الاثنين، 5 يناير 2015

هل يكفي لكي تكون مسلماً أن.. بقلم: د. موفق مصطفى السباعي

 هل يكفي لكي تكون مسلماً أن..
بقلم: د. موفق مصطفى السباعي
هل يكفي لكي تكون مسلماً، وتنجو من عذاب الله، أن تصلي وتقيم الشعائر التعبدية جميعها؟!
هل يكفي لكي تكون مسلماً، وتنجو من عذاب الله، أن ترتاد المساجد، وتحضر حلقات الذكر، وتتمايل ذات اليمين، وذات الشمال، وكأنك غبت عن الشهود والوجود، وحلقت بروحك في أجواز الفضاء؟!
هل يكفي لكي تكون مسلماً، وتنجو من عذاب الله، أن تطيل لحيتك، وتقصر ثوبك، وتتزين بالمظاهر الإسلامية؟!
هل يكفي لكي تكون مسلماً، وتنجو من عذاب الله، أن تبدأ حديثك باسم الله، وتتلو آياته، وتتزين بالمصحف في رقبتك أو على مكتبك؟!
هل يكفي لكي تكون مسلماً، وتنجو من عذاب الله، أن تكون دمث الأخلاق، طيب المعشر، حسن المعاملة مع الآخرين، وتدعوهم إلى الله، وتصبح داعية من الطراز الأول؟!
هل يكفي لكي تكون مسلماً، وتنجو من عذاب الله، أن تلقي الخطب الرنانة في مدح الإسلام، والتغني بأمجاده، وأن تدعو الله، وتتوسل إليه بأسمائه الحسنى ليكشف عنك الكرب والغم؟!
هل يكفي لكي تكون المرأة مسلمةً، وتنجو من عذاب، الله أن تلبس الحجاب الشرعي، وتتجنب مجالس الاختلاط؟!
هل يكفي لكي تكون مسلماً، وتنجو من عذاب الله، أن تتظاهر بالزهد، والتقشف، والخشوع في الصلاة، والبكاء حين قراءة القرآن؟!
كل هذه السلوكيات الخلقية، والمظاهر التعبدية، ضرورية ومهمة في حياة المسلم، لكي يوصف الشخص بأنه مسلم، ولكنها ناقصة، قاصرة، لا قيمة لها البتة، ولا تنفع صاحبها عند الله، مثقال ذرة من خردل، إذا لم يسبقها أولاً وابتداءً، وقبل كل شيء، الكفر بالطاغوت، والبراءة من عبادته، والتحرر من طاعته، كما قال تعالى: (فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ) [سورة البقرة: آية 256].
فالكفر بالطاغوت أولاً، ثم الإيمان بالله ثانياً، وليس العكس، فلا إيمان، بدون الكفر بالطاغوت أولاً وابتداء.
كما قال تعالى أيضاً: (وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُوا ٱلطَّـٰغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوٓا إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ) [سورة الزمر: آية 17].
فاجتناب عبادة الطاغوت أولا، ثم الإنابة إلى الله ثانياً.
تفريغ القلب أولاً من حب، ومن عبادة، وطاعة الطاغوت، ثم ملؤه بحب الله، وطاعته، وعبادته وحده لا شريك له، مثل تفريغ الكأس من الماء الوسخ أولاً، ثم ملؤه بالماء النظيف، الزلال، السلسبيل.
فالذين يسبحون بحمد الطاغوت بالليل والنهار، ويتحاكمون إليه، ويحرضون الناس على طاعته، بصفته أنه ولي أمر المسلمين، في الوقت الذي يقتل فيه المسلمين الملتزمين سراً وعلانية، بشكل مباشر وغير مباشر، بالرصاص تارة، وبالإعلام المغرض لتشويه صورتهم، وتنفير الناس - وبالخصوص ذراري المسلمين الغثائيين الضائعين، التائهين - تارة أخرى.
أولئك لا يؤمنون بالله وحده، وإنما يشركون معه الطاغوت، الذي يعلنون ولاءهم له، وطاعتهم لأوامره، وخوفهم من معصيته، أكثر من خوفهم من الله!!!
وكذلك البراءة من موالاة الظالمين، المستكبرين، المفسدين في الأرض، الذين يحكمون بغير شرع الله، والذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، ويقتلون، ويسجنون، ويعذبون كل من يدعو إلى عبادة الواحد الديان.
كما قال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوٓا إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) [سورة هود: آية 113].
إن أول ركن من أركان الإسلام هو البدء بإنكار الألوهية، والربوبية، والحاكمية، والطاعة، والخضوع، والاستسلام لغير الله، وهذا معنى: أشهد أن لا إله إلا الله، فهو إقرار، وتوقيع، واعتراف، بأن لا معبود، ولا إله، ولا سلطان، ولا حاكم، ولا ملك، إلا الله.
وما الأوصاف التي يسرقها بعض العبيد، من الصفات الربانية، ويضفونها على شخوصهم، للتباهي بها أمام العبيد الآخرين، إلا أوصافاً مجازية، ومؤقتة، لا تغير في طبيعته العبيدية، بأنه خرج من بطن امرأة، وسيعود إلى بطن الأرض، مخلفاً وراءه كل الألقاب والأوصاف التي تغنى بها ردحاً من الزمن، وسيقدم على صاحب الأوصاف الحقيقية، الذي سيقول له: (ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ) [سورة الدخان: آية 49].
إذا لم يتحقق هذا الإنكار ابتداءً، فلا قيمة للإيمان بالله.
إذ إن كل البشر، من لدن آدم وإلى يوم القيامة، يؤمنون بالله، ولا يوجد مخلوق على وجه الأرض، ينكر وجود الله، كما قال تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ‌ ٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ) [سورة العنكبوت: آية 61].
حتى الملحدون إذا وقع أحدهم في كرب، أو مسه ضر، لجأ إلى الله، واستغاثه، وناداه: يا الله اكشف عني الضر، كما قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّ ٱلْإِنسَـٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِۦ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا) [سورة يونس: الآية 12].
فالإيمان بالله مع الإيمان بالطاغوت وطاعة أوامره، هو عبادة لهذا الطاغوت، كما قال الله تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَـٰبَنِىٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا ٱلشَّيْطَـٰنَ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [سورة يس: الآية 60].
فطاعة الشيطان، والطاغوت، والحكام الذين يحلون الحرام، ويحرمون الحلال، هو عبادة لهم حسب المفهوم الرباني، وهذا هو الشرك الصريح الواضح، كما قال تعالى: (ٱتَّخَذُوٓا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓا إِلَّا لِيَعْبُدُوٓا إِلَـٰهًا وَ‌احِدًا لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَـٰنَهُۥ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [سورة التوبة: الآية 31].
وفي الحديث الشريف:
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: " يَا عَدِيُّ اطْرَحْ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ، فَطَرَحْتُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةَ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ: "أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونُهُ، ويُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟" قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: "فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ".
فهل ينتبه ذراري المسلمين إلى خطورة عبادة الطاغوت، قبل فوات الأوان، وقبل القدوم على الواحد الديان؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق