
ماذا قال شيخ الأزهر لنفسه، وهو يخلع عمامته، بعد عودته من احتفالية السيسي بعيد الشرطة، مسترجعاً ما جرى في سرادق الاحتفال، حيث الجنرال كان يقول للإمام الأكبر "تعبتني يا فضيلة الإمام"، بلهجة تليق بصاحب ورشة حياكة، يعاتب، أو يعنف "الصنايعية" عنده؟!
يقولون إن شيخ الأزهر لم يذهب إلى مكتبه في المشيخة، منذ أن تلاعب به السيسي، ساخراً، في حفل عيد الشرطة، لأن أداء الإمام ليس متسقاً مع إيقاع الجنرال، ولا يواكبه في السرعة، ولا يوافقه في الرغبة، في أمور كثيرة، مثل قضية "الطلاق الشفوي" الذي يريد السيسي إلغاءه، واستحداث فقه جديد، على هوى الزعيم.
لو صحّ ذلك، ولو صح، كذلك، أن هيئة كبار العلماء التي يرأسها شيخ الأزهر أقرّت وقوع الطلاق، شفاهة، على عكس رغبة عبد الفتاح السيسي، فإننا نكون بصدد حالة تمرّد من الإمام الأكبر على الوضعية، المتواضعة، التي حبسه عبد الفتاح السيسي فيها، أو هي لحظة تذكر لما يجب أن يكون عليه الإمام والإمامة، أو قل استعادة للوعي بأن المنصب أكبر من أن يكون وظيفة، لدى الحاكم، بل يتجاوز ذلك إلى كونه مكانةً روحيةً، تخص أكثر من مليار و600 مليون مسلم، يرى فيهم السيسي بضاعةً للبيع في سوق "الحرب على الإرهاب"، ومن المفترض أن يراهم الإمام الأكبر جمهوره ورعيته.
مسار العلاقة بين شيخ الأزهر وعبد الفتاح السيسي، منذ وقوف الأول بين يدي الثاني، فوق منصة الانقلاب 2013 كان ينطق بأننا بصدد وضعيةٍ بائسةٍ أضحت عليها مشيخة الأزهر الآن، بعد أن تحولت رسميا من كيانٍ أممي يعبر عن هموم وقضايا العالم الإسلامي كله، إلى مجرد إدارة حكومية مطيعة، تخضع، بشكل كامل، للسلطة في مصر، وتأتمر بأوامرها، وتشترك في تآمرها.
وأكرّر هنا أن التاريخ يقول إن الأزهر كان هيئة مستقلة، تدافع عن الإسلام وشعوبه وقضاياه، مظلة جامعة للشعوب، لا خادمة مائعة في بلاط الحكام والسلاطين، غير أن الواقع الحالي ينطق بأن شيخ الأزهر انتقل من كونه إماما أكبر للأمة إلى موظف صغير في جهاز الدولة، حتى وإن كان بدرجة نائب رئيس وزراء، وفقا للقانون.
أمّم السيسي مشيخة الأزهر لحسابه الشخصي، مبكراً، كما أمّم الكنيسة، ومنتخب كرة القدم، والتراب الوطني، ومضى يتصرف وكأنها من ممتلكاته الشخصية، يشغّلها بمعرفته، وكان مثيراً للأسى أن يستسلم الإمام الأكبر للأمر، ولا يُبدي أية ممانعةٍ، تحفظ للأزهر مكانته، ولمقام الشيخ المهابة.
أهين الأزهر، إمامةً وإماماً، حين نكلت السلطة بنائب شيخ الأزهر، السابق، الدكتور حسن الشافعي، وكان مشهداً مشيناً، حين تربّصت الشرطة المصرية بنائب شيخ الأزهر ورئيس مجمع اللغة العربية في مطار القاهرة، حين أنزلته وزوجته المريضة من فوق عربةٍ لنقل المرضى، لكي تأخذ مكانها خادمة رئيس نادي الزمالك، ولم يبد الإمام غضباً أو تعاطفاً مع نائبه الشيخ الجليل، وكل ما فعله أنه أقصى نائبه عن موقعه، وأطاحه خارج تشكيل هيئة الأزهر في أقرب فرصة، عقابا له على بيانه التاريخي بعد مجزرة سلطة الانقلاب، وشيخ الأزهر جزء منها، بحق المعتصمين.
وطوال الوقت كان شيخ الأزهر، أحمد الطيب، طيباً جداً، وبأكثر مما ينبغي، أو يليق بمكانته، وهو يرى ويسمع، من الجنرال عجباً فيما يخصّ تصوراته السقيمة لتجديد الخطاب الديني، أو ما يسميه "ثورة دينية" مع الوضع في الاعتبار أن مفهوم الثورة عنده يعني الانقلاب حرفياً، حتى ظننا أن المشيخة ألحقت بهيئة السيسي الهندسية.
وعلى ذلك، يصبح امتناع الشيخ عن الذهاب إلى مكتبه، منذ إهانة عيد الشرطة، ثم رفض "كبار العلماء" تعطيل وقوع الطلاق شفهياً، ضد رغبة السيسي، نوعاً من استعادة الوعي بمكانة الأزهر، والإحساس بكرامته.
هنا، حريٌّ بالدكتور أحمد الطيب أن يقرأ سيرة إمام أكبر، مر بحياتنا كالشهاب، اسمه الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، كان يستطيع أن يقول للحاكم الظالم لا، ولا يستجيب لرغباته في اللهو بثوابت الدين، كي توافق رغباته. فرفض أن يستخدم مبارك الأزهر مطيةً لفرض التطبيع مع العدو الصهيوني، أو أن يحلّل ويحرّم، وفقاً لما يرغبه الجنرال.
-------------------
العربي الجديد في 6 فبراير 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق