وصفة عشرية الجزائر السوداء
بقلم: وليد أبو النجا حين تنظر إلى عشرية الجزائر السوداء كوصفة (روشتة علاج) يصبح كل شيء إلى حد كبير واضحا، إنها وصفة تضعها القوى الكبرى ومن يعاونها من قادة الجيوش (الوطنية) لمواجهة تطلع شعوب العالم الثالث إلى التغيير، سواء أكان هذا التغيير متجها الاتجاه الإسلامي كالحالة الجزائرية، أو متجها إلى الحرية والديمقراطية وتداول السلطة كالحالة المصرية.
مع حادث الأقصر بالأمس، أتذكر الآن كلمات د. محمد محسوب في حلقاته مع
أحمد منصور في برنامج (بلا حدود)، حول الانقلاب والثورة المصرية، قال د.
محسوب: (التقيت مجموعة من المسؤولين الغربيين في مصر ... الحقيقة كلهم
كانوا يتحدثون معنا كأنهم يقرؤون من كتاب واحد: اقبلوا بالوضع القائم وإلا
سيتحول إلى السيناريو الجزائري .. كلمة السيناريو الجزائري كلمة تكررت مع
كل مسؤول التقيناه ... استراتيجيتهم إما أن ينجح الانقلاب فتبقى مصر دولة
ضعيفة في إطار المنظومة الدولية، تقوم بدور خدمي مرسوم لها، ولا تخرج عن
هذا الدور، ومن ثم دولة ديكتاتورية بشكل ديمقراطي ...
أو إذا فشل الانقلاب
ندخل في الحالة الجزائرية، حرب أهلية يقمع فيها الشعب الذي يحمل السلاح،
وتموت الديمقراطية لمدة ثلاثين أو أربعين سنة، وفي الحالتين يعتبر الفكر
الغربي نفسه ناجحا، لأنه حتى في الحالة الجزائرية سيكون أمام طرفين كل
منهما في حاجة له، وهو يرى من الذي سيحقق شروطه أكثر فيدفعه) انتهى كلامه.
هكذا أصرت الوفود الدولية، وفي المقابل أصر ممثلو المعارضة أن الحالة
المصرية تختلف عن الحالة الجزائرية: نحن لسنا الجزائر. وكأني بالمعارضة
تحاكي نظام مبارك وهو يقول: نحن لسنا تونس. أو سيف الإسلام القذافي وهو
يقول: نحن لسنا تونس ومصر.
لم يكن الساسة الغربيون ينصحون للمعارضة المصرية، بل كانوا يخيرونهم
بين الإذعان للوضع الجديد، أو اعتماد السيناريو الجزائري للتعامل معهم، بيد
أن قادة المعارضة ظنوا أن مجرد وعيهم بتجربة الجزائر، كفيل بتجنيبهم مهالك
خوضها.
أما استبعاد السيناريو الجزائري بالتركيز على جوانب الاختلاف بين
التجربة المصرية الحالية، وتجربة الجزائر، ووعي المعارضة المصرية في مقابل
(طيش) حركة الإنقاذ في الجزائر، فهو يتجاهل أمرا ذا بال، وهو أن التجربة
الجزائرية لم تكن أزمة طبيعية صرفة، ولو تركت لطبيعتها لحلت الأمور بما هو
أبسط من ذلك بكثير - ويرجع في ذلك إلى كتاب (الحرب القذرة) لضابط القوات
الخاصة حبيب سويدية - وما ينقص المعارضة المصرية لاستدعاء النموذج
الجزائري، سوف يدفع إليه دفعا، أو يصنع صناعة.
أما السيناريو فهو كالتالي: ثورة شعبية تؤذن بتغيير النظام، انفتاح
وتعددية سياسية وانتخابات حرة نزيهة، تقدم لقوى سياسية جديدة، تغيير كامل
في الخريطة السياسية، غرور من القوى الجديدة ومبالغة في تقدير القوة،
استكانة وظهور بمظهر الضعف من الجيش والشرطة، دفع الوضع السياسي إلى مزيد
من التعقيد، تحرك مفاجئ من الجيش والشرطة لفرض وإظهار القوة، عمليات اعتقال
بالجملة، استعداد لمواجهة إرهاب محتمل، رغبة في القمع وعدم استعداد
للحوار، ترك الجنود بدون حماية أو إمداد، متاجرة بدم الجنود المقتولين،
تغطية إعلامية مكثفة لحوادث العنف، تشكيل قوات أمنية خاصة، انتقام من مدن
وقرى بعينها تمثل بؤرا معارضة، قيام ألأمن بعمليات قذرة ونسبتها
للإرهابيين، تعذيب حتى الموت واختفاء قسري بالآلاف، إطالة أمد الأزمة لضمان
الاستمرار، القيادات العليا للدولة آمنة ويزداد ثراؤها يوم بعد يوم،
والشعب والجنود في فقر ومعاناة، عشر سنوات من القتل لا يطال إلا البسطاء،
مبادرة صلح بين الإرهابيين والمستبدين بعد أن ذاق الشعب الأمرين خلال عشر
سنوات، استتباب الحكم تماما للفئة الحاكمة لنصف قرن من الزمان، للدرجة التي
تفضل فيها أغلبية الشعب انتخاب رئيس على كرسي متحرك خوفا من تكرار شبح
العشرية السوداء.
يبقى السؤال إذن: هل من سبيل لإيقاف استكمال السيناريو الجزائري، وليس لتجنبه، إذ قد بدأ بالفعل؟
لعل ذلك يتمثل في الخطوات التالية:
1. توحيد كيانات المعارضة والاتفاق على القدر المشترك من المطالب.
2. التمسك بالسلمية والتبرؤ تماما من العنف أو الترحيب به أو الاحتفاء بأخباره.
3. التحرر من الصبغة الإسلامية للمعارضة والمطالبة بالحرية فحسب.
وإلا فعلى الثورة والبلد السلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق