السبت، 12 ديسمبر 2015

تداول السلطة السلمى وحقوق الإنسان بقلم: د. فتحي أبو الورد


تداول السلطة السلمى وحقوق الإنسان

بقلم: د. فتحي أبو الورد

كان مبدأ تداول السلطة السلمى أحد المكاسب السياسية التى انتهى إليها أمر الغرب فى تنظيم شؤون الحكم، بعد رحلة كفاح دامية بين الشعوب وحكامها، فى مراحل مسيرتها نحو الحرية والتحرر.
وكان تحديد ولاية الحكم بعدد معين من السنوات، وكذلك تحديد عدد الولاية بمرتين لمن أراد أن يخوض التجربة مرة أخرى، مهما كانت كفاءته وقدراته، كان ذلك أضمن وسيلة لتحقيق هدف التداول السلمى للسلطة، وتجنيب البلاد والعباد شرور شهوة السلطة، ورغبة التسلط على العباد، وقطع الطريق أمام المستبدين.

ويعتبر ما سبق أكبر المكتسبات العامة التى عادت بالنفع والمصلحة على الشعوب فى مجال حقوق الإنسان.

وهذا الشأن الذى سلكه الغربيون، ورأوا فيه مصالحهم، هو ما يرتضيه فقهاؤنا المعاصرون، وهو الذى يحقق مقاصد الشريعة فى الفقه السياسى الإسلامى من تحقيق العدالة والمساواة والشورى ومساءلة الحكام ومحاصرة الظلم والاستبداد.

وكما يقول الشيخ الغزالى -رحمه الله- إن الإسلام لم يضع رسما محددا لأسلوب الحكم وإنما وضع له أخلاقا ترعى وقيما تصان.

كما أن معاني تجنب الفتنة والفوضي وسفك الدماء التي تحدث عنها الفقهاء في باب عزل الحاكم، توجب علينا أن نتبنى مبدأ تداول السلطة السلمى، وتحديد مدة الولاية وعدد مراتها، أساسا دستوريا فى حياتنا الإسلامية المعاصرة لا محيد عنه، من أجل حقوق الإنسان.

ويرى هذا الرأى الدكتور الدكتور توفيق الشاوى والشيخ يوسف القرضاوى، والدكنور محمد سليم العوا، ويعتبر أسبقهم جميعا إلى هذا الرأى فى الفقه السياسى المعاصر الفقيه الدستورى عبد الرزاق السنهورى فى رسالته للدكتوراة "فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية" من جامعة ليون بفرنسا عام 1925، وترجمتها إلى العربية ابنته الأستاذة نادية عبد الرزاق. والذى قال بوضوح : لا يوجد في مبادئ الفقه الإسلامي أي مانع من تحديد مدة الولاية.

وفى تبنى الرأي القائل بتأقيت مدة رئيس الدولة، وعدد مراتها مصالح كثيرة للأمة أهمها التمكن العملي وبنص الدستور على التغيير إذا رأت الأمة أن اختيارها لم يكن موفقا حين ينسلخ الحاكم عن وعوده، ويتنصل من تعهداته كما هو حادث اليوم، كما أنه يعتبر ضمانا ووسيلة آمنة لتغيير الحاكم إن تعذر عزله عند وجود أسباب العزل إن هو سلك طريقا ما للتحصن بمنصبه دون اللجوء إلى العنف والفوضي، فانتهاء مدة ولايته المحددة يسقط عنه الشرعية، وينعزل من تلقاء نفسه، كما أن ذلك يعطي الفرصة لدوام التجديد والتطوير والتحسين لأداء دور من يشغل منصب الرئاسة، فيعطى كل حاكم أفضل ما عنده خلال مدة ولايته، وهذا يصب فى مصلحة الأمة حيث تستفيد بصفوة عطاء كل حاكم في أقل مدة ممكنة، وينعكس ذلك إيجابا على ما يعرف حديثا بحقوق الإنسان.

إننا لا نجد مبررا اليوم لدستور يغفل في نصوصه نصا يحدد مدة ولاية رئيس الدولة وعدد مرات الولاية التي يجوز له توليها إن اختارته الأمة بإرادتها الحرة، لا نجد مبررا لدستور يغفل ذلك ويتجاهل المكتسبات التي حققتها الشعوب بعد صراع مرير مع استبداد الحكام، إنه نص ينحاز إلى إرادة الأمة، ويعزز حريتها، ولا يضر ذلك الحاكم فى شىء، فإن هو أثبت جدارته ونال ثقة الأمة فإن صناديق الاقتراع ستأتي به ثانية ــ إن قلنا بجواز تكرار الولاية ــ، أما إذا كانت الأخرى فليذهب إلى مزبلة التاريخ ولا كرامة.

وما نرتضيه فى شأن الحكم من تحديد عدد الولايات ومدة كل ولاية هو نفس ما نرتضيه فى شأن إدارة مؤسسات المجتمع المدنى والأهلى، والهيئات الشعبية، والجمعيات الدعوية والخيرية، وما يقال هناك يقال هنا.

وهناك بعض المؤسسات الشعبية يجنح بعض من يتصدرون العمل بها نحو إطلاق عدد الولايات، وكأنهم أنبياء يأتيهم الوحى، وقد كتبت لهم العصمة. وقد يتعلل بعضهم فى إطلاقه هذا بأن الكلمة الأخيرة لأعضاء الجمعيات العمومية، إن شاءوا جاءوا بهم مرة ثالثة ورابعة، والأمر شورى، ونسى هؤلاء أنهم من الناقدين لهذا المسلك فى الحكم، فما الفرق إذن ؟ إضافة إلى أن جانبا كبيرا فى الثقة بهم من قبل الناخبين الذين لم يتعرفوا بهم عن قرب صنعته الصدارة والظهور الإعلامى، وليس الكفاءة وحدها.
وقد حدثنا التاريخ أن المعتزلة الذين تغنوا بالحرية والعقلانية تنظيرا، كانوا أشد الناس معاداة لها تطبيقا، عندما كانوا فى موضع التأثير فى صناعة القرار، وما موقفهم من الإمام أحمد، وممن عارضوهم فيما عرف بمحنة خلق القرآن ببعيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق