موسيقار الحرب الأهلية
بقلم: وائل قنديل
لا يريد نظام عبد الفتاح السيسي أن يتنازل عن حلمه المجنون باستدعاء "حالة جزائرية" في مصر، تحاكي تلك العشرية السوداء التي أدمت قلوب الإنسانية، بحصدها أرواح نحو ربع مليون مواطن.
عقب كل حادث "إرهاب" يقع على أرض مصر، يبدأ إعلام النظام في عزف موسيقى الحرب الأهلية، ودعم "الهولوكوست" المنصوب منذ الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 بكمياتٍ إضافيةٍ من الوقود، فتشتغل أبواق النظام على تغذية روح الانتقام والتصفية المباشرة، من دون انتظار المحاكمة، لعائلات قادة "الإخوان المسلمين"، القابعين في الزنازين.
هذه المرّة، يذهب إعلام السلطة إلى اختيار أسماء عائلاتٍ بعينها، لتعليقها على المشانق، أطفالاً ونساءً ورجالاً، وقبل أن تبدأ التحقيقات في حادث حلوان الإرهابي، كانت أذرع السيسي الإعلامية قد انتهت من وضع قوائم المطلوبين للقتل.
هذا الاستعجال في الإبادة يزيد الشكوك حول جريمة حلوان، بشأن توقيتها ومرتكبيها، وما ترتب عليها من آثار، لعل أهمها تحول صورة وزير داخلية السيسي من "نيغاتيف" إلى "بوزيتيف"، وإهالة التراب على المعركة العادلة المحترمة، التي تخوضها الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين ضد إرهاب السلطة، وإصابة المجتمع المدني بالخرس أمام مذبحة قضائية، انتهت إلى الحكم بإعدام صحافيين وإعلاميين، من دون أن تجرؤ منظمة حقوقية واحدة على إصدار بيان يتيم، بمواجهة هذا التوحش.
لن يثنينا سعار السلطة وحناجرها الإعلامية عن القول إن نظام السيسي وتنظيم الدولة شريكان في المقتلة، ووجهان للعملة القبيحة نفسها، كلاهما يعيش على وجود الآخر، ولا يستطيع الاستغناء عنه، كلاهما يستثمر في الموت والفزع والخراب، ويفيد من جرائم الآخر.
منذ تفويض يوليو/ تموز 2013 الذي حصل عليه السيسي للقتل كما يشاء، ووقتما يشاء، والخاسر هو الإنسان المصري، وليس الإرهاب، فالاستخدام الأول للتفويض كان في مجزرة القرن، ضد المعتصمين في ميدان رابعة العدوية. ومنذ ذلك التاريخ، و"الإرهاب المحتمل" الذي تحدث عنه السيسي ينمو ويستفحل، ويقترب إلى العمق، بينما يواصل الجنرال ابتزاز الداخل والخارج بهذه اللعبة الشيطانية المخيفة.
بعد تفجير غامض عند مديرية أمن القاهرة، في بواكير الانقلاب، انهمرت قرارات وإجراءات، حرّمت وجرّمت كل أشكال المعارضة والاعتراض والمناقشة والتلفظ بعباراتٍ من نوعية "حريات تظاهر وحقوق إنسان"، وبعدها توالت حوادث الإرهاب المصنوعة بدقة، بغية استثمارها لاحقاً، قضائياً وسياسياً وتشريعياً. وقبل ذلك، تثبيتاً لزعامة وهمية لشخص فارغ من أية رؤية أو قيمة، أو مشروع سياسي وطني.
وبعد حادثٍ بشع حصد أرواح جنود بسطاء، يحاربون في معركةٍ ضحيتها الأولى سيناء وأهلها، وقف السيسي يخطب محرّضاً على الحرب الأهلية "لن أكبل أياديكم للثأر لشهداء مصر، الذين راحوا في الأعمال الإرهابية الجبانة، وأنتم من ستأخذون بالثأر". كانت هذه التصريحات تاليةً لتصريحات أخرى له، اتهم فيها ضمنًا "الإخوان" بأنهم وراء ما يجري في سيناء من قتل للجنود، من دون أن يذكر "تنظيم ولاية سيناء"؛ لتنطلق بعدها دعوة إعلامييه الشعب المصري إلى النزول إلى الشارع وقتل "الإخوان" وحرق ممتلكاتهم.
تنطلق الأصوات نفسها الآن بعد حادث حلوان، تحرّض على المقتلة، كما فعلت عقب مقتل النائب العام السابق، وهي نفسها التي حرّضت على مذبحة "رابعة العدوية" وما تلاها، وإذا وضعت في الاعتبار أن مصر ارتدت، مرة أخرى، إلى زمن "وزارة الإرشاد"، فإن ما يلقى في وجهك من سخائم وأدران ليس نتاج جهد إعلاميٍّ دؤوب، وليس حصاد نبش في صناديق القمامة المعلوماتية، بل هو أقرب إلى النص المعمم على الكافة، لترديده على أوسع نطاق، وفي توقيتٍ واحد تقريبا.
وتذكر جيداً أن مثل هذه الأجواء هي البيئة المناسبة لنشاط هذا النوع من الحناجر المبرمجة على تقديم اسكتشات فكاهية عن السيادة الوطنية والكرامة القومية، وهي الفقرات التي تتكرّر دائماً مع اهتزاز الأنظمة التي يلعبون في أحواشها، وتردد العبارات نفسها من نوعية الأساطيل والقطع البحرية الأميركية تتحرّش بنا في المياه الإقليمية، إلى آخر هذه المحفوظات "الأمن ــ قومية" المعلبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق