السيسى يتهيأ لافتتاح خيالي لـ "فنكوش القناة".. وزيادة أسطورية للأسعار والفقر
ورغم أن المشروع تدور حوله الكثير من الشبهات المتعلقة بجدواه الاقتصادية، وأضراره المحتملة على قناة السويس القديمة والبيئة المحيطة بها، إلا أن الحكومة تجاهلت تلك الانتقادات والشبهات حول المشروع، وبالغت فى الإعلان عن آثار المشروع الاقتصادية على مصر، ما جعل معارضيها يتهمونها بالمتاجرة بأحلام البسطاء الذين سارع بعضهم إلى شراء شهادات استثمارية بالمشروع.
وبحسب تقرير سابق، نشر على وكالة "رويترز" فإنه لا يوجد تفسير مقنع لهذا التضخيم فى نتائج المشروع سوى تصريح مسئول فى قناة السويس لـ "رويترز"، ضمن تقريرٍ أعده أوليفر هولمز وستيفن كالين، أن "القناة الجديدة سترفع عائدات قناة السويس من حوالى خمسة مليارات دولار إلى 13.5 مليار دولار"، ليس الآن ولا بعد عامٍ، ولكن "بحلول عام 2023".
مظاهر ضخمة للاحتفال
وبحسب مصادر صحفية، فإن حفل قناة السويس المقرر إجراؤه تحت إشراف هيئة قناة السويس، سيشمل العديد من مظاهر البذخ والتهويل، ومنها: تزيين المجرى الملاحى برا وبحرا وجوا بمحافظات القناة الثلاث "بورسعيد والإسماعيلية والسويس" بالأعلام المصرية، وإنشاء 20 نصب تذكارى بارتفاعات مختلفة، لا تقل عن 30 مترا، تعبر عن تاريخ مصر بمراحله المختلفة، ودعوة ملوك وأمراء ورؤساء العالم لحضوره، أبرزهم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، والرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند، كما سيظهر السيسى خلال الاحتفال على يخت "الحرية" (المحروسة سابقًا)، وفى نفس التوقيت تطلق سفينة واحدة فى كل ميناء من نحو 40 من الموانى العالمية سارينتها؛ تحية لافتتاح الممر الجديد.
وقالت جريدة "الأخبار" إنه ستظهر لأول مرة خلال الاحتفال طائرات "الرافال" الثلاث التى ستصل فى غضون أسابيع كدفعة أولى من هذه الصفقة من المقاتلات المتطورة التى تم إبرامها مع فرنسا، كما ستظهر أحدث دفعة من طائرات "إف-16" التى قررت الولايات المتحدة تسليمها إلى مصر، وتعد الجيل الأكثر تطورا من هذه الطائرات متعددة المهام، وستبحر فى مياه القناة الجديدة الفرقاطة الفرنسية "فريم" التى ستنضم إلى القوات البحرية المصرية فى غضون أسابيع وتعد الأحدث من نوعها فى العالم.
ويضم الحفل أيضا عرض جداريات وعلامات أرضية تحكى تاريخ مصر، ومشاركة سفن تجارية من 50 دولة تقل فرقا للفنون الشعبية تقدم عروضا فلكلورية تمثل ثقافاتها.
"السيسى" على خطى "إسماعيل" فى البذخ
ويُتهم السيسى بالسير على خطى إسماعيل فى البذخ والترف، وعدم مراعاته لظروف مصر الاقتصادية الصعبة، وتراجع الاحتياطى النقدي؛ "حيث أنفق مليونًا ونصف المليون جنيه على افتتاح القناة الأصلية".
ولم يكن ذلك الإسراف جديدا على السيسى؛ حيث قدر متابعون حجم ما تحملته خزينة الدولة فى أول احتفال للقوات المسلحة بانتصار حرب أكتوبر بعد الانقلاب العسكرى إلى 200 مليون جنيه، فضلاً عن تكلفة الانتخابات الرئاسية التى امتدت لثلاثة أيام، وبلغت 1.2 مليار جنيه .
وأشارت مصادر بوزارة المالية إلى أن تلك التكلفة تساوى تقريبًا ما تنفقه مصر على دعم التأمين الصحى والأدوية خلال العام المالى الجارى، وفقًا لحسابات مالية، اعتمادًا على بيانات وزارة المالية المصرية.
كما تم صرف أكثر من10 ملايين جنيه لتزيين الحدائق والطرق فقط فى يوم تنصيب السيسى للرئاسة فى السابع من يونيو 2014، فيما لم يعرف بعد التكلفة الإجمالية لقيمة حفل التنصيب بشكل كامل.
وبنفس الطريقة، أنفقت مصر قرابة 100 مليون جنيه على مؤتمر مارس الاقتصادى فى شرم الشيخ، والذى لم يلمس الاقتصاد المصرى أى نتائج إيجابية له حتى الآن، كما تستعد مصر كذلك إلى حفل ضخم لافتتاح مشروع قناة السويس الجديدة والذى يتوقع أن يصرف عشرات الملايين، دون جدوى أو أهمية سوى أن يكون دعاية سياسية للسيسى وحكومته بالتزامن مع مرور عام على مجيئها فى السلطة.
كوارث مخيفة عن مشروع القناة الجديد
وبحسب خبراء مصريين وأجانب، فإن المشروع الضخم الذى يحتفى به السيسى وحكومته لا تتناسب أهميته مع الترويج الحكومى له؛ حيث توجه عدة انتقادات حادة للمشروع نعرض أبرزها فى الآتي:
1ـ هدم منازل المواطنين المتواجدين بالقرب من المشروع، ومصادرة أراضيهم الزراعية، وتهجير مئات العائلات دون تعويض أو مهلة كافية للبحث عن بدائل للسكن والعمل
ففى هذا السياق نشر موقع "ميدل إيست آى" ("قناة السويس الجديدة" تشرِّد أكثر من ألفى شخص فى مصر)، وأشار التقرير إلى أن المشروع أدى إلى "تدمير أكثر من ألف منزل منذ بداية سبتمبر، ومصادرة أراضٍ زراعية، دون تعويض أو توفير سكن بديل".
2 ـ التسرُّع فى بدء تنفيذ المشروع، قبل استكمال ما يكفى من الدراسات، وهو ما أسفر عن ظهور مشكلات فنية لاحقة
وهى الملاحظة التى أشار إليها بيير كاتيو، المسئول فى مجموعة ديمي، لـ رويترز، قائلاً: "استغربنا كثيرًا من سرعة طرح المشروع فى السوق، وسرعة تسلمه، وسرعة تسليمه المرتقب".
3 ـ تضخيم جدوى المشروع الاقتصادية بدون داع
فما بين تصريح "السيسي": "سيشهد المصريون عهدًا اقتصاديا جديدًا يعتمد على قوة الشعب"، وتبشير وزيرة القوى العاملة بحكومة السيسي، ناهد عشري، بأن المشروع سيوفر مليون فرصة عمل، وسيطوِّر 70 ألف كيلومتر على جانبى القناة، فضلاً عن استصلاح وزراعة قرابة أربعة ملايين فدان.
لكن فى ظل تأكيد نيل ديفيدسون، كبير مستشارى الموانئ والمحطات فى شركة "درورى للبحوث البحرية" ومقرها لندن، أن "القناة الجديدة لن تؤدى بالضرورة إلى زيادة التجارة، ولكن تطوير المحور وما حوله قد يكون مربحًا".
4ـ تحديد موعد غير واقعى للانتهاء من المشروع
حيث طلب عبد الفتاح السيسي من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة - في مشهد تمثيلي- اختصار مدة التنفيذ من 3 سنوات يحتاجها المشروع، إلى عام واحد فقط، وموافقة مسئولي الهيئة على ذلك؛ مما فتح بابا للتساؤل عن إمكانية ضغط أي مشروع لفترة الثلث من المدة التي يحتاجها أصلا، ومدى تأثير ذلك على كفاءة العمل وعدم وجود أخطاء نتيجة التسرع في التنفيذ.
5ـ غياب الشفافية
وكعادة المشروعات التى تشهدها مصر خلال الفترة الأخيرة، أعلن السيسى أن القوات المسلحة ستكون هى المسئولة عن المشروع "لأسباب أمنية"، حتى الشركات العشرين الأخرى التى فتح الباب أمام إمكانية مشاركتها، قيدها بقوله: "لكن تحت إشراف عسكري"، ما يجعل المشروع برمته يفتقر إلى الشفافية لـ"دواع أمنية".
كما انتقد علماء ومختصون التسرع فى إنجاز المشروع، فى الوقت الذى يقال فيه للفقراء: "مفيش".
قال الدكتور عماد الوكيل -أستاذ هندسة واستشارى مشروعات التشييد بإحدى الجامعات الأمريكية - إن نزوح المياه من التفريعة الجديدة من قناة السويس سيؤثر على جوانب القناة ويؤدى إلى كارثة.
وطالب الوكيل، بردم ما تم حفره وحقن التربة فى الأماكن التى تتم حفرها، وإلا سننتظر كوراث فى القناة الحالية، مضيفًا أن حل الحقن مستحيل مستقبلا وستحتاج لحوائط خرسانية لتدعيم التربة، مؤكدًا أن تكلفته عالية ويصعب عمله أثناء تشغيل القناة .
كما هاجم حازم حسني، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، الترويج لمشروع قناة السويس الجديدة، على أنها قناة موازية للقديمة، موضحًا أنها فى الحقيقة وبحسب الخرائط، وما تم إعلانه، مجرد تفريعة صغيرة من تفريعات القناة.
وكشف "حسني"، فى لقاء على قناة "أون تى في" الفضائية عن أن مشروع قناة السويس الجديدة، موجود منذ أعوام لدى هيئة قناة السويس، وتم استبعاده لعدم وجود جدوى اقتصادية، أو ربح اقتصادى عائد منه، ورغم ذلك تم استدعاء فكرة المشروع؛ للترويج لـ"أننا نقوم بمشاريع قومية".
وأضاف أنه لا يعرف "كيف بدأنا فى مشروع القناة الآن؟ وكيف فى دولة رئيسها يقول معنديش.. مفيش.. مش قادر أديكم.. أجيبلكم منين، نبدأ فى مشروع لا يجوز أن نستهلم فيه عشرات المليارات، والتى كان من الممكن الاستفادة بها فى مشروعات أكثر أهمية!".
وكشف البروفيسور محمد جلال الإبياري، أستاذ الطبيعة الأرضية بكلية العلوم بجامعة حلوان، ورئيس قسم الجيولوجيا بالجامعة، فى بحث قصير، أن مشروع قناة السويس الجديدة؛ هو مشروع معرض للفشل ويخدم الكيان الصهيوني، إذ إنه يصنع لهم سدا مائيا آخر يساعدهم فى منع مصر من دخول سيناء لو تم احتلالها مستقبلًا.
وقال الإبيارى فى رسالته البحثية: "والآن بعد أن أصبح عرض قناة السويس الحالى 313 مترًا، ومع إضافة القناة الجديدة يصبح عبور قناة السويس صعبًا مع استحالة وضع رؤوس جسور يسهل حمايتها من التيارات والأمواج البحرية والضربات الجوية، فإن الغرض الأساسى لتوسيع قناة السويس هو عزل سيناء بمانعين مائيين ومنع أى فرصة لعبور الجيش المصري، والمستفيد الرئيسى الأول والأخير؛ هو إسرائيل"، على حد قوله.
كما نشرت الصحف الغربية عدة تقارير تشير إلى الأضرار البيولوجية المحتملة لمشروع قناة السويس الجديد، كان آخرها التقرير الذى نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية وأعده مراسلها باتريك كينجسلي، وأشار فيه إلى أن مخطط قناة السويس "يهدد النظام البيئى والنشاط البشرى فى البحر الأبيض المتوسط"، ونقل عن علماء وباحثين دوليين أن القناة الجديدة تنذر بغزو المزيد من الكائنات البحرية الضارة للبحر المتوسط عبر البحر الأحمر، ويحتمل أن يمتد الضرر المحتمل إلى المنطقة ككل.
"مفيش" للفقراء
وتزامن البذخ الواضح فى الإنفاق على القناة وافتتاحها، مع التضييق المتزايد على الفقراء؛ حيث اتخذت الحكومة العديد من السياسات أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر، كما شهدت مصر خلال العام الأخير موجة من الغلاء هى الأعنف على الإطلاق منذ عدة سنوات؛ وذلك نتيجة عدة قرارات اتخذتها الحكومة، وعلى رأسها رفع الدعم عن المواد البترولية، مما أدى إلى زيادة معدلات الغلاء بشكل جنونى.
وتسببت سياسات الحكومة فى ارتفاع معدل التضخم فى 2014 إلى نحو 11.5%، وذلك مقارنة بعام 2013، والذى لم يتجاوز 8.5%، وهو ما أثر بشكل كبير على حياة المواطنين، خاصة الطبقات الأكثر فقرا.
كما تجاوزت نسبة البطالة فى مصر مستوى 25%، بحسب تقرير البنك الدولى الصادر العام الماضي، وذلك فى الوقت الذى تقدرها الحكومة المصرية بـ13% فقط.
وتشير بيانات البنك المركزى إلى بلوغ الدين العام المحلى 1925 مليار جنيه بنهاية العام الماضي، بزيادة 86.2 مليار جنيه خلال الربع الأخير من العام الماضي، ليصل معدل الزيادة الشهرية للدين المحلى خلال الربع الأخير إلى 28.7 مليار جنيه.
وأصدرت الحكومة، مطلع يوليو الماضي، قرارا برفع الدعم عن الوقود؛ تنفيذا لقرارت السيسي، والذى أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود بنسبة 78%؛ حيث تقرر رفع سعر لتر بنزين 80 والمعروف بأنه "بنزين الفقراء"، والذى لم يرتفع منذ أكثر من 22 عاما إلى 1.60 جنيه للتر، بزيادة نسبتها 78% عن سعره الأصلى الذى كان 0.90 قرشا.
كما تم رفع سعر البنزين 92 إلى 2.60 جنيه للتر بزيادة 40% بدلا من 1.85 جنيه فى السابق، كما تم رفع سعر لتر السولار إلى 1.80 جنيه للتر بدلا من 1.10 جنيه أى بزيادة 63.%
وأعلنت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، فى يوليو الماضي، عن بدء خطة ارتفاع فى تعريفة أسعار الكهرباء بالنسبة للاستهلاك المنزلى أو التجارى على مدار الخمس سنوات القادمة، تصل من 10% إلى 30%، وذلك فى إطار خطة الحكومة لإعادة هيكلة الدعم المقدم فى سلعة الكهرباء.
ورغم مزاعم الحكومة بأن الزيادة لم تزد عن الـ30%، إلا أن آلاف الشكاوى من قبل مواطنين تؤكد زيادة أسعار فواتير الكهرباء بشكل جنونى يصل إلى 100 % وربما أكثر، الأمر الذى وصفه البعض بأن الفواتير تعصف بالدخل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق