سليم عزوز : السيسي إلى مهرجان "ألمانيا السينمائي"!
الثلاثاء، 02 يونيو 2015
عندما قرأت أن "رئاسة الجمهورية" طلبت من تسعة عشر فنانا وفنانة اصطحاب "عبد الفتاح السيسي"، في رحلته إلى ألمانيا، قلت لقد ذكرني القوم بالذي مضى.
فلا شك أن السيسي بولعه بأهل الفن، وبنجمات السينما ، حتى وإن كن من "القواعد من النساء"، ذكرني بأيام الطفولة، عندما كان هناك من يكبرني ببضع سنين، ولم يشغله من دراسته الأزهرية سوى حفظ "دعاء قضاء الحاجة"، وإذا كان وهو "الأزهري الصغير" لا يصلي إلا في أيام الامتحانات، فقد راعنا أنه انتظم فيها، بعد ظهور النتيجة، وكنا نغبطه، فقد كان لأنه الأكبر سنا منا، يسمح له بالصلاة في المسجد، بينما كنا نحن في نضال مستمر، مع كل أذان ونحن نتسحب على أطراف أصابعنا إلى داخله، مخافة أن يلمحنا، صاحب المسجد "الحاج محمد عتمان"، فيطردنا.
سألنا صاحبنا، عن السر وراء مواظبته على الصلاة، وقد تجاوز مرحلة الامتحانات، فأخبرنا أنه قد فتن بالفنانة "فايزة أحمد"، وأنه يصلي ويدعو بدعاء "قضاء الحاجة" من أجل أن ينال المراد!
وكانت دهشتنا كبيرة، ليس لأنه وهو الذي تجاوز مرحلة الطفولة إلى مرحلة الصبا بسنوات قليلة، ويعيش في "الصعيد الجواني"، يحلم بنجمة كبيرة كـ "فايزة أحمد"، ولكن لأن "فايزة أحمد"، لم تكن فاتنة كـ"سعاد حسني" مثلا، وربما كان قنوعاً فرضي بالقليل، وبالتي هي أدنى، مع أن المثل يقول: "إذا سرقت اسرق جمل وإذا عشقت اعشق قمر"!
"السيسي" وقد ترقى وصار رئيسا، إلا أنه مرتبط بالذكريات عندما كانت "إلهام شاهين" ما زالت "صغيرة على الحب"، وكانت "يسرا" ينبوع الإثارة المتدفق، ولم يتنبه إلى أنه بعد سنوات قليلة، سيدخلن على مرحلة "صباح"، وأن المستدعيات في عصره، لمهرجانات البيعة والتأييد، تجاوزهن الزمن، وليست لهن بصمات في مجال الفن، لكن على ما يبدو أنهن ارتبطن عنده بأول وثاني "فيلم سينمائي" شاهده في حياته، وقبل أن ينشغل بقضايا الأمة عن متابعة السينما، فظل عالقا في التاريخ، ولم ينتقل إلى الحاضر!
كنا عندما نؤكد أن مبارك وهو ضابط كبير في الجيش، قد سره أن يظهر مع "إسماعيل ياسين"، في أحد أفلامه، كان هناك من لا يصدقوننا، وهي اللقطة التي ظلت تعرض، حتى عندما كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، وقد حذفت بعد ذلك، وإن كنت قد شاهدتها قبل سنوات من خلعه، عبر الفضائية التونسية!
علما بأن "إسماعيل ياسين" فنان كبير، وقيمة حقيقية، لكن كنا نظن أن الرجل من المفترض أن يكون أكثر انضباطا، فلا يسعده أن يظهر في فيلم ولو بجوار فنان بقيمة وقامة "ياسين".. وكنا نتغافل عملية الولع القديمة، بنجوم السينما ونجماتها على يد الحكام الجدد بعد حركة الجيش في سنة 1952، وبطبيعة الحال عند المقارنة بين النجمات قديما وحديثا، سنكتشف أن الفارق هو بين "السما والعمى"!
هذا الولع ظهر مبكرا، ومنذ أن اختار الرئيس محمد مرسي، عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع، فعقد اجتماعا وهو في موقعه العسكري بعدد من نجوم الفن والثقافة، وظهر وزير دفاع مصر وهو في حالة من "الابتهاج الفطري"، وهو يصافح "يسرا"، و"إلهام شاهين"، وغيرهن ممن كان يشاهدهن في "التلفزيون"، ولعله في ساعتها كان يفرك عينيه وهو يتساءل: "أنا في حلم أم في علم"؟!
وهو اللقاء، الذي كان يفترض أن يدفع الرئيس محمد مرسي لأن يطيح بوزير دفاعه، لأنه خرج عن مقتضى الواجب الوظيفي، لكن ثقة الرئيس كانت عمياء فيه، وصدقه عندما كان يردد أمامه أنه يهدف بمثل هذا اللقاء، إلى أن يقوم بتقريب المسافات بين النخبة الرقيقة، وبين النظام، ومن نكد الحياة، أن الرئيس كان يصدقه، ويكذب كل من يشير له إلى دلالة ما يفعل وزير دفاعه!
ما علينا، فليس لدي نية في أن أنكد عليكم في هذا الجو العاطفي، المفعم بذكريات الطفولة، عندما كان صاحبنا يصلي من أجل أن يظفر بـ "فايزة أحمد"، وكان رأينا أنها لا تستحق "ركعة"، إذن ماذا سيفعل لو كانت فتاة أحلامه هي "مريم فخر الدين"، هل سيقوم الليل، والناس نيام؟!
لكن عندما أقيس ما كان يفعله "بلدياتي"، في سالف العصر والزمان، بما يفعله "عبد الفتاح السيسي" الآن، فإني ألتمس العذر للفتى بأثر رجعي!
ليس في استدعائه "للقواعد من الفنانات" في رحلته لألمانيا، وإنما لافتراضه أن وجودهن يمثل قيمة مضافة!
لقد كنت أظن، أن هذه "السفرة"، التي عليها تسعة عشر، من الفنانين والفنانات كانت من باب التطوع، وباعتبار أن القوم قرروا السفر لمساندة زعيمهم في محنته، لكن موقع "صدى البلد"، لصاحبه "محمد أبو العينين"، وثيق الصلة بسلطة الانقلاب، أفاد بأن السفر جاء بناء على طلب من "الرئاسة".
وأضاف الموقع، أن الهدف من اصطحابهم للرئيس، هو بحث العلاقات الفنية بين البلدين. وهو أمر يوحي أن إنتاجا فنيا مشتركا بين مصر وألمانيا، سيشهده السيسي في هذه الزيارة، ولا نعرف أي تعاون يمكن أن يحدث، إلا إذا افترضنا أن "يسرا" وصاحبتها بالجنب، "إلهام"، وباقي الوفد الفني، يجدن اللغة الألمانية مثلا؟!
أصحاب الخبرة في العمل الصحفي، يعلمون أن الفقرة الأخيرة جاءت من اختراع محرر الخبر، مثل اللقاءات التي تتم بين الزعماء دون وجود تفاصيل، فيكون الخبر لمناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين!
الاستدعاء الرئاسي، للفنانين التسعة عشر، هو لاستكمال المهرجان، ولأن هذه الزيارة هي أسوأ زيارة خارجية للسيسي، فقد أثارت قبل وقوعها جدلاً، إذ رفض رئيس البرلمان الألماني أن يلتقي به، وكيف يلتقي برجل يرتكب مجازر ضد شعبه، ويحكم على الرئيس المنتخب بالإعدام، وينتهك حقوق الإنسان؟!
وزاد وغطى أن حزب الخضر ندد، بسماح رئيسة الحكومة بزيارة السيسي لألمانيا، كما أن الصحافة هناك فتحت سجله غير المشرف في مجال حقوق الإنسان. وقد طالبته أذرعه الإعلامية بإلغاء الزيارة، لكنه لم يفعل، لأن كل هدفه أن يحصل على شرعية لم تمنحها له الجماهير في بلده من خلال هذه الزيارات، وهي شرعية يظن أنه يحصل عليها بصوره مع الزعماء الغربيين، ولهذا نجده في سعادة طفولية عندما يقف بجانب أحدهم ويشاهد الكاميرات، وهي سعادة كانت ستنتاب بلدياتي حتماً، لو وجد نفسه فجأة بجانب معشوقته "فايزة أحمد"!
وبالضجة التي حدثت، فإن السيسي وقف على أن الصورة لن تمثل شرعية، وإن كان رفضه الزيارة، ليس في صالحه، لذا فقد قرر أن يخاطب الشعب المصري، وبدا في اصطحابه لوفد من الفنانين، كمسافر إلى سوهاج لحضور مهرجان سوهاج السينمائي، مع أن سوهاج ليس فيها مهرجان سينمائي أو غنائي.
ربما لو علم البسطاء في سوهاج بخبر قدوم تسعة عشر فناناً، لذهبوا لمشاهدتهم فيجري التعامل مع وجودهم على أنه "ترحيب بالسيسي"، فلا أظن أن الشعب الألماني يعرف "يسرا"، أو "إلهام"، ولا أظن أن الجالية المصرية في ألمانيا، يمكن أن يدغدغ مشاعرها الجياشة، وجود هذا الوفد من الفنانين، ولا أتصور أن أحدهم حتى وإن كان صبياً يرى في "يسرا"، و"إلهام"، وأخواتهن، ما كان يراه "بلدياتي" في "فايزة أحمد"، يمكن أن تظل هذه الصورة الذهنية عالقة في أذهانهم بعد أن رأوا الألمانيات، ويقول حكيم أسبرطة أن الجمال ولد في ألمانيا!
الحكاية إذن أن السيسي سافر إلى ألمانيا ومعه أدواته و"عدة الشغل": النجوم، والنجمات، والجماهير، واللافتات، والزفة، واللمبات الموفرة، وأكله وشربه! وبقي أن يحمل معه إلى ألمانيا ضمن ما حمل، "عربات الخضار"!
اللافت أن السيسي لا يريد أن يقتنع بأنه رئيس جمهورية مصر العربية، ويصر على أنه رئيس اتحاد الفنانين العرب!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق