شاهد- 6 لاعبين كسروا ديكتاتورية العسكر.. «أبوتريكة» آخر مناضلي الملاعب
22/12/2015
وقف الأنصار فى مدرجات استاد جابر الدولي بالكويت على أطراف أصابعهم لحظة دخول نجم الكرة المِصْرية محمد أبوتريكة إلى أرض الملعب فى حفاوة تليق بقيمة أحد أبرز من أنجب البساط الأخضر فى الوطن العربي، ضاربًا بعرض الحائط العلاقة المتطردة التى تربط النظام الأميرى فى البلد الخليجي مع الانقلاب العسكري فى مِصْر.
وفى الوقت الذى اعتبر المراقبون أن الحفاوة الجماهيرية بمثابة رسالة شعبية على مساندة الشرعية التى انتهكها العسكر فى مِصْر، وكان أمير القلوب أحد ضحاياها بحزمة من القرارات الفاشية التى تتعلق بحظر أمواله وعزله رياضيًّا وحصاره إعلاميًّا، كانت السلطة الحاكمة فى الكويت تتماها مع النسق الشعبي وتقرر تكريم اللاعب المحارب فى بلده.
محمد محمد محمد أبوتريكة لا يمكن الحديث عنه كلاعب لا يشق له غبار، نجح فى فترة وجيزة ربما لا تتجاوز الـ10 أعوام أن يسطر اسمه ضمن أساطير الكرة المِصْرية وأيقونة النادي الأهلي، خاصة أن المقام لا يتسع لحصر إنجازاته وأرقامه على الصعيد الدولي والمحلي، أو حتى التطرق لتلك اللمحات الإنسانية والأخلاقية التى قدمها "القديس" عبر مسيرته الحافلة، إلا أنه يمكن الحديث عن الوجه النضالي لـ"تريكة الحر".
صانع الألعاب الذى كانت تتصدر صورته إلى جوار المخلوع مبارك فى محاولة من النظام المنحل لاستثمار إنجازات منتخب الساجدين فى تسكين آلام الشعب المِصْري والمتاجرة بـ"فناكيش" وهمية، لم يتردد فى النزول إلى ميدان التحرير فى ثورة 25 يناير ليشارك الشعب بمختلف طوائفه وانتماءته فى المطالبة برحيل سليل انقلاب 23 يوليو، دون أدنى محاولة فى خطف الكاميرات أو ركوب الموجة.
ومع توالى الأحداث الدامية فى الدولة فى ظل حكم المجلس العسكري، أعلن أبوتريكة مجددًا موقفه الرافض لتلك السلطة الفاشية، فرفض مصافحة وزير الدفاع حسين طنطاوي عقب عودة الفريق بأعجوبة من مالى فى طائرة عسكرية بعد الانقلاب العسكري فى البلد القابع فى غرب إفريقيا، بعدما استشعر اللاعب الخلوق بدماء شهداء أولتراس أهلاوي الـ74 الذى ارتقوا فى مذبحة استاد بورسعيد تتساقط من يد المشير.
ثالثة الأسافي تجسدت فى وقوف تريكة إلى جانب الجماهير برفض عودة النشاط الرياضي المحلي قبل القصاص من دماء الشهداء ومحاسبة المسئولين فى المنظومة على تقصيرهم قبل أن تتكرر المأساة، فخالف قرار النادي بالمشاركة فى كأس السوبر، وتحمل كافة العقوبات وحملات التشهير التى طالته.
وجدد اللاعب الذى رفض السباحة مع التيار والوقوف إلى جانب رئيس الثورة محمد مرسي فى مواجهة رأس الفلول أحمد شفيق، عهده مع الشرعية ورفض الانقلاب وإراقة الدماء، بغض النظر عن الأسماء فرفض مصافحة وزير رياضة الانقلاب طاهر أبوزيد عقب تتويج الأهلي باللقب القاري قى نهائي 2013.
نضال أبوتريكة قابله فى الجهة الفاشية حملات تشويه واعتقال أقاربه باتهامات ملفقة، والتحفظ على أمواله، وحصاره إعلاميا، فضلا عن حرب إعلامية شعواء لطمس إنجازات اللاعب وحجب الشمس بالغربال، غير أن تلك الحملات التى تبرهن أنه لا كرامة لنبي فى وطنه كانت تقابلها بطبيعة الحال حفاوة قياسية تصاحب اللاعب كلما حل وارتحل من المحيط إلى الخليج وحتى فى ديار أقرب الموالين للانقلاب العسكري.
تريكة لم يكن أبدًا النموذج الأوحد لنضال الملاعب فى وجه الديكتاتورية والفاشية والظلم، ولكنه يبقى الأيقونة الأهم فى الوطن العربي مهاريا وفنيا وأخلاقيا وإنسانيا، قبل أن ينضم إلى لائحة الشرف التى تضم مناضلين كرة القدم فى العالم.
الطبيب سقراط والديمقراطية
لم يدرك المنظرون أن الكرة يمكن أن تكون أداة للدفع نحو الثورة ولم يحاولوا أن ينزلوا بخطابهم من البرج العاجي إلى المدرجات، فخسروا الملعب لصالح العسكر لاستخدامه كمفعول تخديري على جماهير يعتبرها "لا واعية"، دون أن يحاولوا فى أى مرحلة القراءة بتمعن فى سير الثورات ودعوات التغيير فى بلدان عانت من سطوة البيادة وذاق مرارات الانقلاب.
سقراطيس "سقراط" أسطورة الكرة البرازيلية برز كأحد أبرز النماذج الملهمة، بعد أن خاض نضالا بطوليا ضد الديكتاتورية العسكرية في بلاد السامبا، فنقل التزامه بقضايا الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية إلى ناديه كورينتيانز ليقود أشهر عملية دمقرطة لناد لكرة القدم في العالم، ويدفع الجميع للثورة ضد الفاشية.
ولم يتوقف نضال سقراط عند حدود كورينتيانز فقام بتحفيز الجماهير على ممارسة حقوقهم في التصويت والاختيار عبر رفع شعارات قبل المباراة وارتداء قمصان تطالب بالـ"ديمقراطية"، وشارك في حركة "الانتخابات المباشرة الآن" وهي حملة شعبية كانت تدعو لانتحاب الرئيس البرازيلي بشكل مباشر، وكان يشعر أنه في مهمة ولم يتدرب بشكل اعتيادي طوال الفترة التي عرفت الاحتجاجات.
كازيلي يحطم بينوشيه
ويبرز فى ساحة النضال كارلوس كازيلي اللاعب الشيلي الذي عارض بشراسة النظام العسكري الذي قاده السفاح بينوشيه، بعد انقلابه على الرئيس اليساري المنتخب أليندي سنة 1973، والذي بدأ صدامه مع العسكر مبكرا برفض مصافحة الديكتاتور على رءوس الأشهاد وأمام 40 ألف مواطن اصطفوا لمراقبة احتفال الانقلاب بتأهل منتخب كرة القدم إلى المونديال.
يقول هداف الكرة الشيلية: "فجأة فتحت الأبواب، وكان هناك ذلك الشخص بنظارات سوداء وقبعة وبملامح قاسية، كان يسير ويصافح اللاعبين المتأهلين إلى كأس العالم، وحينما اقترب مني وضعت يدي خلفي، وحينما مد يديه إليّ لم أصافحه، لقد ساد صمت دام بالنسبة إلي آلاف الساعات. كإنسان كنت ملزماً بأن أقوم بذلك لأنه كان خلفي شعب بأكمله يعاني، ولا أحد كان يفعل شيئاً لهم، حتى حانت اللحظة التي قلت فيها كفى، لا للديكتاتورية".
موقف كازيلي من بينوشيه دفع ثمنه باهظا بعدما أقدم العسكر على تعذيب والدته انتقاماً منه، والتشهير به عبر الأذرع الإعلامية، واستبعاده بقرار سياسي من الملاعب ليرحل إلى إسبانيا ويقرر من هناك الاعتزال عام 1985، ليقود حملة ضد الاستفتاء الذي كان دعا إليه بينوشيه لإعادة انتخابه سنة 1988 رغم كل المضايقات التي تعرض لها في مساره الكروي، وكان أن خسر بينوشيه في نتيجة الاستفتاء لتعلن الشيلي بذلك طي صفحة الديكتاتورية العسكرية.
فولر وثورة العمال
خريف سنة 1997، نقل النضال من القارة اللاتينية إلى أوروبا، مع تصاعد إضراب عمال موانىء مدينة ليفربول للسنة الثانية، فاستغل لاعبو ليفربول مباراة ربع نهائي كأس الكؤوس الأوروبية وقاد مهاجم الريدز روبي فولر، حملة الدفاع عن مطالب أبناء المرسيسايد برفع قميصه يظهر تضامنه مع العمال، ووثق تلك اللحظة من رفاقه : "كل ما كنا نريده هو مدّ العون لأشخاص نعرفهم لم يتلقوا أي أتعاب عن عملهم".
ودفع اللاعب الضريبة بحزمة قرارات من اللجنة التأديبية للاتحاد الأوروبي عقب هذا الحادث بتغريم فولر 20000 فرنك سويسري، وتوجيه إنذار للاعبين بأن التعاليق حول قضايا خارجة عن كرة القدم غير مقبول على أرض الملعب.
باسيتش يتحدى الإبادة
الحال لم يختلف كثيرا عنه الآن ولكن فى البوسنة، حيث انتفض اللاعب بريدراج باسيتش قائد نادي ساراييفو واللاعب السابق في صفوف المنتخب اليوجوسلافي فى مواجهة شلالات الدم وحرب الإبادة الجماعية، وخاض معركة واسعة ضد النزاع الطائفي والإقصاء والإبادة في البوسنة التي نتج عنها قرابة 100 ألف قتيل، والانقسامات بين الصرب والكراوت والمسلمين الذين تواجهوا في هذه الحرب بين 1992 و1995.
وأسس باسيتش خلال النزاع مدرسة لكرة القدم "بوبامارا" وكانت رسالته تدريب لاعبي كرة قدم وخصوصا الشباب القادرين على نبذ الانقسامات التي يفرضها قادة الحرب، وجسدت "بوبامارا" أحد الأمثلة النادرة عن الحياة المتعددة الثقافات التي لا تزال قائمة اليوم في البوسنة" مع أن المشروع لا يلقى دعما كاملا من السلطات.
الفيل دروجبا والحرب الأهلية
ومن انقلاب السيسي إلى الحرب الأهلية فى كوت ديفوار، لعب المهاجم الإيفواري الأشهر ديدييه دروجبا دورا بارزا في توحيد الشعب المتناحر، حيث حمل أيقونة تشلسي الإنجليزي على عاتقه إنهاء حالة الانقسام التي كان يعيشها البلد بسبب الحرب الأهلية الطاحنة.
واستغل دروجبا حفل تتويجه بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب إفريقي ليطلب من الطرفين المتحاربين إيقاف الحرب، وطالب الرئيس الإيفواري -نذاك- لوران جباجبو أن يسمح له بالاحتفال في بواكي معقل المتمردين كمساهمة منه في دعم السلام في البلد، فوافق الرئيس مكرها وخصص له طائرة رئاسية ليتم استقباله استقبال الأبطال ويساهم فى عودة الاستقرار فى بلاده.
دي أوليفيرا وفاشية البرتغال
ولم تنس البرتغال اللاعب الأشهر كانديدو دي اوليفيرا ليس لكونه لاعبًا ومدربًا وصحفيًّا لا يشق له غبار، ولكن لكونه معارضًا شرسًا للديكتاتورية العسكرية، بقيادة أنتونيو سالازار، وكلفت معارضة لاعب بنفيكا ضد النظام الديكتاتوري السجن في معتقل "تارافال" الشهير في الرأس الأخضر، الذي كان سالازار ينفي إليه ألدّ خصومة.
وسُجن دي اوليفيرا فى ظروف بالغة القسوة بعيدا عن دياره، إلا أن ذلك لم ينل من عزم مدرب المنتخب البرتغالي ما بين 1942 و1944، فظل يكافح ضد الفاشية حتى كسر الحكم العسكري وعاد محمولا على الأعناق لتولي منصبه مدربا لمنتخب بلاده مباشرة بعد خروجه من السجن سنة 1945.
ولا يمكن أن ننسي دور النجم الجزائري رشيد مخلوف فى مواجهة الاستعمار، أو صمود نجوم برشلونة فى مطالب كتالونيا المشروعة وعلى رأسهم "جوارديولا وبيكيه وبوسكيتس وتشابي وفالديز" أو دور لاعبو أتليتك بلباو فى نداءات اقليم الباسك بالحرية، نماذج مضيئة لم تختلف عليها الجماهير واحتفي بها الأحرار حول العالم وأجبرت الخصوم على الانحناء لها احتراما، ويبقي تريكة الأيقونة المصرية فى مواجهة الفاشية العسكرية.
الرابط:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق