المواقع الإباحية.. ذريعة الانقلاب لمحاصرة نشطاء الإنترنت
25/05/2015
أثار مشروع وزارة داخلية الانقلاب في وقت
سابق حول رصد المخاطر الأمنية على شبكة الإنترنت، من خلال القبضة
الإلكترونية، والذي مثل بالتبعية مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات
الهواتف المحمولة تحت ذريعة تتبع العناصر الإرهابية والحد من الجرائم، حالة
من الجدل في الشارع المصري في ظل إفراط سلطات الانقلاب في سن تشريعات
وقوانين سالبة للحريات وتمثل اعتداءً صارخًا على حقوق المواطنين.
ولم يلتفت الشعب المصري كثيرًا إلى مزاعم
ميليشيات الانقلاب بعدم انتهاك الحريات الشخصية أو الاطلاع على خصوصيات
رواد المواقع الإلكترونية، إلا أن "الصندوق الأسود" الذي فتحه المخبر
الأمني عبد الرحيم علي محادثات النخب والنشطاء في انتهاك صارخ للحقوق
والخصوصية، يكذب بما لا يدع مجالاً للشك احترام الداخلية للحقوق والحريات
وحرص الأجهزة الأمنية على الحفاظ على الخصوصيات.
حصار النشطاء
ونشرت الداخلية كراسة الشروط والمواصفات
التي وضعتها على مكتب رئيس حكومة الانقلاب لمشروع رصد المخاطر الأمنية من
أجل تطوير رخص برامج وتطبيقات أجهزة المشروع، والذي يهدف إلى استخدام أحدث
الإصدارات للتعرف على الأشخاص الذين يمثلون خطرًا على المجتمع ولتحليل
الآراء المختلفة للعمل على تطوير المنظومة الأمنية بالوزارة، من خلال رصد
مواقع التواصل.
وزعم اللواء عبد الفتاح عثمان مساعد وزير
الداخلية للعلاقات العامة والإعلان أن مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي
إنجاز علمي، موضحًا أن الهدف القبض على من يصنعون التفجيرات وليست التدخل
في خصوصية أحد، وأن الوزارة لن تخالف القانون، مؤكدًا أن المراقبة لا تعني
العودة لعهد مبارك.
مساعي الداخلية لحصار النشطاء فضحها موقع
"بازفييد الأمريكي" بعد تعاقد الانقلاب مع شركة "SeeEgypt" التابعة للشركة
الأمريكية لمراقبة أنشطة الإنترنت "Blue Coat"، لتصعيد الرقابة على مواقع
التواصل الاجتماعي والمواقع الأخرى في الشبكة العنكبوتية داخل مصر.
ونقل الموقع أن الشركة زودت أجهزة الرقابة
الإلكترونية المصرية بالعديد من الخدمات، التي تزيد من قدرة مباحث الإنترنت
المصرية على رقابة مختلف المواقع بشكل مكثف، وقد فازت الشركة بالتعاقد مع
أجهزة الأمن المصرية متفوقة على شركة "جاما" البريطانية، و"ناروس سيستم"
ومقرها الكيان الصهيوني.
وقال رئيس مجلس إدارة الشركة على منيسي: "إن
الشركة زودت مباحث أمن الدولة بأنظمة تُزيد كفاءة الرقابة في العالم
الافتراضي"، مضيفًا أن الشركة تقوم بتدريب المسئولين داخل الجهاز على
التعامل مع تلك الأنظمة، لتطبيقها في رقابتهم على مواقع الإنترنت
والمحادثات في موقعي "فيس بوك وتويتر" والمشاهدات في يوتيوب.
هنا الشامخ
ومع توالي ردود الأفعال الغاضبة من جانب
النشطاء والمواطنين -على حد سواء- فتشت داخلية العسكر في الدفاتر القديمة
للبحث بين طياتها عن مسوغ يمثل المرور الآمن إلى مأربها بالاطلاع والتضييق
وحصار نشطاء التواصل الاجتماعي حتى وجدت ضالتها في "المواقع الإباحية".
محكمة القضاء الإدارية كانت في الموعد
تمامًا وقضت بإلزام رئيس مجلس الوزراء باتخاذ ما يلزم نحو حجب المواقع
الإباحية في مصر، فيما يعد الحكم الثالث في هذا الصدد بعد حكم سابق في عام
2009 إبان حقبة المخلوع تجاهلت الحكومات المتعاقبة تطبيقه، قبل أن يتجدد
الحكم في مارس 2012 في عهد المجلس العسكري دون جديد يذكر أو قديم يعاد، حتى
أعاد الشامخ الكرة من جديد في 20 مايو المنصرم. حكم القضاء الإداري يكشف
بجلاء غياب الرؤيا والدراسة عن القابع على منصة القضاء بإصدار أحكام عصية
فنيًّا وتقنيًّا عن التنفيذ، وهو ما كشفه خبراء وفنيو الشبكات باعتبار أن
الأمر يسهل التحايل عليه بأبسط البرامج ودون معاناة عبر التلاعب في
"البروكسي" أو الدخول بـ"آي بي" خارج مصر؛ ما يعني فقط أعباء تحمل الدولة
عشرات الملايين من الميزانية المهترئة للوصول إلى نتيجة صفرية.
رأى الخبراء
شكك الخبراء في نوايا صدور الحكم في هذا
التوقيت وبعد أيام من قرار مسبق بالتوسع في دائرة الاشتباه السياسي، عبر
التفتيش المفاجئ لـ"موبايلات" المواطنين، وحق عناصر شرطة الانقلاب في
الإطلاع على الصور والمحادثات دون قيود وبما يخالف الأعراف والمواثيق
الدولية، مع رغبة العسكر الملحة في السيطرة على نشطاء التواصل الاجتماعي في
ظل الغضب الشعبي المتنامي من توالي فشل العسكر.
التنفيذ مستحيل
المهندس هشام العلايلي رئيس جهاز تنظيم
الاتصالات أكد أنه لا أزمة في حجب المواقع وفقًا للحكم القضائي أو حتى عبر
قرار سياسي، إلا أن سرعة الإنترنت في مصر لا تسمح لهم القيام بهذه المهمة
ولن تمنح النتائج المرجوة.
بدوره، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
في حكومة محلب "خالد نجم" أكد أن حكم القضاء الإداري من الصعب تنفيذه،
مشددًا على أنه من الضروري أن يتم تقنين الحكم ولا يكون حكمًا عامًّا
لصعوبة تنفيذه فيجب أن يتحدد أسماء المواقع المراد غلقها.
وأكد نجم أن وزارة الاتصالات ليست الجهة
المختصة التي ستحدد محتوي كل موقع، إضافةً إلى اختلاف الرؤية بين كل شخص
ولتنفيذ الحكم لا بد من رفع دعوة قضائية لتحديد أسماء المواقع بعينها.
التأكيد على استحالة تنفيذ الحكم ليست
مفاجئة؛ حيث أكد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات على خلفية تحركات حملة
"بيور نت" عقب الثورة عدم قدرتها على تنفيذ الحجب الكامل لهذه المواقع،
مشددة على أن تكلفة حجب المواقع الإباحية تتكلف 25 مليون جنيه ولن تفي
بالغرض في النهاية؛ حيث إن سرعة الإنترنت ستحول دون تنفيذ المشروع بنسبة
100%.
تبريرات انقلابية
ولا يخفى بطبيعة الحال على القابع في وزارة
الداخلية استحالة تنفيذ قرار الحجب، كما لا يمكن إنكار ارتفاع معدلات دخول
المراهقين على المواقع الإباحية في الآونة الأخيرة بنسبة تجاوزت 20% من
المستخدمين، وهي النسبة التي دفعت جوجل لإعلان حظر المقاطع الإباحية ما لم
تندرج تحت المحتوى الفني والوثائقي والعلمي فقط، ووضعت مواقع رصد نسب
المشاهدة على الإنترنت مثل "إليكسا" مصر في المرتبة الرابعة لأكبر رواد أحد
أشهر مواقع "البورنو"، إلا أن المواقع الجنسية تبقي في الختام ذريعة
أمنية؛ من أجل فرض الرقابة على الإنترنت.
الخبير الأمني
اللواء فؤاد علام لم يتجاهل مساعي الدولة
البوليسية لمراقبة الإنترنت، معتبرًا أن الغرض ليست مراقبة مواقع التواصل
الاجتماعي، ولكن فقط للحد من الجرائم، مبررًا انتهاك الخصوصية بأنه سيحدث
فقط في حالة الخروج عن القانون.
بدوره، اعتبر اللواء طلعت مسلم - الخبير
الأمني- أن هناك ضرورة أمنية لهذا المشروع، موضحًا أن مواقع التواصل
الاجتماعي أصبحت تستخدم الآن لأغراض غير جيدة، وبالتالي يجب مراقبتها في
حدود القانون، مؤكدًا أنه لا يوجد تدخل أو اختراق لخصوصية المستخدمين،
وأنها غير مقبولة.
رفض شعبي
الحديث عن حكم القضاء الإداري تحت ذريعة
الدعوى التي أقامها "نزار غراب" بأن الشريعة الإسلامية بنصوص القرآن الكريم
وجميع الشرائع السماوية "جاءت لتسمو بالإنسان إلى مستوى كرامته المنشودة،
وأن المواقع التي تنشر الرذيلة ما زالت مستمرة بتأثيرها على الشباب
والأطفال وامتناع جهة الإدارة، وهي الدولة عن إصدار تشريعات وقوانين تجرم
وتمنع وقف هذه المواقع يمثل قرارًا سلبيًا تختص بنظره محاكم القضاء
الإداري، لا يمكن النظر إلى في خصوصيته بمنأى عن دوافع الداخلية المعلنة أو
الربط بين الأمرين ولو من قبيل "نظرية المؤامرة".
حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق
الإنسان أكد أن قرار الداخلية بمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي محظور بنص
الدستور، مشيرًا إلى أن الرقابة على مواقع فيس بوك وتويتر، لا يجب أن تتم
إلا بقرار من النيابة العامة أو قاضي تحقيق، وبمناسبة التحقيق، وذلك وفقًا
للدستور.
من جانبه، وصف كريم عبد الراضي عضو الشبكة
العربية لمعلومات حقوق الإنسان أن المشروع ينتهك حرمة الحياة الخاصة
بالمخالفة لما جاء في الدستور في المادة 57 من مواد الحريات، والتي تنص على
أن للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة ولا تمس، وللمراسلات البريدية،
والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال
حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها
إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون.
وأضاف أن الغرض من المشروع في الأساس فرض
السيطرة على كل وسائل الإعلام عقب فرض الدولة سيطرتها على وسائل الإعلام
التقليدية، على حد قوله، وتابع قائلاً: "لم يعد هناك منبر للمعارضة سوى
مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، لذلك تريد الأجهزة الأمنية فرض سيطرتها
عليه".
قراءات قوانين وقرارات أجنحة الانقلاب
"العسكر والداخلية والقضاء" لا يمكن أن تتم بمعزل عن بعضها البعض أو دون
ربط مباشر لما يدور في الكواليس من أجل شرعنة ممارسات السلطة غير الأخلاقية
وانتهاكات الحرمات والخصوصيات، وهو ما يدلل عليه سياق الأحداث ومجريات
الأمور.. وما خفي كان أفظع وأعظم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق