بشار الأسد.. أو السقوط الإنساني
بقلم : وائل قنديل
وائل قنديل
تجاوزت المأساة السورية كونها موضوعاً للخلاف السياسي والأيديولوجي، أو حتى الطائفي، وصارت مقياساً لإنسانية البشر، أو حداً فاصلاً بين أن تكون إنساناً، بالمعنى الصحيح للكلمة، أو تكون شيئاً آخر، حيواناً مفترساً، أو خبيراً استراتيجياً، من شاربي دماء البشر، أو ترامب، أو مصطفى بكري .
لا أتصور أن شخصاً يلقي نظرة على تقرير منظمة العفو الدولية، الأخير، الذي يقول إن حوالي 13 ألف سجين أُعدموا في سجن تابع للحكومة السورية بالقرب من العاصمة دمشق على مدار خمس سنوات، ويواصل تبريره ممارسات نظام بشار الأسد، بدواعي القومية والممانعة و"الدولتية" إلى آخر هذه القائمة من مفردات السقوط الإنساني، والتي تمنح صاحبها إحساساً بالرضا، وهو يصفّق ويهلل لذبح البشر وحرقهم أحياء.
لا يفعل ذلك إلا من قرّر الانسلاخ التام عن إنسانيته، لكي يواصل الاستمتاع بما وصفته "العفو الدولية" بأنه "مسلخ بشري"، وهي تعنون تقريرها عن "الهولوكوست" التي نفّذتها سلطات بشار الأسد في معتقلي سجن صيدنايا من خلال عمليات شنق جماعي وإبادة جماعية.
يكشف التقرير الذي استند على شهادات 84 شخصا، أجرت معهم المنظمة مقابلاتٍ، من بينهم حرّاس وسجناء سابقون وقضاة، أنه من 2011 إلى نهاية 2015، كانت تؤخذ مجموعاتٌ لا تقل عن خمسين من نزلاء سجن صيدنايا كل أسبوع إلى خارج الزنزانات، ويُضربون، ثم يُشنقون في منتصف الليل، في "سرّية تامة". وأضاف: "خلال هذه العملية، كان السجناء يُساقون معصوبي العينين، وهم لا يعرفون كيف ومتى تكون نهايتهم حتى تُعلق المشنقة حول رقابهم."
شعوب العالم المتحضر حسمت اختياراتها في الامتحان السوري، وقرّرت أن تكون مع الإنسانية، بشكل مطلق، من دون أن تتوقف عند اعتبارات المصلحة والأيديولوجيا، وترى تجسيد ذلك في التظاهرات العارمة التي لا تتوقف، في الولايات المتحدة الأميركية، وعواصم أوروبية، انتصاراً للإنسانية والحياة، ضد الحرب العنصرية البغيضة التي يشنها اليمين المتطرّف في وحشيته، ممثلاً في دونالد ترامب، وأشباهه من رموز اليمين الصاعد في أوروبا.
يحدث ذلك، فيما لا تزال قطاعاتٌ عريضةٌ من الشعوب العربية تتأرجح بين إنسانيتها وطائفيتها وتلوّنها السياسي والحزبي، وهي تحدّد مواقفها من المأساة السورية، بعد أن نجحت قوى الاستبداد العربي في اللعب بأدمغة الشعوب، وحرق المشاعر الفطرية، السويّة، في مراجل التخويف من الإرهاب، والتقسيم وتفتت الدولة، من خلال استثمار التراجيديا السورية، نموذجاً للتفزيع والترويع، والتكفير بأحلام التغيير والجوع للديمقراطية.
وكما قلت سابقاً، فقد انطلقت ثورات الربيع العربي من لحظة استثنائية في التاريخ امتزج فيها الكل في واحد، ولا يمكن لمحللٍ أن يردّ هذا الانفجار الشعبي إلى تيار أيديولوجي أو فصيل سياسي بذاته، كونه كان تفاعلا نادرا بين كل أشكال الحلم بالتغيير، تجاور فيها اليسار مع اليمين، وانصهر فيها الإسلامي بالقومي. ولذا لم يكن غريبا أن تعتمد الثورات المضادة في مشروعها على قطع خطوط الاتصال بين مكوّنات الربيع، ثم اصطناع حالة احترابٍ بين شركاء الحلم، تستغل الدولة العميقة غبارها الكثيف، للتسلل مرة أخرى لإعادة الماضي في صورة أبشع.
والشاهد الآن أن المعركة صارت بين البشر وأشباه البشر من حثالات تتغذّى على الدم والإبادة والإقصاء، فترى أنصار ترامب هم أنفسهم مؤيدو بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي والعبوات السلطوية العربية الصغيرة من "ترامب"، باعتبارها منتجاً مثالياً، تشكل من كل عناصر الكراهية والعنصرية ونوازعهما.
-------------------
العربي الجديد في 8 فبراير 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق