الأربعاء، 17 يونيو 2015

مثقفو البيادة.. والخطاب الديني! بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود



 مثقفو البيادة.. والخطاب الديني!
 
بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
 
في يوم ما ذهب صناع فيلم يتناول الوحدة الوحدة الوطنية إلى الكنيسة ليستأذنوا رئيسها شنودة في تنفيذ الفيلم، ويعرضوا عليه السيناريو والحوار. طلب منهم شنودة أن يغيروا شخصية رجل الدين المسيحي بما يبعده عن هيئته الدينية المعتادة حتى لا يكون موضع انتقاد، بالإضافة إلى تعديلات أخرى تتسق مع رؤيته الكنسية.
 
صناع الفيلم هؤلاء حين يتناولون شخصية تنتمي إلى الإسلام، فإنهم يبتذلونها إلى أحط مستوى، ويبرزون من خلالها ملامح الشر والجلافة والخسة والغدر والبدائية والفصامية، غيرها من الصفات السلبية، دون مبالاة باستئذان شيخ هنا أو شيخ هناك، فضلا عن مؤسسة الأزهر العلمية. وإذا اعترض أحد على سلوكهم المشين، شهروا في وجهه الأسلحة المعتادة، حرية الإبداع، حق التعبير، لا قداسة لأحد ولا عصمة لمخلوق، حتى لو كان ما يقدمونه هو الكذب الصراح والافتئات بعينه. 
 
ويمكن للقارئ أن يستعيد شخصية المتدين في أفلام: الإرهاب والكباب، الإرهابي، مرجان أحمد مرجان، عمارة يعقوبيان، طيور الظلام، الواد محروس بتاع الوزير، حسن ومرقص، على سبيل المثال.
 
الفارق بين الحالين هو أن القائمين على أمر الكنيسة لا يسمحون لأحد أن ينال منهم ولو بحسن نية، ويعرفون جيدا الطريق إلى تأديب من تسول له نفسه التفكير - مجرد التفكير - في النيل من عقيدتهم أو شخصياتهم أو رموزهم. أما المسلمون فألف حسرة عليهم؛ مستباحون في كل مكان وفي كل المناسبات، ولعل أبرز مظاهر الاستباحة تتمثل في العدوان على الإسلام باسم تغيير الخطاب الديني أو تجديده أو تعديله، وعدّه أساس البلايا والمصائب التي تحدث في بلادنا، من فقدان الكرامة والحرية والأمل، وارتفاع الأسعار والعنصرية المقيتة في العمل والتوظيف والسلوك اليومي، والخيبة الاقتصادية الكبرى المتمثلة في إغلاق المصانع والبطالة وزيادة الاستيراد وتراجع التصدير، وانخفاض الاحتياطي الاستراتيجي، وتدهور السياحة والزراعة والتجارة، فضلا عن الانهيار الاجتماعي الذي يتجلى في انقسام المجتمع، وانتشار الحوادث بأنواعها المختلفة، وسقوط حاجز الحياء في أجهزة الإعلام التي صارت تقدم قضايا سلوكية واجتماعية غير مقبولة لا عهد للناس بها من قبل، وظهور لافتة ممنوع لأقل من 18 سنة على شاشة بعض الفضائيات.. والأخطر من ذلك كله أن يكون قائد الانقلاب هو من يتهم الإسلام ونصوصه المقدسة بأنها مصدر أذى للبشرية كلها!
 
تجديد الخطاب الديني صار تجارة رائجة بعد أن طلب قائد الانقلاب العسكري الدموي من أصحاب العمائم أن يقوموا بتغيير هذا الخطاب الذي يسبب قلقا للعالم الصليبي، واليهود الغزاة! وتجديد الخطاب الديني ليس تغيير أسلوب الدعوة كما تتصور بعض العمائم، ولكنه - كما يطلب صعاليك الثقافة والصحافة - تغيير الدين بالعربي الفصيح، فلا داعي للصلاة ولا الصيام ولا الزكاة ولا الحج ولا الجهاد، ولا الزواج وفق الشريعة، ولا الحجاب، ولا تجنب أكل لحم الخنزير، ولا شرب الخمور، ... ولا قراءة البخاري، ولا الآيات التي تحدد العلاقة مع غير المسلمين في القرآن الكريم، ولا الآيات التي تعجب أصحاب الديانات الأخرى، ولا التي تشير إلى وحدة المسلمين والأمة الإسلامية.
 
أما الخطاب الديني غير الإسلامي فلا أحد يقترب منه، ولا يمكن لهؤلاء المثقفين الصعاليك من خدام البيادة أن يشيروا من قريب أو بعيد إلى العنصرية اليهودية التي تجعل منهم شعب الله المختار، ولا النصوص التي تحض على قتل الأغيار في التوراة والإنجيل وما أكثرها، بل لا يستطيع هؤلاء الخدم أن يتناولوا ما يعانيه النصارى مثلا في أمور الحياة الشخصية مثل الطلاق والزواج الثاني والحرمان والغفران وغير ذلك. ولكنهم يرون الإسلام حائطا واطئا يقفزون عليه ليتاح لهم التعبير عن الوفاء لسادتهم الذين يخدمونهم!
 
لقد انعقد قبل أيام لقاء في الأزهر الشريف حضره مثقفو النظام العسكري الذي فرض وجوده على الأمة منذ عام 1952، تحت دعوى مناقشة آليات تجديد الفكر الديني وضوابطه وسبل حماية المجتمع من الفكر المتطرف ونزعات التحلل التى باتت تهدد الاستقرار والأمن المجتمعي.
 
وقد تأملت أسماء المشاركين من مثقفي البيادة فوجدت أكثرهم لم يركع لله ركعة واحدة، ولم يصم يوما واحدا، ولم يكف عن شرب الخمر، ولم يتوقف عن ممارسة المتع الحرام؛ مادية أو معنوية! ووجدتهم جميعا كذبة ومنافقين وأفاقين، وعاشوا على حجر الأجهزة الأمنية منذ أيام البكباشي الأرعن حتى اليوم، حتى المستجدين منهم أشد كذبا ونفاقا ووصولية، وبعضهم له في ملفات الآداب الدولية وليس المحلية وحدها صفحات مخزية ومخجلة.. ثم إنهم – ياللعار – ينتمون في أغلبهم إلى الفكر اليساري الذي لا يعرف الله ولا رسوله ولا الأخلاق إلا بوصفها فولكلورا يثير الدهشة والتساؤل، فكيف يجدّدون في الخطاب الديني؟! 
 
والمضحك أن ترى بعض العوالم والغوازي والمشخصاتية ينضمون إلى قافلة المشاركين في حكاية التجديد الديني، فتسمع مثلا من عالمة عن الرقص المحتشم الذي يناسب شهر رمضان، ومن غازية عن الرقص الوسطي الذي يناسب الإسلام الوسطي، ومن مشخصاتي عن ضرورة العري والأحضان والقبلات ومنع الحجاب لكي نعيش الإسلام المستني! 
إن انبطاح المؤسسات العلمية الإسلامية، وهلعها وذعرها أمام هؤلاء الصعاليك، ينبئ أن السادة العلماء الحكوميين أو الانقلابيين يفضلون الدنيا على الدين، ويؤثرون المناصب والجاه والمال على الجهاد في سبيل حفظ الدين والدفاع عنه، وهم يعلمون يقينا أنها الحرب الشرسة الفاجرة ضد الإسلام والمسلمين برعاية اليهود والغرب الصليبي! 
 
لقد شهدت الفترة الأخيرة صراعا محموما وتنافسا شرسا بين المؤسسات الإسلامية الرسمية لعقد المؤتمرات والندوات واللقاءات لتجديد الخطاب الديني، وهذا الصراع المحموم والتنافس الشرس يتم بأموال الشعب البائس المسكين لتجريده من الإسلام وقيمه ومفاهيمه كييرضى قادة الانقلاب العسكري الدموي الفاشي، وبالتالي يرضى اليهود والغرب، وماهم براضين! 
 
لا أتوقع من مثقفي البيادة والمؤسسات العلمية الإسلامية أن يدافعوا عن ضرورة تعليم الإسلام في المدارس تعليما حقيقيا تضاف درجته إلى المجموع، أو يذكّروا الآخرين أن بشار الأسد لم يتعلم الدين في المدارس العربية، وقتل ربع مليون سوري وشرّد الملايين من شعبه ! أو يتصدوا لدعوات حظر الإسلام في أوربة مثلما يدعو الصليبي المتعصب شاردون روبير، القيادي في حزب نيكولا ساركوزي، الذي يعتقد أن الإسلام سيتم منعه نهائياً بحلول أكتوبر 2027 وفقا لخطة في بلاده تنطلق في عام 2017. فهم لن يفعلوا!
الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهمّ عليك بالظالمين وأعوانهم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق