ما الرأي فيمن أيّد الانقلاب ثم ناهضه؟!
بقلم: عامر شماخشاهدت (فيديو) لأحد (النشطاء!!) الذين ذرعوا الأرض شتمًا وسبًّا فى الإخوان، وكان ضيفًا دائمًا على (الجزيرة)، يمثل الرأى الآخر!!، داعمًا الانقلاب، مؤيدًا ما قام به العسكر من قتل وحرق واغتصاب.. شاهدت هذا الشخص على إحدى القنوات المهاجرة يعتذر عما قاله وفعله فى حق الثورة والثوار، ويبدى ندمه على تحريضه على الدماء والأعراض، وقد بكى دليلا على أنه ارتكب جرمًا فى حق نفسه وفى حق الآخرين..
أنا -شخصيًا- لم أتأثر ببكاء هذا الشخص، ولم أتعاطف معه، ولم أجد فى نفسى ميلا إلى تصديقه؛ لأن ما فعله -سابقًا- كان -وسيظل- جريمة لا تغتفر، فى حق بلد، وفى حق أرواح أزهقت لا بسبب إلا أن يقول أصحابها ربنا الله،
وقد شاهدته داعمًا -بكل قوة- لهؤلاء القتلة، ظل هكذا لسنتين أو يزيد، فهل لم تتوفر له الأدلة على أن هؤلاء قد أجرموا فى حق البلاد والعباد؟!
الحقيقة أن كل يوم مر على مصر خلال هاتين السنتين كانت به أحداث تدل بدون أدنى شك على أن هناك حلالا بينًا وحرامًا بينًا ليست بينهما شبهات، أما الذين ناصروا الباطل واتبعوا سبيله فهؤلاء -وهذا الشخص منهم- لا يستحقون التعاطف، ولا يُعطون الثقة وإن بكوا بدل الدموع دماء..
فى اعتقادى أن عصابة العسكر - كأى عصابة - لها أولويات، وبها محسوبيات، واستثناءات، وكثير ممن أيدوهم فى انقلابهم وجرائمهم كانوا ينتظرون أن يمنّوا عليهم بشىء من التركة جزاء دفاعهم عنهم، لكن بعد أن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة وحان وقت تقسيم الغنيمة، وجدوا أنفسهم -هذا الشخص وأمثاله- خالين الوفاض، لا حظ لهم فى الأموال المنهوبة، أو المناصب المسلوبة، أو السفريات التى لا تنتهى -فاغتمّوا، ووقعوا فى (حيص بيص)، ماذا يفعلون وقد قُسمت الأموال، ووزعت المناصب، وسافر من سافر واغتنى من اغتنى، ولا أمل فى قسمة جديدة، خصوصًا أن أعراض انهيار العسكر قد بدأت فى الظهور؟!..
قالوا: الحقوا بركب الثوار، ومن كان له صديق فى تركيا أو قطر فليذهب إليه مسرعًا، وليبلغه أنه معهم، ظانًّا أن الشرفاء سوف يحتفون بهم ويستقبلونهم استقبال الأبطال، ولا يدركون أن هؤلاء الشرفاء قد مرت عليهم أيام وليال سوداء بسبب هؤلاء المتحولين، وما كانوا يقومون به من تحريض وإيذاء للوطنيين المحترمين.
لا نقول إن باب التوبة مغلق أمام العائدين، فهذا يخالف الشرع والفطرة، ويخالف قوانين السياسة والاجتماع، فكم من عائد كان عدوًا لدودًا بالأمس صار رائدًا مبرزًا اليوم، والفصل فى ذلك هو الصدق، والبذل، والسبق، ولنا فى المفكر الإسلامى الكبير سيد قطب القدوة، فكم عادى الدعوة، وكم ناصر انقلاب 1952، لكنه لما أيقن بضلال العسكر وأن خصومهم على حق، باع المناصب واستغنى عن الدنيا، وظل ينافح عن الحق حتى عُلق على المشنقة ليلقى الله شهيدًا، جزاء صدقه ومروءته.
لا أجد عذرًا واحدًا فيمن بقوا على ضلالهم سنين يؤيدون الانقلاب، فإن الأمور جدّ واضحة -كما ذكرنا- بدليل أن الآلاف ممن كانوا يعارضون الإخوان أثناء حكمهم، لم يترددوا لحظة فى معارضة العسكر لما رأوهم قاموا بانقلابهم على الشرعية، وبغوا وطغوا، وقد لاحقتهم يد العسكر وأذاهم، فمنهم من سجن، ومنهم من فر خارج البلاد -وهم كثر- ومنهم من التزم الصمت وتوارى بعيدًا عن الأنظار، منكرًا ما يجرى بقلبه، وذلك أضعف الإيمان، أما الشخص المعتذر الباكى بعد سنين وشهور، فهو ممن لا يعد ضمن هؤلاء الذين نجلهم وندعو الله أن يتقبل جهادهم.
لست إذًا متعاطفًا مع هذا الشخص، بل أحذر من أمثاله، وألا ننساق وراء دموعه، اللهم إلا إذا وضع فى محك الاختبار، ثم أظهر الصدق والولاء، هنا يمكن قبول توبته، واعتباره واحدًا منا، ولو أردنا تقريب الفكرة لضربنا المثل بذلك الصحفى العجوز، زميل هذا الباكى، وكان كثير الظهور على (الجزيرة) أيضًا، وهو من طعن فى شرف بنات الإخوان، هذا الصحفى لما استوقف على أحد كمائن الجيش وضربه أحد الضباط على قفاه، عاد من سفره يطعن فى العسكر وينتقد مشروعاتهم الاقتصادية، ثم لما تم استرضاؤه عاد يطعن فى الإخوان ويساند العسكر، مستحلا القتل والتنكيل - لعنه الله.
لقد جاء الشرع محذرًا أتباعه من السقوط فى فخ المنافقين، وقد دلهم على صفات هؤلاء المخادعين؛ لئلا يقع الضرر على الصف المسلم، والذى شعاره (لست بالخِبّ ولكن الخب لا يخدعنى)، ومن صفات هؤلاء كما ذكر القرآن الكريم: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141].
فاحذروا يا أهل الشرعية أن يندس عليكم مندس، أو أن تتعاطفوا مع مجرم ينضح بالفسوق؛ ذلك أن من ورائكم دماء تلح عليكم بالقصاص، وتحتسب الله فيكم إن فرطتم فيها أو فى عرض قد انتهك أو فى مال قد اغتصب، أو فى شريف طاهر قد سجن وسلبت حريته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق