إعدام رئيس بين المقامرة والمؤامرة
بقلم: محمد الشبراوى
لم يكن الحكم الصادر بالإعدام على الدكتور محمد مرسى صادما بالنسبة لي على الأقل كما البعض فكل المقدمات كانت تشير إلى أن حكما كهذا لابد أن يصدر.
في التاريخ الحديث لم يعرف العالم حاكما مصريا منتخبا -حاز شرعية عبر إرادة جماهيرية حرة– سوى الدكتور محمد مرسى، الذى جاء انتخابه تتويجا لمسار ثورة الخامس والعشرين من يناير آنذاك، بل وثورات الربيع العربي، ولهذا فالانقلاب عليه انقلاباً على هذا المسار، وانحرافا بمصر بعيدا عن الحرية والديمقراطية وتراجعا في مسيرة الربيع العربي.
ومنذ انقلاب المؤسسة العسكرية بقيادة الفريق عبدالفتاح السيسي على الرئيس المنتخب كان الشغل الشاغل للنظام المصري هو محاولة شرعنة الاستيلاء على السلطة بأي طريقة ممكنة، وكانت التهم الملفقة أحد الوسائل الهامة لتحقيق هذه الشرعنة في ظل ضمان قيادة الانقلاب الحصول على ما تريد من أحكام قضائية، خاصة أن القضاء ممثلا في أعلى سلطاته كان شريكا أساسيا في عملية الانقلاب ذاتها.
ومع بدايات محاكمة الدكتور محمد مرسى (خلافا للقواعد القانونية والدستورية والتي لا مجال لتفصليها الآن) بدا واضحا أن القضاء المدني تحديدا، عبر بعض منصاته سيلعب دور البطولة المطلقة لسحق معارضي الانقلاب وكانت أحكام الإعدام والمؤبدات التي تصدر كالسيل في سابقة لم تعرفها مصر والعالم، تعطى مؤشرا عن حجم الكارثة التي تعيشها مصر، وعما ينتظرها والمنطقة في ظل هيمنة روح المقامرة على السلطة الحاكمة، والتي رفع سقفها غض الطرف الدولي الذى بدا ارتياحه لما حدث من الإطاحة برئيس له خلفية إسلامية.
ورغم صدور العديد من الأحكام اللا معقولة والغريبة والمستهجنة -على المستويين القانوني والإنساني- محليا ودوليا إلا أن الحكم الصادر في 16 يونيو/حزيرا فى قضيتي التخابر واقتحام السجون يعتبر الأبرز في سجل الأحكام الغريبة والمستهجنة.
بالنسبة للقضاء المصري. تأكد سقوطه سقوطاً ذريعا وتلاشت هيبته في نفوس المصريين والعالم بسبب منصاته التي تطوعت أن تكون مطرقة في يد النظام ليسحق بها معارضه وقد كان الحكم مقامرة خاسرة و مسمارا أخيرا تم دقه في نعش القضاء المصري
أما بالنسبة للنظام الحاكم فيبدو لمراقب الحالة المصرية أن إدارة دولاب الحكم في مصر فى يد لا تتمتع بأي نوع من الرشادة السياسية، وتقدير الموقف وتتملكها روح المقامرة؛ بينما تقف على أرض رخوة لتقامر بمستقبل دولة محورية كمصر ويسيطر عليها هوس المعادلة الصفرية بإفراط.
كثيرون كانوا يراهنون على أن النظام فى مصر (خاصة بعد زيارة السيىسى لألمانيا وانعكاساتها السلبية التى زادت صورة النظام سوءا أكثر مما كانت عليه) ربما يسعى لتحسين صورته بعد أن التصقت به تهم الاستبداد والفاشية نتيجة ممارساته على الأرض؛ ومن ثم توقع الكثيرون سيناريوهات مختلفة عما آلت إليه الأحكام الأخيرة.
تهمة هزلية
غير قليل من المراقبين كانوا يرون أن صدور الحكم بالإعدام على رئيس منتخب فى تهمة واضحة الهزلية وفى هذا التوقيت ليس من مصلحة النظام بل يجب معالجة الأمر بطريقة مختلفة وأنه لا يتصور لأى قيادة عاقلة أن تقدم على خطوة كهذه، وتفكر فى الدفع نحو حكم بالإعدام ناهيك عن تنفيذ هذا الحكم لأن ذلك قد يفتح بابا لصراع مسلح على مصراعيه.
وعلى جانب آخر كان هناك تصور لدى بعض من أنصار النظام أن هناك جهة ما تريد إحراج السلطة التنفيذية ورأس النظام عبدالفتاح السيسى عبر إصدار مثل هذه الأحكام ؟!
إن المتابع عن قرب للحالة المصرية يجد تشابكا وتداخلا كبيرا للأمور سيما عند هرم السلطة، وأعتقد أن من يمثلون هذا الهرم تتنازعهم ولاءات مختلفة أنعكست على وضع النظام ككل والذى يبدو كأنه جزر منعزلة تعمل وفقا لرؤيتها ومصالحها غير أنهم جميعا يلتقون عند نقطة واحدة هى المقامرة بمستقبل هذا الوطن.
إن النظام المصرى بلغ أعلى درجات العنف بشكل غيرمسبوق واستنفذ سائر طاقاته فيها وقد رسم طريقا واحدا منذ الانقلاب لا يريد أن يحيد عنه؛ خاصة أن النظام سوق نفسه للغرب كحائط ضد ما يسمى الإرهاب، وكحام للمصالح الصهيونية فى المنطقة، ومن ثم فالنظام سيستمر فى تصعيد العنف بلا هوادة لأن روح المقامرة التى تتملك صانعى القرار تجعلهم يرون ضرورة اتخاذ كافة الخطوات الخطرة لإنجاز مهمة القضاء على معارضى النظام من التيار الإسلامى، وفى القلب منه جماعة الإخوان المسلمين تحديدا، وأن ذلك لن يكلفهم مزيدا من الخسائر وفقا لحساباتهم.
على جانب آخر يريد النظام المصرى أن يصدر رسالة للعالم ولبعض القوى الإقليمية والدولية عبر حكم الإعدام الأخير مفادها أنه ما زال يتحكم فى مفاتيح اللعبة السياسية فى مصر، وأن الموقف من جماعة الإخوان المسلمين لم يتغير حتى إشعار آخر فى محاولة لاستثمار هذا الأمر لأطول فترة ممكنة فى ظل إمكانية تأكيد الأحكام أو تبدليها، وفقا لمتغيرات العلاقات السياسية الدولية والإقليمية غير عابئ بإمكانية تفجر الموقف داخليا.
الغرب المتشدق بالديمقراطية
على جانب آخر أظهر حكم الإعدام الأخير أن الغرب المتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان لن يتجاوز حد الشجب والإعراب عن القلق العميق لحفظ ماء الوجه تجاه الشعوب أما أكثر من ذلك فلن يكون.
إن الغرب وأميركا ومن يدور فى فلكهم تحديدا لن يتحركوا لحكم إعدام رئيس منتخب (شهدوا جميعا بنزاهة انتخابه وأنه تم الانقلاب عليه)، ولن يدفعوا نحو التغيير أو نصرة الديمقراطية، وحقوق الإنسان التى يتشدقون بها ما لم يكن هناك ما يهدد مصالحهم، فقد كان هناك شبه اتفاق بعد ثورات الربيع العربى، وصعود التيار الإسلامى أن الوقت قد حان والظروف مواتية للقضاء على التيار السياسى الإسلامى الذى سيقف حجرة عثرة فى استمرار تبعية مصر والمنطقة لنفوذهم وهيمنتهم، ويهدد الكيان الصهيونى فى فلسطين المحتلة.
لذلك لن يجد الغرب وأميركا أفضل من النظام الحالى ليحقق مصالحهم غير أن التغير الوحيد الذى يمكن أن يدفع إليه الغرب وأميركا والكيان الصهيونى لإمتصاص الحراك الرافض للإنقلاب، وتفجر الأوضاع ميدانيا هو أن تتبدل الوجوه بوجوه أخرى تدين بالولاء لمصالحه ومصالح حلفائه، وهذا ما يعيه النظام المصرى، ويعيه عبدالفتاح السيسى جيدا ويقامر الكل بناءً عليه بمستقبل هذا الوطن، ويتنافسون ويتآمرون فيما بينهم من منطلق هذه الرؤية.
إن نظرة سريعة على مؤتمر هرتسيليا الأخير فى فلسطين المحتلة، والتقرير الصادر عن معهد هرتسيليا، والمنشور فى العاشر من يونيو 2015 قد يعطينا إشارة بمدى الرضا الغربى والأميركى عن رأس النظام المصرى تحديدا؛ والذى هو امتداد طبيعى للرضا الإسرائيلى عنه. ففى هذا المؤتمر تحدث فيه عاموس جلعاد مدير الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الحرب الأسرائيلية مشيدا بمساعدة النظام المصرى قائلا (إن عبدالفتاح السيسي حقق معجزة بإنقاذ مصر من الإخوان المسلمين، مضيفا أن حماس أصبحت معزولة الآن في قطاع غزة، وللدور المصري الفضل في ذلك). كذلك تحدث نمرود شيفر رئيس شعبة التخطيط في الجيش الصهيوني قائلا (إن مصر الحالية تعد شريكا ممتازا وغير عادى لإسرائيل وموقف نظامها من حماس محسوم وحربه الأساسية عليها لا هوادة فيها لكونها فرعا من الإخوان المسلمين)!
إن الحكم على أول رئيس منتخب لمصر بالإعدام ومن معه من قيادات جماعة الإخوان فى قضايا متهاوية ومعدومة البنيان- حتى وإن كان حكما أوليا مازال ينتظر درجات أخرى من التقاضى- يمثل بالفعل مقامرة بمستقبل هذا الوطن ومؤامرة متكاملة الأركان على حريتة واستقلاله من قبل نظام يستخدم منطق القوة العمياء ليدفع مكونا رئيسيا فى المجتمع المصرى نحو العنف مؤملا أن يصنع بذلك شرعية لإستمراريته وبقائه.
إن المتتبع لتاريخ النظم السياسية والعسكرية يدرك أن النظام المصرى يسير فى طريق السقوط الحتمى الذى سارت فيه هذه النظم عبر أعتماد المعادلة الصفرية والتخلص من الخصوم حلا وحيدا لا مجال لغيره.
إن لعبة شديدة التعقيد مؤكدة المخاطر يلعبها النظام المصرى غير مدرك أنه لا يمكن أن يستمر أحد فى حكم دولة كمصر عبر المقامرة بمستقبل شعبها والتآمر على حريته وإعدام أختياره وإرادته، ولا يمكن أن يكون لمصر وشعبها مصلحة فيما يشيد به أعدى أعدائها.
إن الحكم بالإعدام على أول رئيس منتخب لمصر هو مقامرة، ومؤامرة بكل ماتعنيه الكلمة فهو مقامرة بالمستقبل فى ظل محيط أقليمى مضطرب ومخيف ومؤامرة على وحدة مصر وأمنها عبرجر مصر وشعبها نحو أفق سياسى مسدود فى ظل مخاطر لا حصر لها تنتظر الواقع العربى سيتجاوز مداها مالم يكن فى الحسبان.
إن بلدا يحكم بمنطق المقامرة والمؤامرة لن يعيش سوى تجربة كارثية تعيسة لا فكاك له منها إلا بالفكاك ممن يمارسون هذه التجربة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق