الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

صلاح أحمد توفيق : بلال فضل متى يكون صريحا ؟؟؟

صلاح أحمد توفيق :  بلال فضل متى يكون صريحا ؟؟؟

كم ليمونةً عصر بلال فضل في ٣٠ يونيو ؟ ---- ابراهيم عثمان
( يظل المثقف محبا لهجاء أمل دنقل لـ "الرجال الذين ملأتهم الشروخ"، إلى أن تملأه الشروخ، فيكف عن الاستشهاد بأمل دنقل، ليتحدث عن أنواع أرخص من الأمل ) - بلال فضل .
كان بلال فضل أحد نجوم ثورة ٢٥ يناير الذين يقدمون خطاباً مختلفاً يدعو إلى التسامح والتعايش وتقبل الجميع لبعضهم البعض ، لم يكن علمانياً متطرفاً ، ولذلك كان من بين أشهر عاصري الليمون لإختيار مرسي عندما كان الخيار في مرحلة الإعادة في انتخابات الرئاسة بينه وشفيق . لم يكن اختياراً مستغرباً فحساسية فضل من نظام مبارك وحكم العسكر أكبر من حساسيته من الإسلاميين أو هذا ما كان يصل إلى متابعي برامجه و مقالاته ، ولكنه لم يعصر ولو ربع ليمونة بعد فوز مرسي ليدعمه في وجه الثورة المضادة ، لم يغفر لمرسي لديه أنه فعل كل ما يمكن فعله للوصول إلى حكم تشاركي ثم ووجه بصد من الذين اصطف فضل في صفهم بكل خفة ، و هم الذين تكرم و تنازل ليصوت لمرسي حتى لا تنجح مخططاتهم ، لم يشغّـل فضل وأمثاله منطق عاصري الليمون ليعلموا أن صفتهم كعاصري ليمون ستجعلهم تلقائياً لا يقبلون بكل ما يفعله الرئيس مرسي ، لأنهم في الأصل لم يصوتوا له إيماناً بكل برنامجه ولا اقتناعاً بشخصه ، بل لأن مرسي شريك أساسي في الثورة ، ولذلك فهو خيار أفضل نسبياً بالنسبة لهم من عودة نظام مبارك ، ويمكن معارضته داخل آليات الديمقراطية.
وقف بلال فضل بقوة ضد أحمد شفيق لأن الأخير يمثل الثورة المضادة الآتية بآلية ديمقراطية وضمن شروط الوضع الذي خلقته ٢٥ يناير ، ولكنه انخرط بكل سهولة في مخطط الثورة المضادة الأكثر توحشاً وجذريةً في معاداته للثورة ، يقيني أن شفيق لو كان قد نال أصوات عاصري الليمون و فاز في تلك الإنتخابات لكان قد شعر بالإمتنان للثورة وتمتع بالثقة في شرعيته بالقدر الذي يعصمه من أن يفعل مثلما يفعل السيسي الآن ، و ربما كانت تحفظات فضل عليه أقل من تحفظاته على مرسي ، اضطر بلال فضل لعصر الليمون وتأييد مرشح الإخوان وهو يكافح لمنع الثورة المضادة ثم أتى وقت وأصبح جندياً متحمساً من جنودها ، كان بإمكانه أن يعصر ليموناً أكثر ليقاوم رغبته في إسقاط الرئيس مرسي ليس بالكف عن انتقاده فهذا حقه ، ولكن بأن يقود مع غيره حملة لمنع الثورة المضادة من أن تجعل سيل إنتقاداتهم يصب في نهر الثورة المضادة ، لم يكن ذلك عسيراً ، إذ كان بإمكانه أن يفعل مثلما يفعل الآن حيث لا يكاد يخلو مقال من مقالاته الناقدة لنظام السيسي من نقد مثله لجماعة الإخوان حتى لا يصب سيله في مجرى الثورة ، كان بإمكانه أن يحذر من مخططات الثورة المضادة ويقف في وجه مساعيها لضم شباب الثورة إلى صفوفها ، لكنه لم يفعل و قدَّم وبكل حماس مع مجموعة من زملائه كل ما يلزم لإنجاح الثورة المضادة و إعطائها شهادة مشروعية من بعض ثوار يناير عبر مسرحية ٣٠ يونيو .
تُرى كم ليمونةً عصر بلال فضل في ٣٠ يونيو ؟ إن كان لم يعصر ليموناً فتلك فضيحة لا يمكن سترها ، إذ كانت ملامح الثورة المضادة أقوى من أن تُستٓر ، و الأدلة لا يمكن حصرها ( بيان الجيش قبل المظاهرات بأسبوع ، المشاركة العلنية والواسعة للفلول وحضور صور مبارك ، تأييد الدول التي وقفت ضد ٢٥ يناير ، احتفاء الجيش والشرطة والأمن بالمظاهرات ومشاركتهم في صنعها ، وقوف كل السياسيين والإعلاميين و كل الأسماء التي كانت على القائمة السوداء لأعداء ثورة يناير مع التظاهرات .. الخ الخ ) ، إذن كانت روح الثورة المضادة حاضرة في كل التحركات السابقة ل ٣٠ يونيو و و المواكبة و التالية لها . لم تكن الأخطاء التي ينسبونها لمرسي بالحجم الذي يجعل أمثال بلال فضل يرتمون بسهولة في أحضان الثورة المضادة و دون أي عصرة ليمون . حتى الإعلان الدستوري الذي يرى فضل أنه كان كارثة الكوارث لم يكن إلا محاولة من الرئيس مرسي للوقوف في وجه الدولة العميقة وثورتها المضادة التي تستغل القضاء وغيره من مؤسسات الدولة لتحجيم الرئيس وحل الأجهزة المنتخبة ليس لمصلحة الثوار و إنما لمصلحتها الخاصة . و إن كان فضل قد عصر ليمونةً ليقف بجانب مرسي فهو بالتأكيد كان يحتاج لأضعافها ليقف بجانب شفيق و السيسي و عكاشة و القمني و مرتضى و إلهام و "آسفين يا ريس" و غيرهم .
منطق مقالات بلال فضل هذه الأيام يقول بطريقة غير مباشرة : لقد خُدِعنا . و هذا - إن صح - إعتراف بقدر من السذاجة يمثل شرخاً لا يمكن تغطيته . فالخدعة كانت معلنة بل مغالية في الكشف عن نفسها ، ومن عميت عيناه عنها عليه إما أن يُراجع نفسه ويحاول أن يتلمس في دواخله معالم الحقد و سلالته من المشاعر السلبية تجاه الإخوان التي عمت بصره عن رؤية الحقيقة الشاخصة دون مكياج إلا ذلك الذي وفره هو و أمثاله ، أو أن يستقيل من مهمة حارس الثورة و ضميرها و عقلها المفكر الذي يصحح للجميع كتابهم و الذي يظن أنه أحق بالثورة من الإخوان و أن دوره فيها أكبر من دورهم ! . فقد كان شريكاً في مؤامرة أعادت نظام مبارك بنسخة إنتقامية و أكثر توحشاً و فساداً و معاداةً للثورة ، و المؤكد أن مبارك نفسه لو كان قد نجا من السقوط لكان أرأف بالثورة والثوار من السيسي . و مشاركة فضل و أمثاله من القافزين من مركب الإنقلاب لا يكفي تكفيراً عنها بعض مقالات تنتقد الدكتاتور دون الدعوة إلى إسقاطه والثورة عليه، وتنتقد الشهداء و المسجونين و المطاردين في ذات المقالات التي تستنكر ما حدث لهم ، الأمر الذي يصب مباشرة في خدمة الثورة المضادة الحاكمة الآن ، مما يجعل الشك مشروعاً في أن إنتقاد الإجراءات والأحكام الظالمة هو خدمةً لصورة الكاتب كليبرالي أكثر من كونها تعاطفاً حقيقياً يمتد ليشمل مظلوميتهم الكبرى المتمثلة في أصل الإنقلاب .
و سيكون بلال فضل في قمة السذاجة إن كان قد ظن في لحظة أن إنقلابياً متآمراً يمكن أن يكون رحيماً بمن انقلب عليهم خاصةً إذا كانوا يشكلون خطراً على عرشه ، فظلم السيسي لخصومه لازم طبيعي للإنقلاب الذي شارك فضل في صناعته . و منطق مقالات بلال فضل يقول بأن النظام الحالي هو نظام إنقلابي مستبد ، ولكنه لا يستنكر إنقلابه على الرئيس المنتخب و إنما إنقلابه على شركاء الإنقلاب !
أتمنى أن يعصر بلال فضل ليموناً كثيراً و يغالب نفسه التي ( ملأتها الشروخ ) و يعترف بأنه من أوائل الذين تنطبق عليهم مقولته "الحكيمة" التي تصدرت هذا المقال ، فليس ثمة شرخ أكبر من الذي فعله الإنقلاب في صورة مصر ، و التعلل بحسن النية لا يكفي عندما يحتاج المرء لغض الطرف عن الكثير لكي لا يرى كل علامات عدم تحققها ، فقد كان قمة أمله أن يُقصى المنتخبون و أن لا ينال الإنقلابي تفويضاً بالقتل ! و ذلك بمحاولته إقناع القراء بأن إنحراف السيسي بدأ منذ ( لحظة التفويض المشؤومة ) كما يسميها ، فلحظة التفويض الحقيقية والأخطر سبقتها بكثير و كان فضل و قلمه و لسانه و كل فكره وملكاته في خدمتها ولا زال الأمر كذلك بدفاعه المستمر عن صواب ما قرره السيسي في ٣ يوليو . و بسقف مقالاته الذي لا يتعدى خطوط الإنقلاب الحمر ، و أظهرها هو عودة الإصطفاف الثوري ، فبمن سيسقط فضل الإنقلاب إن استبعد الفصيل الأكبر الذي يخشاه الدكتاتور و يقع عليه معظم ظلمه ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق