29 مايو , 2015
شارك مئات الآلاف في استطلاع للرأي يشهدون فيه بصلاح الرجل. جنازة مهيبة
شاركت فيها أعداد كبيرة في درجة حرارة زادت عن الخمسين، كما قيل. وصور
انتشرت له هنا وهناك مع زوجته الجميلة، التي لم يمر على زواجها منه أكثر من
سنة.
حتى الصحف التابعة للانقلاب، كتبت عنه دون أن تعلم من هو، الوفد والتحرير والوطن. مئات الآلاف ترحموا عليه، وأكثر من خمسين عمرة وهبها من قاموا بها لروح أحمد جبلي، حتى أن زوجته ذكرت أنه تم إبلاغ إمام الحرم المكي لتتم صلاة الغائب على روحه.
سيرة عطرة هادئة وعزاء ورحمات دعا بها مئات الآلاف وصور من رابعة.
أحمد الذي لم يتوقف المصريون عن الترحم عليه والدعاء له بالجنة بالأمس، نشر على حسابه الشخصي بتاريخ 5 أيلول/ سبتمبر 2013 صورة مرعبة كتب تعليقا عليها:
"الصورة دي أنا مصورها بتليفوني من موقعي يوم مجزرة ومحرقة رابعة في عمارة شارع الطيران اللي كانت تحت الإنشاء، ولله الحمد وأصدق على كلام هذه الشهادة حرفا حرفا، ووالله ما حدث أكثر وأفجر من كل الكلام الذي يقال".
ثم أورد بعدها شهادة مروعة عما قامت به مليشيات الانقلاب المسعورة التي اقتحمت البناية بالسلاح، وكانت تطلق النار على كل من تظهر عليه علامات الحياة، ولم يسلم جريح أو شهيد من رصاصهم.
الصورة التي نشرها أحمد جبلي رحمه الله، مروعة وتغني عن أي تعليق، الصورة تظهر شجرا محروقا، وسيارات متفحمة، وشوارع اسودت أرضيتها، ودخان أسود كثيف يرتفع إلى السماء فيعلو البنايات المحيطة بالمكان.
فوضى وحرائق ولهب وأرض مشتعلة، ورائحة شياط تستطيع أن تشمها، وأصوات أنين يخيل لك من بشاعة الصورة أنك تسمعها. وما جاء في الشهادة عن همجية مليشيات الانقلاب، وعلى الرغم من بشاعة الوصف، فإنه لا يرقى لبشاعة الصورة ذاتها.
في ذلك اليوم، لكي لا ننسى، دُهست جثامين الشهداء والجرحى ببلدوزرات الجيش، وأحرق المستشفى الميداني، وأضرمت المليشيات الصهيونية النار في مسجد رابعة.
أذكر أن أحد قيادات التليفزيون الحكومي اتصل بي تليفونيا ليهددني كي أتوقف عن تسمية الانقلاب بالانقلاب، وعن مهاجمة عصابة المجلس العسكري، وكان واضحا من لهجته أنه تم تلقينه ما يقول، وقال لي بالحرف (أعداد القتلى أكبر بكثير مما قيل).
لم أتشرف بحضور اعتصام رابعة لظروف تواجدي في الولايات المتحدة، ولكنني كنت مثل غالبية المصريين أتابع الاعتصام لحظة بلحظة، أشاهد ما تبثه قناة الجزيرة، أدعو مع المصلين في صلاة التراويح وصلاة الفجر أن ينصرهم الله.
أتابع تلك الأجواء المريحة التي تحيط بميدان رابعة، وذلك الحضور الجميل المتحدي للثوار، وهم يهتفون ثم يخرجون بمسيرات ضخمة تجوب المنطقة المحيطة بالاعتصام، استمع مثل مئات الآلاف غيري إلى خطبة من هنا أو هناك، والتمس الأمل فيهم يوميا. كان مجتمعا نقيا وأرضا فاضلة تثير حسد العصابة الإجرامية.
كنت أشعر من تصريحات إعلام الانقلاب أن كل ذلك الطهر يضغط على أعصابهم، وأن ذلك النقاء يستفزهم ويشعرهم بضآلتهم، كان اعتصام رابعة يقول لهم يوميا: "أنتم خونة مجرمون!".
كان أحمد الجبلي الذي أثار مواقع التواصل في مصر كلها ابن تلك التجربة، كان خريج تلك المدينة الفاضلة، التي لم يطل بقاءها على الأرض كثيرا.
هذا الشاب الصالح الذي ترك زوجة حاملا في طفل لم ير النور بعد، مر بتلك التجربة، ورفض هؤلاء المجرمين، ووقف في وجه أولئك الفجرة.
رابعة لم تمت، فهناك مئات الآلاف مروا برابعة مثل أحمد يعيشون في مصر، ويقودون ثورتها في الشوارع منذ عامين، وهناك مئات الآلاف غيرهم لم يتشرفوا بالمرور في رابعة، ولكنها تركت في نفوسهم آثارا لا تُمحى.
مازلنا نذكر صلاة الفجر والتراويح في رابعة
مازلنا نذكر هتافات رابعة
ومازلنا نذكر محرقة رابعة
القصاص لشهداء رابعة وأخواتها قادم إن شاء الله
وما بيان (نداء الكنانة) الذي صدر أول أمس إلا خطوة صحيحة على طريق أظنه لن يطول كثيرا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق