الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015

هل تحتاج مصر حقًّا إلى عقد محطة الطاقة النووية مع روسيا؟

هل تحتاج مصر حقًّا إلى عقد محطة الطاقة النووية مع روسيا؟


نتيجة بحث الصور عن السيسي و بوتين



في أعقاب كشف نتائج تحقيقات مركز الاستخبارات الروسية عن واقعة سقوط الطائرة الروسية المُتجهة من مطار شرم الشيخ إلى روسيا، التزمت الحكومة المصرية الصمت المُطبق حيال هذه التحقيقات الصادمة لها، ثم سرعان ما أعقب هذا التجاهل توقيع اتفاقية بين الجانب المصري مع الروسي يمنحه حق اتفاقية تشييد أول محطة نووية في مصر لتوليد الطاقة الكهربائية، مع منح الشركة حق احتكار الوقود النووي اللازم لتشغيل المحطة.
خلال هذه السطور، تحاول “ساسة بوست” توضيح العائد الاقتصادي لمصر من وراء هذه الاتفاقية، وهل من شأن هذا التعاقد أن يجعل من مصر بلدًا مُصنعًا للوقود النووي الإيراني، وكذلك فك شفرة البنود المذكورة في هذه الاتفاقية، ورسم صورة كاملة لأبعاد هذه الاتفاقية سياسيًّا واقتصاديًّا على المدى القريب والبعيد.

ما هي بنود العقد المُبرم بين الحكومة المصرية وروسيا لتشغيل أول محطة نووية مصرية لتوليد الكهرباء؟

طبقًا للاتفاق سيتم إنشاء أربع مفاعلات نووية بقدرة 1200 ميجاوات للمفاعل الواحد بإجمالي قدرات 4800 ميجاوات للمفاعلات الأربعة، بتكلفة إجمالية للمشروع تصل إلى 18 مليار دولار، يتم تسديدها على ٣٥ عامًا بعد الإنشاء، بعد الانتهاء من تنفيذه وعبر الطاقة المباعة من المشروع، فيما تجاهلت بنود التعاقد طبيعة الملكية لهذه المحطات، ونصيب مصر منها.

هل هذه الاتفاقية تجعل من «مصر» بلدًا نوويًا كإيران؟

لا، هذه الاتفاقية تجعل من مصر مُشتريًا للكهرباء من محطة نووية روسية مُنشأة على الأراضي المصرية تعتمد بشكل كامل على القوى العاملة لديها في تشغيلها، وعلى الوقود القادم من روسيا، والتي تُشير مُذكرة التفاهم إلى الاعتماد التام على الوقود القادم من روسيا.
تتمثل صعوبة استخدام هذه المحطات لإنتاج برنامج نووي مُتكامل وتصنيع وقود نووي كنموذج دولة إيران إلى الوزن السياسي الضئيل لمصر نسبيًّا في المنطقة وتحالفاتها في الشرق الأوسط، خصوصًا مع اعتمادها الكامل على المنح الخليجية والدولية في سد عجز الموازنة، وتغطية نفقات الدولة، بجانب ذلك فالعقد المُوقع بين الطرفين المصري والروسي يخضع لمراقبة من هيئة الطاقة الذرية لتوقيع مصر على الاتفاقية المتعلقة ببنودها.

ما هي التكلفة الفعلية لتشغيل المحطة النووية المُزمع تشغيلها بمنطقة الضبعة؟

تُظهر تقديرات وكالة الطاقة الأمريكية لتكلفة كل مصدر من مصادر إنتاج الكهرباء أن تكلفة كيلووات ساعة من نظام الطاقة النووية بحوالي 9.5 سنت، بينما تصل تكلفة إنتاج الكيلووات ساعة من نظام الدورة المركبة للغاز الطبيعي (المطبقة حاليًا في مصر) لحوالي 7.5 سنت.
سيصل إنتاج المحطة النووية المُزمع تشغيلها بمنطقة الضبعة لحوالي 37 مليار كيلووات/ساعة تقريبا في السنة، مما سيجعل مصر تدفع سنويًّا للشركة المنشئة والمشغلة للمحطة حوالي 3.5 مليار دولار سواء لاسترداد تكاليف المحطة أو نفقات الوقود والتشغيل.
بجانب هذا المبلغ المالي الذي ستدفعه مصر لتشغيل المحطة، فستقوم بتسديد قيمة حوالي 370 مليار قدم مكعب من الغاز اللازم لإنتاج الطاقة بتكلفة تتراوح بين 1.8 مليار و2.5 مليار دولار بحسب سعر الغاز الذي يتراوح سعره من 5 إلى 6 دولار للألف قدم.

هل يُعتبر مشروع تشغيل أول محطة نووية لتوليد الكهرباء ذا جدوى اقتصادية لمصر؟

لا أحد يُشكك في أن مسألة توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة النووية له أهمية كبيرة على المدى البعيد، خصوصًا أن مسألة تنويع الطاقة (فحم، غاز طبيعي، نووي، طاقة متجددة: شمس ومياه ورياح) صارت ضرورة لتقليل المخاطر الاقتصادية والفنية المرتبطة بالاعتماد على مصدر واحد للطاقة.
1 بيد أن مراجعة الأرقام أمر ضروري للتأكد من عدم احتياج لمصر هذا المشروع في هذا التوقيت، فإنتاج مصر من الكهرباء حاليًا هو ٢٨ جيجا وات سنويا، وتم التعاقد على ٢٠ جيجا وات جديدة في خلال العامين الماضيين، ما بين محطات طاقة شمسية ورياح ومحطات بالطاقة الحرارية، والتي من المتوقع أن تدخل الخدمة خلال ٥ سنوات ليصل إنتاج مصر إلى ٤٨ جيجا وات سنويا عام ٢٠٢٢، وفقًا لبيانات المشروعات التي تم الإعلان عنها خلال الأشهر الماضية مثل عقد شركة سيمينز والذي يشمل 3 محطات بقدرة 4.8 جيجاوات لكل منها، فمجموع الطاقة الكهربية المنتظر توليدها عبرها يبلغ 14.4 جيجاوات، سوى عقد لإنشاء 600 توربين لطاقة الرياح بإجمالي طاقة تبلغ 2 جيجاوات، ناهيك عن عقد آخر مع جينرال إلكتريك، وفقًا لما أعلنته الصحف المصرية.
في المقابل وطبقًا لنسبة النمو في الاستهلاك، من المتوقع أن يصل استهلاك مصر إلى ٣٧ جيجا وات سنويا في نفس العام، مما يعني وجود فائض قد يصل إلى ١١ جيجا وات بعد خمس سنوات، بما يعني أنه، وبافتراض سريان جميع التعاقدات التي تم الإعلان عنها رسميًّا، فإن مصر على المدى المنظور ربما لا تكون في حاجة ماسة لمثل هذا المشروع.
بجانب عدم الحاجة لهذا المشروع، فالتكلفة المادية مرتفعة التكاليف قد لا تحتملها مصر على مدار 35 عامًا لتسديد القيمة المالية المُستحقة التي ستتضاعف مع النص على وجود سعر فائدة، خصوصًا أن التكلفة ستكون مرتفعة فى أول 10 سنين، بالتزامن مع عجز ضخم للميزان التجاري، وارتفاع حجم ديون البنك المركزي.

كيف تعاظم نفوذ روسيا الاقتصادي والسياسي من وراء هذه الصفقة؟

تتنوع الفائدة العائدة على روسيا جراء عقد هذه الاتفاقية، فاقتصاديًّا ستكون الشركة هي المُحتكر الأول لتوفير الوقود النووي لمصر وهو ما يُدر عليها أرباحًا اقتصادية ضخمة، خصوصًا أن هذا الاحتكار سيمنح الشركة نفوذًا متناميًا في مناطق متنوعة في العالم العربي، والتي يصل نصيبها في السوق العالمي لبيع الوقود النووي إلى 36%.
كذلك ستتعاظم المكاسب السياسية لروسيا، الدولة التي تسعى لتعظيم نفوذها في العالم، وبسط سيطرتها السياسية والإستراتيجية في ملفات منطقة الشرق الأوسط، فباحتكار الشركة الوقود النووي للمحطة النووية المُزمع تشغيلها في منطقة الضبعة، تكون قد ضمنت لها السيطرة على أسواق العالم الثالث في مجال الطاقة النووية، بجانب الأردن وجنوب إفريقيا بعد إيران وتركيا.
كذلك تأسيس المحطة النووية سيمنح روسيا نفوذًا كبيرًا لها في مصر وفي منطقة الشرق الأوسط، خصوصًا مع توليها تشغيل منشأة حيوية ومهمة، قد لا تقل أهمية عن السد العالي من الناحية الأمنية والقومية، وتحكمها في تدفقات الوقود اللازم لتشغيل المحطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق