المفسدون لا يحبون الناصحين
بقلم: عامر شماخ
على مدى تاريخ البشر، يأبى الفاسدون
المفسدون، الطغاة الجبابرة الظالمون أن يستمعوا لصوت العقل، وأن يقبلوا
النصح، وندر أن تجد منهم رجلا رشيدًا، بل الأصل والأساس أنهم طبقة عفنة،
طال عفنها القريب والبعيد، ويودون لو أن العالم كله صار على شاكلتهم؛
فاسدًا مفسدًا..
ولو استجاب هؤلاء المعاتيه لأحد لاستجابوا لرسل الله، الذين عُرفوا فى أقوامهم بالصدق والأمانة وشرف النسب وعراقة القبيلة؛ ورغم ذلك كذبوهم، ولم يستمعوا لهم، بل واجهوهم، وحرضوا أقوامهم عليهم، واتهموهم اتهامات فظيعة يعلمون أنهم منها برءاء، لا لشىء إلا لأنهم أرادوا لهم الخير، ورغبوا أن يهدوهم سبيل الرشاد؛ حيث (.. جاءتهم رسلهم بالبينات، فردوا أيديهم فى أفواههم، وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به، وإنا لفى شك مما تدعوننا إليه مريب) (إبراهيم: 9).
ويأبى القوم إلا أن يظلوا فى غيهم سادرين، قد طبع الله على قلوبهم، فلا ينفعهم بشير ولا نذير، يصدون عن سبيل الله، وقد زين لهم الشيطان سوء أعمالهم، مستكبرين عن سماع الحق، يظنون أن الزمن قد توقف عندهم، وأن الدنيا قد خلت لهم؛ فلا حكم ولا إرادة إلا بهم.
فها هو نوح -عليه السلام- ينصح ويعظ، بشتى السبل، على مدى مئات السنين، وهم يعلمون نسبه وأمانته، فيكون ردهم عليه أسوأ الردود؛ تلخصه آية سورة الأعراف فى قوله: (إنا لنراك فى ضلال مبين) (الأعراف: 60)؛ وهكذا صار النبى المرسل، الصادق الصابر الحكيم -فى عرف هؤلاء المجرمين ضالاً عظيمًا- حاش لنبى أن يكون كذلك، وسلام على المرسلين أجمعين..
ثم يأتى من بعده هود، وينصح لقومه (عاد)، وقد بان فسادهم وعم شرهم، فردوا عليه كما رد قوم نوح على نوح، قالوا: (إنا لنراك فى سفاهة، وإنا لنظنك من الكاذبين) (الأعراف: 66)، وحاش لله أن يرسل سفيهًا إلى قومه، بل كان هود زينة الرجال، وفخر القبائل، وما فعلوا ما فعلوا إلا لفساد قلوبهم، وانخطاط طريقتهم؛ ولإجرام تأصل فيهم يمنعهم من الإيمان واتباع الرسول..
والأمر نفسه حدث مع صالح وقومه (ثمود)، فقد قابلوا النصح بالاعتداء على حرمات الله وتحدى النبى المرسل العظيم (فعقروا الناقة، وعتوا عن أمر ربهم، وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين) (الأعراف: 77)، ومع لوط الذى نهاهم عن الفاحشة التى لم يسبقها إليها أحد من العالمين، فكان ردهم قاسيًا؛ دليل انحطاط بشرى، وتدن لم يعرفه الآدميون من قبل (قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) (الأعراف: 82)..
أما موسى عليه السلام، فقد كانت حربًا سجالا بينه وبين الفرعون الأكبر، الذى اغتر بقوته، وتكبر على الخلق، حتى ادعى لنفسه الألوهية والربوبية، فما أسكت صوته وحطم جبروته إلا ماء البحر الذى ذهب به إلى النار خالدًا مخلدًا فيها.. وهذا الفرعون الخاسر آية فى الفساد والإفساد، طبع الله على قلبه (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) (غافر: 35)، وزُين له سوء عمله (وكذلك زُين لفرعون سوء عمله، وصد عن السبيل، وما كيد فرعون إلا فى تباب) (غافر: 37)، حتى عاث فى الأرض فسادًا؛ فقال ردًا على المؤمن الذى نصحه من قومه (ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) (غافر: 29)، وقال فى موضع آخر -كبرًا وغرورًا-: (ذرونى أقتل موسى وليدع ربه، إنى أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر فى الأرض الفساد) (غافر: 25)، وفى مرحلة تالية قال (اقتلوا أبناء الذين معه واستحيوا نساءهم، وما كيد فرعون إلا فى ضلال) (غافر: 25).
وجاء خاتم الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- بما جاء به إخوته الأنبياء السابقون، وتعرض من قومه لما تعرضوا له ويزيد، وهم يعلمون حسبه فيهم، والمقام لا يتسع لذكر كل تلك المواقف، لكن تلخص خستهم ونذالتهم آية الأنفال: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين) (الأنفال: 30)..
نعم، إنهم يمكرون، والله خير الماكرين، ويكيدون والله يمهلهم ليزدادوا إثمًا، والناصحون لا يكفون عن النصح ليعد لهم الرحمن عدّاً، ويحصيها عليهم، والكيس من لا يمل النصح، عارضًا عليهم بضاعة الله الرابحة كالرجل الصالح الذى قال (يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد) (غافر: 38)، وقال (يا قوم ما لى أدعوكم إلى النجاة وتدعوننى إلى النار) (غافر: 41)، وقال (فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله، إن الله بصير بالعباد) (غافر: 44)، فكان رد الله : (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) (غافر: 51)..
صحيح لا يسمح الفاسدون الطغاة لصوت العقل، ولا يعبأون لنصح، لكن على الدعاة والمؤمنين طرق جميع الأبواب، والتضحية بكل غال ورخيص، والقدوة تجدها فى قلب القرآن، لما قال الرجل الصالح لفاسدى قومه (إنى آمنت بربكم فاسمعون، قيل ادخل الجنة، قال ياليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى وجعلنى من المكرمين) (يس: 26، 27) قتلوه... لكن دماءه كانت الماء التى روت شجرة الدين فوصل إلينا نقيًا لا شية فيه، ولا شك أن ذلك الصالح كان كثير الذكر، ملحًا فى الدعاء، صابرًا، تقيًا رحمه الله.
ولو استجاب هؤلاء المعاتيه لأحد لاستجابوا لرسل الله، الذين عُرفوا فى أقوامهم بالصدق والأمانة وشرف النسب وعراقة القبيلة؛ ورغم ذلك كذبوهم، ولم يستمعوا لهم، بل واجهوهم، وحرضوا أقوامهم عليهم، واتهموهم اتهامات فظيعة يعلمون أنهم منها برءاء، لا لشىء إلا لأنهم أرادوا لهم الخير، ورغبوا أن يهدوهم سبيل الرشاد؛ حيث (.. جاءتهم رسلهم بالبينات، فردوا أيديهم فى أفواههم، وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به، وإنا لفى شك مما تدعوننا إليه مريب) (إبراهيم: 9).
ويأبى القوم إلا أن يظلوا فى غيهم سادرين، قد طبع الله على قلوبهم، فلا ينفعهم بشير ولا نذير، يصدون عن سبيل الله، وقد زين لهم الشيطان سوء أعمالهم، مستكبرين عن سماع الحق، يظنون أن الزمن قد توقف عندهم، وأن الدنيا قد خلت لهم؛ فلا حكم ولا إرادة إلا بهم.
فها هو نوح -عليه السلام- ينصح ويعظ، بشتى السبل، على مدى مئات السنين، وهم يعلمون نسبه وأمانته، فيكون ردهم عليه أسوأ الردود؛ تلخصه آية سورة الأعراف فى قوله: (إنا لنراك فى ضلال مبين) (الأعراف: 60)؛ وهكذا صار النبى المرسل، الصادق الصابر الحكيم -فى عرف هؤلاء المجرمين ضالاً عظيمًا- حاش لنبى أن يكون كذلك، وسلام على المرسلين أجمعين..
ثم يأتى من بعده هود، وينصح لقومه (عاد)، وقد بان فسادهم وعم شرهم، فردوا عليه كما رد قوم نوح على نوح، قالوا: (إنا لنراك فى سفاهة، وإنا لنظنك من الكاذبين) (الأعراف: 66)، وحاش لله أن يرسل سفيهًا إلى قومه، بل كان هود زينة الرجال، وفخر القبائل، وما فعلوا ما فعلوا إلا لفساد قلوبهم، وانخطاط طريقتهم؛ ولإجرام تأصل فيهم يمنعهم من الإيمان واتباع الرسول..
والأمر نفسه حدث مع صالح وقومه (ثمود)، فقد قابلوا النصح بالاعتداء على حرمات الله وتحدى النبى المرسل العظيم (فعقروا الناقة، وعتوا عن أمر ربهم، وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين) (الأعراف: 77)، ومع لوط الذى نهاهم عن الفاحشة التى لم يسبقها إليها أحد من العالمين، فكان ردهم قاسيًا؛ دليل انحطاط بشرى، وتدن لم يعرفه الآدميون من قبل (قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) (الأعراف: 82)..
أما موسى عليه السلام، فقد كانت حربًا سجالا بينه وبين الفرعون الأكبر، الذى اغتر بقوته، وتكبر على الخلق، حتى ادعى لنفسه الألوهية والربوبية، فما أسكت صوته وحطم جبروته إلا ماء البحر الذى ذهب به إلى النار خالدًا مخلدًا فيها.. وهذا الفرعون الخاسر آية فى الفساد والإفساد، طبع الله على قلبه (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) (غافر: 35)، وزُين له سوء عمله (وكذلك زُين لفرعون سوء عمله، وصد عن السبيل، وما كيد فرعون إلا فى تباب) (غافر: 37)، حتى عاث فى الأرض فسادًا؛ فقال ردًا على المؤمن الذى نصحه من قومه (ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) (غافر: 29)، وقال فى موضع آخر -كبرًا وغرورًا-: (ذرونى أقتل موسى وليدع ربه، إنى أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر فى الأرض الفساد) (غافر: 25)، وفى مرحلة تالية قال (اقتلوا أبناء الذين معه واستحيوا نساءهم، وما كيد فرعون إلا فى ضلال) (غافر: 25).
وجاء خاتم الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- بما جاء به إخوته الأنبياء السابقون، وتعرض من قومه لما تعرضوا له ويزيد، وهم يعلمون حسبه فيهم، والمقام لا يتسع لذكر كل تلك المواقف، لكن تلخص خستهم ونذالتهم آية الأنفال: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين) (الأنفال: 30)..
نعم، إنهم يمكرون، والله خير الماكرين، ويكيدون والله يمهلهم ليزدادوا إثمًا، والناصحون لا يكفون عن النصح ليعد لهم الرحمن عدّاً، ويحصيها عليهم، والكيس من لا يمل النصح، عارضًا عليهم بضاعة الله الرابحة كالرجل الصالح الذى قال (يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد) (غافر: 38)، وقال (يا قوم ما لى أدعوكم إلى النجاة وتدعوننى إلى النار) (غافر: 41)، وقال (فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله، إن الله بصير بالعباد) (غافر: 44)، فكان رد الله : (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) (غافر: 51)..
صحيح لا يسمح الفاسدون الطغاة لصوت العقل، ولا يعبأون لنصح، لكن على الدعاة والمؤمنين طرق جميع الأبواب، والتضحية بكل غال ورخيص، والقدوة تجدها فى قلب القرآن، لما قال الرجل الصالح لفاسدى قومه (إنى آمنت بربكم فاسمعون، قيل ادخل الجنة، قال ياليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى وجعلنى من المكرمين) (يس: 26، 27) قتلوه... لكن دماءه كانت الماء التى روت شجرة الدين فوصل إلينا نقيًا لا شية فيه، ولا شك أن ذلك الصالح كان كثير الذكر، ملحًا فى الدعاء، صابرًا، تقيًا رحمه الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق