الأحد، 9 أبريل 2017

حين فقدنا البوصلة بقلم: فهمى هويدي

حين فقدنا البوصلة


بقلم: فهمى هويدي

كرهنا جرائم النظام السورى فلم تغضبنا جريمة قصف الأمريكيين لأبرز قواعده العسكرية، وتداخلت الأوراق فصرنا نقف مع إسرائيل مهللين لتدمير القوة العسكرية السورية. واختلت الموازين وانقلبت حين بدا أن الأمريكيين يثأرون للمستضعفين السوريين، فى حين وقف الإيرانيون يدافعون عن رمز الاستكبار فى دمشق. وشاعت البلبلة والحيرة فى صفوفنا بحيث اختلطت معايير الصواب والخطأ، الأمر الذى غدا كاشفا لأزمة ضياع البوصلة الهادية فى العالم العربى.

مع ذلك، فما جرى يستدعى ملاحظات أخرى تستحق رصدا من جانبنا. منها مثلا ما يتعلق بدوافع الإدارة الأمريكية الجديدة لإطلاق صواريخها على قاعدة الشعيرات السورية، فى أعقاب قصف بلدة خان شيخون بالغاز السام، خصوصا أن أحدا لا يصدق ما قاله الرئيس الأمريكى من أنه أصدر أمره بضرب القاعدة السورية «للانتصار للعدالة». ذلك أن أهل المنطقة على الأقل يعرفون جيدا أن التنكيل بالشعوب صار إحدى السمات البارزة فى العالم العربى، ناهيك عن أن النظام السورى له تاريخه المشهود فى القمع والإبادة، لا ينافسه فى ذلك سوى النظام العراقى الذى أضاف السحل إلى قائمة تفوق التنكيل. وغنى عن البيان أن أغلب البيوت العربية «من زجاج» على ذلك الصعيد، ولأن الأمر كذلك فإننى أزعم أن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يعترضون على القتل ولكن اعتراضهم الأكبر على أمرين، أولهما وسيلة القتل وثانيهما هوية القاتل، فحين تقوم داعش بقتل خصومها حرقا أو بقطع الرقاب بالسيوف، فإن ذلك يعد جريمة فظيعة تعبأ ضدها شعوب العالم، أما إذا تم القتل بسبب التعذيب فى السجون أو بعد إصدار أحكام الإعدام الجائرة أو من خلال استباحة المعارضين الذين يوصفون بأنهم إرهابيون، فذلك كله مغفور ويمكن أن يمر فى هدوء، وفى الحالة السورية التى يحترف النظام فيها التنكيل والقتل، عرفنا قبل أسابيع أنه تم قتل 13 ألف شخص فى سجن واحد (صيدنايا) إلا أن ذلك لم يحرك أحدا.

من ناحية ثانية فالأصدقاء القتلة معهم رخصة مفتوحة. يشهد بذلك ما يفعله الإسرائيليون بحق الفلسطينيين وما يفعله حلفاء الولايات المتحدة بشعوبهم فى العالم العربى. والتفاصيل فى الحالتين معلومة للكافة. ما جرى إذا كانت له فضيلة، فقد تكمن فى أنه يلفت الانتباه إلى أمرين أولهما إرهاب الحكومات المسكوت عليه بزعم التفرغ لإرهاب الجماعات. وثانيهما أن الربيع العربى برىء مما يشاع عنه من فوضى وتمزق فى العالم العربى، لأن هذه الفوضى حلت بسبب جهود إفشال الربيع العربى وليس بسبب إطلاقه. ويعلم الجميع لا ريب أن الشعب السورى حين رفع صوته مطالبا بالإصلاح فى تظاهرات سلمية عام 2011، قوبل بالتنكيل والقمع والشبيحة الأمر الذى أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه فى الوقت الراهن.

ثمة اجتهادات تتردد الآن عن دوافع الرئيس ترامب للأمر بشن الغارة، بعضها يتعلق بحساباته الداخلية ومحاولة تعويض فشله فى الداخل من خلال تحقيق أى حضور فى الخارج. منها أيضا سعى الإدارة الأمريكية للتواجد على الأرض السورية فى توقيت رسم خرائطها الجديدة، كى لا تنفرد روسيا بذلك. منها كذلك محاولته وقف التمدد الإيرانى وتوجيه رسالة تحذير لطهران النشطة فى دعم الرئيس السورى. ثم إننى آخذ على محمل الجد الرأى القائل بأن الحضور العسكرى الأمريكى فى سوريا يمهد لمشروع الرئيس ترامب إغلاق ملف الصراع مع إسرائيل وإنهاء القضية الفلسطينية من خلال خطة جديدة وصفها البعض بأنها صفقة القرن.

للمشهد زوايا أخرى عديدة لم نفهمها، لأن مكاننا محفوظ فى مقاعد المتفرجين طالما أننا بلا حول ولا قوة. وهو أمر ليس مستغربا، لأننا إذا ظللنا متفرجين ولم نفهم شيئا مما يحدث فى محيطنا الداخلى، فأولى بذلك أن يستعصى علينا استيعاب ما يجرى فى الساحة الدولية.
--------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق