الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015

أزمة مهنة أم نخبة؟ بقلم فهمي هويدي


أزمة مهنة أم نخبة؟
بقلم فهمي هويدي


لدى عدة ملاحظات بخصوص أزمة الإعلام المثارة الآن فى مصر التى تبذل جهود حثيثة لاحتوائها وحل إشكالاتها. هذه الملاحظات هى:
* أن الإعلام المصرى أصبح سيئ السمعة، ليس فى الداخل فقط وإنما فى العالم العربى والخارجى أيضا، ففقد تأثيره واحترامه. وفى حدود خبرتى المتواضعة فإنه ما من محفل شاركت فيه خارج مصر إلا وكانت حجتى أمام ما أسمعه من انتقادات لاذعة أن الإعلام ليس مصر ولا يمثل الشعب والمجتمع المصرى.
* أن الذين ينتقدون الإعلام يركزون على القنوات التليفزيونية بأكثر مما يتحدثون عن الصحف الورقية. صحيح أن الصحافة المصرية تعانى من التدهور والهبوط بما يدعو إلى الأسف. إلا أننا ينبغى أن نعترف بأن الأداء التليفزيونى كارثى بما يدعو إلى الخجل. ولأن التليفزيون هو الأكثر انتشارا والأقوى تأثيرا فإن ما هو كارثى ومخجل أصبح ذائعا ومرصودا وأكثر مما هو مؤسف.
* بسبب التأثير الهائل للتليفزيون فإنه أصبح جاذبا لمراكز القوة فى كل مجتمع. وإذا كانت خطورته أقل فى الدول الديمقراطية بسبب وجود المؤسسات الموازية إلى جانب قوة تلك المجتمعات، إلا أن تلك الخطورة تتضاعف فى مصر بسبب الفراغ السياسى والضعف الذى تعانى منه مؤسسات المجتمع باختلاف أنواعها. وهو ما يسوغ لنا أن نقول بأن القنوات التليفزيونية أصبحت فى بلد كمصر تؤدى دور الأحزاب. وأن بعض مقدمى البرامج تحولوا إلى زعماء لتلك الأحزاب. إذ صار لهم دورهم الذى لا ينكر فى توجيه الرأى العام. وهو ما أكدته الانتخابات البرلمانية الأخيرة التى وجدنا أن بين الفائزين فيها بنسب عالية من الأصوات إعلاميون من ذوى السمعة السيئة الذين يهبط رصيدهم تحت الصفر بكثير باعتبارهم من رموز الإعلامى الفضائحى.
* قوة الإعلام وخطورة تأثيره فى مجتمع يعانى من الفراغ السياسى مثل مصر جعل مراكز القوى تتنافس على الاستحواذ عليه. صحيح أن هيمنة السلطة قائمة فى مصر منذ عقود بدرجة أو أخرى. إلا أنها لم تعد تحتكر الفضاء الإعلامى. إذ برزت إلى جانبها قوة رأس المال. التى صارت موازية لقوة السلطة وليست منافسة لها. إن شئت فقل إنها أصبحت شريكة لها وفى أحيان كثيرة مكملة لها. وحين دخل رجال الأعمال إلى الساحة من خلفيات شتى لا علاقة لها بالمهنة. فإنهم استجلبوا معهم حساباتهم ومعاييرهم الخاصة، التى أحدثت هزة عنيفة فى تقاليد الأداء الإعلامى. بوجه أخص فإن الضوابط والمعايير الشخصية والثقافية التى كانت معتمدة فى مقدمى البرامج التليفزيونية تمت الإطاحة بها.
* حين هيمنت قوة السلطة إلى جانب قوة رأس المال على الإعلام فإن منابره أصبحت أبواقا للطرفين. وفى الفراغ برزت الدولة العميقة كمحرك أساسى للأداء الإعلامى وعنصر مهيمن على عملية تشكيل الرأى العام. وإذ استصحب ذلك تراجعا للحرفية فى المهنة وتغييرا فى قيمتها، فإنه ترتب عليه أيضا أن المشهد الإعلامى أصبح يدار فى حقيقة الأمر من خارج المهنة وليس من داخلها.
* تأثير القوتين العظميين (السلطة ورأس المال) لم يكن مقصورا فقط على التراجع فى مستوى الخطاب ومقاصده وقيمه، لأنه أسهم أيضا فى تشكيل نخبة جديدة من خلال انتقاء أناس بمواصفات معينة تتوافق مع المقاصد المرجوة. وتتفنن فى تلميعهم وفرضهم على الرأى العام. فهذا خبير استراتيجى وذاك فقيه قانونى والثالث ناشط سياسى والرابع قيادى... الخ. ورغم أن بعض هؤلاء قد يكونون من المجهولين الذين لم يسمع بهم أحد فى مجالاتهم إلا أن جهود التلميع والإلحاح على تقديمهم فى مختلف المناسبات بتلك الصفات الموحية بالحيثية، تحولهم بمضى الوقت إلى شخصيات عامة وجزءا من نخبة المجتمع التى تقود وتفتى فى المسارات والمصائر.
* حين فتح ملف الإعلام مجددا فى الآونة الأخيرة بعدما صدم الجميع بما وصل إليه البث الفضائحى. فإن أطرافا عدة وثيقة الصلة بالمهنة نشطت فى محاولة إنقاذها مما وصلت إليه. وعقدت لذلك اجتماعات شاركت فيها نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة وجهات أخرى ذات صلة. وطرحت خلال الاجتماعات أفكار شملت مدونة السلوك الإعلامى وميثاق الشرف والتشريعات التى تنظم المهنة، وهى أفكار لا تخلو من وجاهة، لكن يعيبها شىء واحد هو أنها تسعى لإصلاح المهنة من الداخل فى حين أن مشكلاتها الأساسية نابعة من الخارج. بمعنى أن صلتها بالبيئة السياسية أقوى من انتسابها إلى الوسط الإعلامى، حتى أزعم أن الأول أصل والثانى فرع أو صدى.
* لا أختلف على أن الإعلام والإعلاميين فى أزمة، لكننى أتساءل: هل هى مقصورة على ذلك القطاع دون غيره أم أنها أشمل وأوسع نطاقا. ذلك أننا إذا تلفتنا حولنا فسنجد أن النخبة المصرية ذاتها تواجه أزمة. ليس فى تعريفها فقط. ولكن أيضا فى مواقفها من قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بل أيضا فى موقفها من قضايا الأمة وفى المقدمة منها قضيتا فلسطين والوحدة العربية. وهو تساؤل يستدعى السؤال التالى: هل نحن بصدد أزمة مهنة فقط أم أننا نعيش أزمة مرحلة تعددت شواهدها وتجلياتها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق