كارثة بيع مرفق المياه للأجانب
بقلم: عامر عبد المنعم
يأتي قرار الحكومة المصرية بتسليم مرفق مياه
الشرب والصرف الصحي للشركات الأجنبية التي تسعى للربح ليؤكد أن المصريين
أمام خطر جديد، لا يقل عن أزمة رغيف الخبز الذي يتم استيراده من الخارج؛
فاستيلاء الأجانب على كوب الماء وبيعه بمقابل يجعل المواطن أمام خيارين إما
الدفع ليشرب وإما الامتناع عن الدفع فيعطش.
شربة الماء حق إنساني، هبة الله لكل الأحياء
في الكون، لا يجوز تحويله إلى سلعة، ولا يحق لأي حكومة أن تبيعه في
البورصة، وليس من الأمن القومي في أي دولة أن تسلم كوب الماء للشركات
الأجنبية، فتوفير الماء حق المواطن على الدولة، وهو من الحقوق المجانية
التي يملكها الشعب، ويتشارك فيها الناس.
ما الضرورة من وجود أي حكومة إذا لم توفر
كوب الماء لأفراد الشعب؟ وماذا تفعل أي سلطة بالضرائب التي تجمعها من
المواطنين إن لم توفر لهم الماء؟ ولماذا تفكر الحكومة في التخلي عن
مسئولياتها تجاه شعبها وتسلم مصدر الحياة للشركات الأجنبية وتعطيهم سلطة
فتح وإغلاق صنبور الماء في كل بيت؟
عندما بدأ الرئيس الأسبق حسني مبارك في
برنامج الخصخصة وبيع شركات القطاع العام كان يزعم أنه يبيع الشركات الخاسرة
ليتولي القطاع الخاص إصلاحها، ولكنه باع الرابحة قبل الخاسرة وتم تفكيك
المصانع وتشريد العمال والتخلص من الآلات، وبيعت أراضي المصانع كعقارات
وانهار الاقتصاد منذ ذلك الحين، واليوم يتم بيع المرافق الأساسية التي
تتوقف عليها حياة البشر ويتم التفريط في خط الدفاع الأخير الذي يحفظ
للمصريين حياتهم.
الغطاء القانوني لبيع الماء
بدأت الحكومة في سن التشريعات التي توفر
الغطاء القانوني لعملية التفريط في المرافق الأساسية، ومن أجل تنفيذ توجهها
اللاأخلاقي للانسحاب من إدارة الملف المائي أعدت قانونا لتنظيم مياه الشرب
والصرف الصحي، وافقت عليه لجنة الإسكان بمجلس النواب، يتضمن إعطاء جهاز
تنظيم مياه الشرب والصرف الصحي سلطة إصدار تراخيص لشركات القطاع الخاص
للاستثمار في مشروعات المرفق، ووضع التعريفة الخاصة بتقديم الخدمة، مع
تقديم دعم نقدي للمواطنين الفقراء أسوة بما يحدث في البطاقة التموينية!
وتم تأكيد توجه الحكومة لخصخصة المرفق مرة
أخرى، في المسودة النهائية لقانون الاستثمار الجديد الذي وافق عليه مجلس
الوزراء، وتمت إحالته للمراجعة القانونية في مجلس الدولة، تمهيداً لعرضه
على مجلس النواب، حيث أكد القانون تخلي الحكومة عن دورها المجتمعي، وتسليم
مرافق الدولة للشركات الخاصة، من ضمنها إسناد " أعمال البنية الأساسية من
مياه شرب وصرف وكهرباء وطرق واتصالات" للمستثمرين "أيا كانت جنسياتهم"!
إستراتيجية الشركات الأمريكية
يقف الرأسماليون الأمريكيون خلف فكرة تحويل
الماء إلى سلعة، وفتح الطريق أمام الشركات الأمريكيةللاستثمار في هذا
المجال الإنساني، والتعامل مع مصدر الحياة كمنتج يكسبون من ورائه
المليارات، وتم تحويل الفكرة إلى إستراتيجية وخطط يجري تنفيذها على النطاق
العالمي.
أسندت المهمة للبنك الدولي الذي بدأ يروج
لخصخصة المياه وانتزاعها من الحكومات، منذ عام 1997، حيث يعقد منتدى المياه
العالمي الذي تم تأسيسه لهذا الغرض مؤتمرا كل 3 سنوات، لترويض الحكومات
وتذويب المقاومة لخصخصة القطاع المائي، ونشر معلومات مضللة ومبالغ فيها عن
تزايد الطلب وعجز الحكومات عن تحمل تكاليف المشروعات المائية.
تقوم إستراتيجية البنك الدولي على إلغاء دور
الدولة تماما في إدارة وامتلاك المشروعات المائية، وجعل مهمتها تقتصر فقط
على الرقابة والمتابعة، أي أن شركات القطاع الخاص هي التي تدير شئون المياه
بما فيها إدارة الأنهار والسدود، ويطلب البنك الدولي فرض التسعير الكامل
لمياه الشرب والري، ولامتصاص الغضب الشعبي بشكل مؤقت يقترح خبراء البنكأن "
تقدم الحكومات معونات مالية للجمهور بشكل مباشر".
ودعما لخصخصة المياه أعلن البنك الدولي عن
تقديم القروض للقطاع الخاص، والدخول كضامن لعملية انتقال الإدارة من
الحكومة إلى الشركات التي تم تجهيزها للقيام بالمهمة، وليوفر لها الحماية
وضمان توجيه السياسة المائية وفقا للاستراتيجيات الموضوعة خارجيا.
قبل ثورة 25 يناير 2011قام حسني مبارك تحت
الضغوط بالبدء بأصعب الخطوات عندما قام مسئولو الري بتركيب مواسير وعدادات
في بعض القرى بالدلتا لبيع ماء الري للمزارعين فرفض الفلاحون وقاموا بتكسير
المواسير وتحطيم العدادات فتعطل التنفيذ لسنوات حتى جاء النظام الحالي
وقرر التنفيذ بقوة الدولة
الماء بكروت الشحن
سيؤدي تسليم الشركات حق بيع الماء إلى فرض
نظام الحصص للمواطنين مثل ما يجري في بطاقة التموين، وضبط الاستهلاك بتفعيل
نظام الشرائح كما في عدادات الكهرباء، ويقول مسئولو الحكومة أن الدولة
ستدفع دعما نقديا أسوة بما يتم مع رغيف الخبز في البطاقة التموينية.
وستقوم الشركات التي ستبيع لنا الماء لضمان
أرباحها بتركيب عدادات سابقة الدفع بكروت شحن مثل الموبايل، أي التحكم في
الاستهلاك من مصدر الماء، وسيترتب على هذا التحكم مشكلات وأزمات غير
متخيلة، ومعاناة جديدة أشد فتكا، تحيل الحياة إلى جحيم، وتقلب حياة المواطن
الذي لم يعد قادرا على مواجهة تكاليف المعيشة إلى صراع من أجل البقاء.
وإذا كانت الحكومة ستبدأ بمياه الشرب فإن
الخطوة التالية متعلقة بمياه الري، وستقوم الشركات بنفس الأمر بالنسبة لري
الأراضي الزراعية التي ستخضع هي الأخرى للتسعير بعد تسليم الترع والمصارف
للمستثمرين، وهنا ستكون الطامة الكبرى على الفلاحين ومجمل النشاط الزراعي.
لا نضيف جديدا عندما نؤكد أن الفلاح المصري
اليوم لم يعد قادرا على الصمود والاستمرار، في ظل ارتفاع أسعار مستلزمات
الزراعة من بذور وأسمدة ووقود لماكينات الري ومصروفات النقل وغيرها، وهو
بالتأكيد سيتوقف عن الزراعة إن باعت الحكومة للمستثمرين حق إدارة وتوزيع
مياه الري.
لغز بيع الصرف الصحي
من الأمور المثيرة للتساؤل فيما تطرحه الحكومة كيف ستتم خصخصة مرفق الصرف الصحي وهل هناك عائد يغري الأجانب لشراء وإدارة هذا القطاع؟
فيما يبدو أن هناك خطة تنفذ الآن بإعادة
تدوير مياه المجاري بإنشاء محطات في كل المحافظات للتنقية الثلاثية، وبعد
أن توقف الحديث عن هذه التنقية المزعومة لبعض الوقت عاد الكلام عنها مجددا،
أثناء الزيارة الأخيرة التي قام بها عبد الفتاح السيسي لمحافظة أسوان، حيث
أكد أن الحكومة مصممة على استخدام مياه المجاري، وأن المستهدف هو تنقية 10
مليون مترا مكعبا يوميا!
ولم يتم التوضيح بشكل كامل أين ستضخ هذه
الكمية من الماء، هل ستخصص للزراعة والاستخدام المنزلي معا كما قيل العام
الماضي؟ أم سيتم الفصل بين مياه الشرب والمياه المعالجة للاستخدامات
المنزلية الأخرى؟ أم هل سيتم تخصيص مياه النيل للشرب ومياه الصرف المعالجة
للزراعة؟
وإذا ما قرروا أن توجه مياه الصرف المعالجة
لري الأراضي الزراعية، فبيع المحطات التي يتم تشييدها الآن لهذا الغرض
للقطاع الخاص يعني أن الفلاحين سيدفعون مقابل الري للمستثمرين الجدد، لأن
الشركات الأجنبية لا تقدم المساعدات والصدقات، وإنما تستثمر للكسب وتحقيق
عائد للاستمارات!
لن نتوسع في تناول تأثير هذه الدعاية
الشريرة لتشويه سمعة الزراعة المصرية وتأثير الإعلان الرسمي عن استخدام
مياه الصرف الصحي المعالجة ثلاثيا في الزراعة والاستخدامات الأخرى، ولن
نتطرق إلى النتائج الكارثية على صحة الشعب المصري نتيجة الخضراوات والثمار
المروية بمياه الصرف فالموضوع كارثي بكل المقاييس.
لكن إذا كان المواطن سيدفع ثمن كوب الماء،
فبالتأكيد سيقل الاستهلاك وسيحدث وفرا إجباريا في كمية الماء المستخدمة
للشرب، وإذا كانت مياه الصرف ستعالج وسيتم ضخها في الترع وستبيعها الشركات
للفلاحين، فأين سيذهب الفائض بعد الاستهلاك وماذا ستفعل الشركات بالحصة
المتبقية من مياه النيل؟!
إذا نجحت خطة البنك الدولي وتم إبعاد الدولة
عن إدارة مشروعات المياه، وهيمنت الشركات الأمريكية والصهيونية على إدارة
المياه في مصر، وهذه الشركات العالمية هي التي تبني سدود أثيوبيا وتتحكم
فيها؛ فلن يكون مستغربا أن تتولى القوى الخارجية إعادة توزيع الحصص وتوصيل
الماء إلى الكيان الصهيوني بدون الرجوع إلى الحكومة المصرية، عبر سحارة
سرابيوم بالإسماعيلية التي تم بناؤها بأموال المصريين منذ عامين!
نحن أمام خطر استراتيجي أشد فتكا من الضرب
بالقنبلة النووية، فما يجري من استعدادات للتفريط في مشروعات الماء يكمل
جريمة التفريط في حقنا في نهر النيل والتنازل للأثيوبيين عن الفيضان السنوي
الذي يتم تخزينه في بحيرة ناصر، وسيعيش المصريون في فقر مائي بالإكراه،
ليموتوا من العطش كي يحيا الإسرائيليون!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق